العلاقات الصومالية العمانية في فترة الدولة الحديثة:
منذ استقلال الصومال عام 1960م كانت العلاقات الثنائية بين جمهورية الصومال وسلطنة عمان علاقة أخوة وصداقة كاملة بحكم العلاقات التاريخية،والثقافية، والدينية،والمصالح الإستراتيجية المشتركة بين البلدين على مر العصور والأزمنة.
وقد وقفت سلطنة عمان مع الصومال في كل الظروف التي مرت بها منذ فترة الحكومات المدنية التي انتهت بانقلاب عسكري 1969م وفترة النظام العسكري بقيادة اللوء محمد سياد بري المنتهية عام 1991م حيث قدمت سلطنة عمان كافة أشكال الدعم إلى الصومال،وفي جميع الأصعدة والمجالات.
أما في عهد انهيار الدولة فقد ضاعفت سلطنة عمان في الجهود المتصلة بالوقوف إلى جانب الصومال ماديا ومعنويا،خاصة في المجالات الإنسانية،والإغاثية،فضلا عن التبادل التجاري بين البلدين.
ويرى ليبان سعيد شبع مستشار وزير الداخلية والشؤون الفيدرالية والمصالحة في تطوير الشؤون العربية في حديث لـ”قراءات صومالية” أن سلطنة عمان أثناء غياب الحكومة في البلاد،وفي وقت الحرب الأهلية، ساعدت الصومال من خلال مواصلة دفع جميع النفقات لموظفي السفارة الصومالية في البلاد.
وأضاف ليبان ” إن الشعب الصومالي يتذكّر لأشقّائه العمانيين جهودهم الإنسانية، ولن ينسى أبدًا الأخوة والإسلام والصداقة التي حفزتهم لمساعدة إخوانهم الصوماليين “

وصرّح حاجي حسن وهو تاجر صومالي أن سلطنة عمان هي الدولة الوحيدة التي سمحت للأشخاص المنحدرين من أصل صومالي الذين حصلوا على الجنسية في عمان بالتسجيل باسم قبيلتهم الصومالية، واستضافت لاجئين وشخصيات سياسية من بينها تكريمها لأسرة الرئيس الأسبق محمد سياد بري بعد الإطاحة به في الصومال، وعندما تمكث في عمان لا يمكنك تمييزهم عن ضيوفك بشكل عام، لأن الشعب العماني هادئ ومهذب ومحب للضيافة.
وأضاف حاجي حسن في حديثه لـ”قراءات صومالية” أن السلطنة هي الدولة الوحيدة في الخليج التي لم تمنع قط من تصدير المواشي الصومالية من الدخول إلى موائي السلطنة منذ بداية الحرب الأهلية وحتى الآن، بينما سمحت حكومات خليجية أخرى بذلك في وقت متأخر نسبيا.
إحياء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين

وقد أعطى الرئيس الصومالي عبدالقاسم صلاد إهتماما خاصا لسلطنة عمان حيث عيّن حسن محمد سياد بري سفيرا لدى السلطنة حيث أنهى عمله كسفير للصومال لديها إلى 2015م، وقد توفي السفير في مسقط عاصمة السلطنة في شهر أغسطس 2019م
ثم قدم سعادة السفير عبد الرزاق فارح علي تانو أوراق أعتماد كسفير لجمهورية الصومال الفيدرالية إلى سلطان عمّان قابوس بن سعيد في قصر الرئاسة في مسقط بتاريخ 2 دسمبر 2015م.
ثم جاء بعه السيد عبدالولي علي أحمد (جيلاني) حيث قدم أوراق اعتماده إلى سلطان عمان السلطان هيثم بن طارق بن تيمور.
وتتميز العلاقات الصومالية العمانية بالعمق والمتنانة في مختلف المجالات ذات الإهتمام المشترك خاصة المجال التجارية،والثقافية،والدبلوماسية.
وقد أعربت وزارة الخارجية عن استنكار سلطنة عُمان للتفجيرين اللذين استهدفا وزارة التربية والتعليم العالي في العاصمة الصومالية مقديشو في اكتوبر 2022م، وعبّرت عن خالص التعازي وصادق المواساة لحكومة وشعب جمهورية الصومال الفيدرالية الشقيقة ولذوي الضحايا وتمنياتها بالشفاء العاجل للمصابين.
دور السلطنة في العمل الإنساني بالصومال

وتتسم مختلف جوانب الحياة في سلطنة عُمان بالطابع الانساني وذلك لطبيعة الشعب العماني الشقيق المحب للسلام والعمل الخيري، حتى باتت “أنسنة السياسة العُمانية” دبلوماسية متحركة وفاعلة على كل المستويات، فأيادي السلطنة فيما يتعلق بجهودها الإغاثية أيادي بيضاء، وفي ترجمة واقعية لذلك، بدأت الهيئة العمانية للأعمال الخيرية تكثف أنشطتها في الصومال خلال فترات الجفاف التي ضربت الصومال في فترات متقطعة من العقد السابق.
وفي عام 2011 عندما ضربت الصومال أسوأ جفاف منذ عقود طويلة وتسبب في حدوث مجاعة قامت سلطنة عمان بتسيير جسر جوي من 16 طائرة لنقل مساعدات إنسانية عاجلة إلى ضحايا المجاعة والجفاف بالصومال.
وأوضح الرئيس التنفيذي للهيئة العمانية للأعمال الخيرية علي بن إبراهيم بن شنون الرئيسي أن المساعدات بلغت في مجملها ثلاثة آلاف طن.
تميزت المساعدات العمانية بجودة المواد الغذائية المقدمة التي احتوت كل العناصر الغذائية الضرورية من الأرز، الدقيق، زيت الطبخ، السكر.
وفي الأعوام السابقة،ولا يزال مستمرا حيث جرت العادة توزيع تلك المساعدات الإنسانية خلال شهر رمضان الفضيل من خلال برنامج (إفطار صائم) في ميزانية لا تقل عن 5 ملايين دولار أمريكي، ويستفيد منه كل مرة عشرات الآلاف من الأسر المنكوبة، وذلك بالتعاون مع هيئات محلية تتمتع بالأمانة والمصداقية، وهي مزكاة من جهات رسمية.
وباشرت الجمعية العمانية للأعمال الخيرية في فترات سابقة بتنفيذ مشروع يتم خلاله حفر حوالي 21 بئرا ارتوازية في جميع الولايات السبعة التي تتألف منها الصومال بما فيها مقديشو العاصمة لتلبية الحاجات الماسة للسكان لمياه نظيفة بواسطة شركات محلية لها خبرة مشهودة فازت بمناقصات طرحتها الهيئة العمانية للأعمال الخيرية عبر لجنة مشكلة من الجانبين (الصومالي-العماني).
حجم التبادل التجاري بين الصومال وسلطنة عمان
وصرح السفير الصومالي السابق للسلطنة السفير عبد الولي علي أحمد أن حجم التبادل التجاري بين البلدين الشقيقين في عام 2021 وصل إلى 450 مليون دولار أمريكي سنويا مؤكدا سعي بلاده الجاد لرفع حجم التبادل التجاري إلى مليار دولار أمريكي سنويا.
وأكد سعادته في حديث لصحيفة “عمان” أن هناك رغبة جادة من قبل الشركات والمستثمرين الصوماليين للاستثمار في السلطنة خاصة مع الإجراءات والحوافز التي أعلنتها السلطنة مؤخرا لجذب الاستثمار وإيجاد بيئة استثمارية تنافسية و”سنشهد قريبا زيارات لعدد من الشركات ورجال الأعمال الصوماليين للسلطنة”.. مشيرا إلى أن بلاده تمتلك أطول ساحل بحري في قارة إفريقيا ولديها تنوع في الحياة البحرية وأن أبوابها مفتوحة للاستثمار في مجال صيد الأسماك التجارية، لافتا إلى وجود فرق تجارية واستثمارية مشكلة من الجانب الصومالي تحظى بدعم من القيادتين العمانية والصومالية.
وتشير البيانات الإحصائية إلى أنَّ الصادرات الصومالية إلى السلطنة تتمركز بشكل أساسي في تجارة المواشي والمنتجات النباتية، فيما تستورد الصومال من السلطنة منتجات غذائية معبأة في السلطنة ومنتجات معدنية وبلاستيكية، وكذلك منتجات كيماوية ومعدات النقل والمواد النسيجية ومصنوعاتها.
آفاق التعاون بين الصومال وسلطنة عمان

ويرى السيد ليبان سعيد المستشار في وزارة الداخلية الصومالية أن على الحكومة الصومالية تحسين العلاقة السياسية والتجارية والثقافية بين سلطنة عمان التي لم تكن بارزة للشعب الصومالي منذ 33 عامًا وأحيانًا كانت بطيئة، وعلى الحكومة الحالية في فترة رئاسة الرئيس حسن شيخ محمود أن تختار سفيراً في عمان يمكنه تحسين العلاقة بين البلدين، لكون السلطنة أقرب إلينا من أي بلد عربي.
وأضاف السيد ليبان أن سلطنة عمان مستعدة لتطوير العلاقات السياسية بين الأشقاء الصوماليين ومساعدتهم بأي طريقة ممكنة، ولكن السفراء المعيّنين من قبل الحكومات الصومالية المتعاقبة لم يكونوا يعملون بالجدّ في تطوير هذه العلاقات إلى الحد المطلوب.
وقال ليبان لـ”قراءات صومالية”: منذ حكومة الرئيس عبد القاسم صلاد حسن تم تعيين ثلاث سفراء، حيث قضى السفير الأول في السفارة ثلاثة أعوام، وهؤلاء السفراء ظلوا في مناصبهم منذ أكثر من 18 عامًا لم يتمكنوا في تطوير العلاقة بين البلدين الشقيقين للمستوى المطلوب الذي يساوي مستويات الدول الأخرى.
بدوره تحدث السيد عبدالرحمن سهل يوسف الباحث في شؤون القضايا العربية والإسلامية عن أهمية العلاقات الدبلوماسية،وآفاقها الواسعة بين البلدين الشقيقين، ووجود عوامل محفزة لدفع العلاقات الراسخة بين البلدين الشقيقين خاصة في المجالات الدبلوماسية،والإقتصادية،،وتحقيق السلام.
وأشارعبد الرحمن سهل في حديث لموقع قراءات صومالية إلى أن سلطنة عمان تملك نموذجا ناجحا، وتجربة رائعة في تحقيق السلام والإستقرار،والتسامح، والتعايش السلمي، والإحترام المتبادل كقيم وطنية، ومحلية، إضافة إلى الإجراءات الإستباقية العمانية الرامية إلى مكافحة جذور الإرهاب والتطرف وذلك من خلال تعزيز ثقافة التسامح،والتعيش السلمي.