كان يوم الرابع عشر من أكتوبر الماضي يوما كارثيا بالنسبة لسكان مدينة مقديشو حيث وقع أسوأ تفجير في تقاطع سوبي المزدحم في وسط العاصمة الصومالية مقديشو، وسُمع دوي الانفجار من معظم الأحياء القريب من مكان انفجار والبعيدة عنه، وذهب ضحيته حوالي 400 شخص غالبيتهم الساحقة من المدنيين، وجرح أكثر من 300 شخص، وتسبب الانفجار بأضرار مادية جسيمة حيث تضررت الكثير من المحلات التجارية والفنادق في تلك المنطقة جراء التفجيريوم السبت الأسود.
اعتبر المحللون السياسيون والخبراء المسوؤلون في الحكومة الصومالية الحادثة بكونها أسوأ كارثة وطنية في تاريخ البلاد من ناحية الخسائر البشرية والمادية.
سنحاول قراءة أبعاد حادث تفجير وما وما تلاه من مواقف وخطوات ذات صلة بها.
مقدمة:
إن المسرح السياسي الصومالي مليء بالأحداث والتحديات الصعبة والتنافس على سدة الحكم، وفي حالة فشل أحد السياسين في تحقيق طموحاته، وأصبح مواقف الفريق الحاكم لا يتماشى على مسار مصلحته شخصية يبتكر طريقة للتخلص من الفريق الحاكم وإفشاله وهذا من أبجديات السياسة الصومالية .
تعوّد الشعب الصومالي تكرار مسرحية “مشروع سحب الثقة” من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزارء في السنوات الأخيرة ، وأن هذه السجالات كانت جزءًا من العرقلة ومساومات مصلحية تهدف إلى إضعاف شعبية الرئيس الحاكم وزمرته بأي وسيلة ممكنة، مثل استقوى القوى الخارجية التي لها دور مؤثر، …ولم يكن هذا الأمر شيئا غريبا في قواميس السياسية الصومالية حيث يعلم القاصي والداني، وقد شهدت البلاد طيلة فترات طويلة منذ انهيار الحكومة المركزية عام 1992م، وبات المسرح السياسي الصومال كثير التعقيدات وليس بالأمر اليسير فك طلاسمها أو فهم مسارتها! .
البعد الأول: انفجار استراتيجي
كما تُعرَّف الإستراتيجية في قطاع الأعمال على أنها خطة عمل طويلة الأجل ترمي إلى تحقيق هدف بخطة محكمة وتدبير جيد تتفادى الأخطاء في معظم الأحيان يكون الفوز هو المتوقع، وأقصد تعبير “انفجار استراتيجي” من الانطلاق من التُعريف بكلمة الإستراتيجية واستناداً الى تحليل المفكر الإسلامي الدكتور عبدالرحمن بشير، وقد تحدث الدكتور عن حادثة انفجار سوبي، وتضمنت كلمته تقديم تعزية ومواساة للشعب وحكومته ، وقد نُشر في مواقع التواصل الإجتماعي خواطر مسجله وهي عباره عن فيديو يستمر 14 دقيقة عبر فيها وصفه وتحليل ما حدث 14 من أكتوبر، ويعتقد الدكتور أن انفجار زوبي لم يأتي على سبيل الصدفة بل ووصف بأنه “انفجار استراتيجي” يحمل بصمة القوى الخارجية من حيث قوة انفجار ودلالات توقيت تعطي تفسيرات ومعاني كثيرة ، وأضاف الدكتور عبدالرحمن أن الانفجار أعمق وأكبر من تخطيط حركة الشباب، كما أنه لم يخف عن الأيادى الخارجية ذات الأيديولوجية السياسية قد تكون متورطة فيه.
البعد الثاني: دلالات توقيت انفجار تقاطع سوبي؟
رغم مرور أكثر من شهرين من كارثة تفجير سوبي يعتقد محللون أن التفجير ناجم عن انتحاري فجر نفسه داخل شاحنة مفخخة من نوع ” تي أم”، وقد أثارت توقيت تنفيذ الانفجار شكوكا وتساؤلات حول سلسلة أحداث متلاحقة كانت تجرى في المسرح السياسي ومن أبرزها :-
افتتاح قاعدة عسكرية تركية في العاصمة الصومالية مقديشو:
افتتح رئيس الوزراء الصومالي حسن خيري ورئيس هيئة الأركان العامة التركي خلوصي أكار أكبر قاعدة عسكرية العاصمة الصومالية مقديشو، وتزامن وقوع انفجارتقاطع سوبي بعد أسبوعين من افتتاح القاعدة العسكرية، وتشير الأنباء نقلتها وسائل الإعلام الدولية والمحلية مثل إذاعة صوت أمريكا القسم الصومالي وموقع العاصمة أون لاين عن مسؤول في المخابرات الصومالية أن القاعدة العسكرية التركية في مقديشو كانت الهدف الرئيسي للانفجار الذي وقع تقاطع سوبي.
وتناول تقرير في شبكة الجزيرة القطرية أن افتتاح تركيا معسكر تدريب عسكري في الصومال هو الأكبر من نوعه خارج البلاد، بهدف مساعدة الصومال في إعادة بناء قواته، ولكي تحجز هي موقعها الحيوي ضمن سباق قوى عالمية على التمدد وكسب النفوذ.[1]
وتناول تقرير لقناة العربية: افتتاح تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في العاصمة الصومالية مقديشو، في توطيد لعلاقاتها مع الصومال وتأسيس وجود لها في شرق إفريقيا. يذكر أن الصومال بلد مسلم يعاني من الاضطرابات، لكنه يحظى بأهمية استراتيجية..[2]
إذا نظرنا إلى التقارير التي نشرتها قناتا (الجزيرة و العربية) فإنها لا تخلو من كلمات ذات دلالات واضحه على أهمية موقع الصومال الاستراتيجي وأن قوى عالمية على التمدد وكسب النفوذ وحجز موقعها في الصومال.
وقال سنان أولجين، وهو دارس زائر في مركز أبحاث كارنيجي للسلام الدولي: “إنها دولة يمكن أن تمثل أهمية لتركيا دون أن تضطر بالضرورة إلى التنافس مع قوى إقليمية أو عالمية”.[3]
وخلاصة التقارير أن الصومال بلد يعاني من الاضطرابات الأمنية والاقتصادية إلا أنه يحظى بأهمية استراتيجية بسبب موقعها والثروات التي من الله عليها، وأن قوى إقليمية وعالمية تتنافس من أجل هيمنة وكسب تأييد حكومة الصومالية ، هذا التقارير تؤكد ما قال الدكتور عبدالرحمن بشير .
البعد الثالث: انعقاد مؤتمر لرؤساء الولايات الاقليمية في مدينة كسمايو:
اتخذت الحكومة المركزية قرارها المحايد تجاه أزمة دول الخليج، لكن رؤساء الأقاليم الفيدرالية لم يرق لهم موقف حكومة المركزية، وأعلنوا اصطفافهم إلى جانب دول المحور الذي تقوده السعودية والإمارات وكانت بداية شرارة الأزمة بين الحكومة المركزية والأقاليم إلى أن وصل الأمر إلى تبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام وبلغ الأمر ذروته حينما اجتمع نواب ولاية غلمدغ وأعلنوا عن مسرحية “مشروع سحب الثقة” من رئيس غلمدغ ونائبه ورئيس البرلمان ونوابه.
تتابعت الأحداث وأصدر رئيس المحكمة العليا لولاية غلمدغ يحيى شيخ علي قرار أيد مشروعية سحب الثقة بعض أعضاء البرلمان من الرئيس ونائبه.
ولم يكن باقي الأقاليم أفضل حالا حيث شهدت مدينة بوصاصو التجارية في ولاية بونت لاند مظاهرات شعبية حاشدة ضد اتفاقية ميناء بوصاصو بين ولاية بونت لاند و شركة (dp world) الإماراتية، ويرى المحللون أن الصفقات الإماراتية مع الولايات الفيدرالية هي محاولة انتقام من موقف الحكومة المركزية تجاة أزمة الخليج وإضعافها وتنافس الدور التركية.
وفي السياق متصل أعلنت مجموعة من سياسيين ورجال أعمال من مدينة جروي بتأسيس مجلس سياسي يسمى “مجلس انقاذ بونت لاند” وأعلنوا عن معارضتهم بشدة لسياسات عبد الولي غاس رئيس الولاية ومشاركته في مؤتمر حكام الولايات الصومالية في مدينة كسمايو وتأييدهم موقف الحكومة المركزية تجاه أزمة الخليج.
وأما شان ولاية جنوب غرب الصومال التي يقودها شريف حسن فقدم نواب في برلمان ولاية جنوب غرب الصومال مذكرة لسحب الثقة من رئيس الولاية واتهموه بالتقاعس عن أداء واجباته، والفشل في قيادة الولاية.
يأتي مؤتمر كسمايو في وقت حساس تتعرض الولايات الفيدرالية الخمس لهزات سياسية تهدد مصيرها ومستقبلها وأركان قصرها يقترب مايسمى ” مشروع سحب الثقة” وخير مثال رئيس ولاية هيرشبيلي المعزول علي عبدالله عوسبلي.
وفي ظل ذلك دعا رئيس ولاية جوبالاند أحمد محمد إسلام (أحمد مدوبى) إلى مؤتمر في مدينة كسمايو للتباحث حول الخلاف بين الولايات الإقليمية والحكومة الاتحادية والتشاور حول قضايا خلافية هو الهدف المعلن كما صرح أحمد مدوبي، ويرى المحللون أن ما يثير الشكوك لذا عدم تشاور الحكومة المركزية ولم توفد مقديشو أحدا يمثل عنها وأبدت قلقها بشكل غير رسمي من مؤتمر كسمايو.
وما توصل إليه المؤتمرون من نتائج بعد مناقشات عديدة كان واضحا للغاية يبدو أنها كانت تحمل في طياتها رسالة الى الحكومة المركزية في أن أكثر من 95٪ من مساحة الأراضي الصومالية تحكمها الولايات الإقليمية فكيف تتجاهلون شأن الولايات الخمسة؟!!…..
البعد الرابع: ملف عبد الكريم شيخ موسى (قلبِ طكح):
كان من المقرر قبل حادثة انفجار تقاطع سوبي أن يعقد البرلمان الصومالي جلسة استماع إلى لجنة تحقيق لكشف ملابسات ملف عبد الكريم شيخ موسى (قلبِ طكح) القيادي البارز في الجبهة الوطنية لتحرير أوغادينيا المعروفة بـ (O.N.L.F)، وقد أثارت قضية قلب طكح موجة استياء وانتقادات من قبل نواب المعارضة وفي الأوساط الشعبية، وعند حدوث كارثة 14 أكتوبر أصبحت من الأمور التي عفى عليها الزمن.
الهوامش:
https://www.turkpress.co/node/40061 [1]
[2] https://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2017/10/01/%D8%A3%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%81%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%AA-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%82%D8%A7%D8%B9%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AE%D8%A7%D8%B1%D8%AC%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%87%D8%A7-%D9%88%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7%D8%9F.html