في مثل هذا الشهر(ربيع الأول) من كل عام يحتفل جماعات من المسلمين لمولد النبيّ صلى الله عليه وسلم ويقام له كثير من المهرجانات والندوات في الكلام عن سيرته صلى الله عليه وسلم وخصائصه ومعجزاته وفضائله الكثيرة ويُذكر من القصائدِ والأشعارِ شيءٌ كثيرٌ طيبٌ وخاصة قراءة “البردة” للبوصري التي هي من أشرف القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك قصائد القرن الأول الهجري كبردة كعب بن زهير المشهورة(بانت سعاد) وما قيل في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم من المدائح والقصائد، ويوزع الحلوى والمأكولات والمشروبات..
ولكون الاحتفال متعلقاً بالنبي صلى الله عليه وسلم ورسول الإسلام العظيم يجد كثير من النّاس شغفاً وحباً له؛ فإن طبيعة المسلم محبةُ النبي صلى الله عليه وسلم ومحبةُ كلِ ما يتصل به، مع ما يبذله المجيزون من القوة في الدفاع عنه والكلام حوله وذكر أدلة الجواز والفضل أحيانا في إقامة هذا الحفل الكبير. وكثير من المحتفلين يعطي المسألة حجما أكبر من حجمها حيث يجعلها علامة فارقة بين من يحبّ الرّسول صلى الله عليه وسلم ومن لا يحب، ولهذا ترى من العوام مَن يفرط في المسألة ويعتدي على الناس بالسب والشتم وأحيانا بالضرب والأذي الجسدي، وهذا شيء مشهور كثير.
والاحتفال بالمولد اليوم يمثل روح الممانعة الصوفية والكفاح من أجل البقاء وعدم الذّوبان بالتّيار السلفيّ المانع بشدة للاحتفالات الدينية ما لم يرد فيها نصٌّ خاصٌ كالأعياد، ولمكانة الاحتفال بالمولد عند الصوفيّة يأخذ دور المُثَبِت والمبشّر بالوجود الذّاتي فتأخذ أيام المولد قسطًا كبيرًا في ردِ على السّلفيّة والهجوم على الوهابيّة في مواضيع كثيرة ليست قاصرةً بالمولد بل تتطرق إلى مسائلَ عقديّة في الأسماء والصّفات وعقائد الأشعريّة وتقريرها، وأخرى سلوكيّة في التصوف ورجاله.
وليس الاحتفال قاصراً على الجماعات الصوفيّة بل تقيمه بعض الدُول والأنظمة والحكومات الإسلاميّة، وفي بعض البلدان الإسلاميّة يُجعل ذاك اليوم يوم عطلة عامّة مثل الأعياد الشرعية والمناسبات الوطنيّة.
وحتى يثمر هذا الجهد الكبير الذي يبذله المجيزون كان مهما جدا أن ينبه عليهم بعض الواجبات الشرعية والإجتماعية التي يمكن أن يستفاد من هذه المناسبة مما هو ضائع مفقود وللأسف الشديد عند الجماعات المحتفلة وهي الكلام عن الأمور العامة التي تخص المجتمع الإسلامى من :
– الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ومحاربة الفواحش الظاهرة والمصائب التي اُبتلي بها المسلمون وهي كثيرة جداً كالشرك والكفر والعصيان من القتل والسرقة والخيانة والكذب والشتم والسحر والمعاملات المحرمة كالرّبا والحيل وأكل أموال الناس بالباطل.
– وكذلك ينبغي الكلام عن أخلاق الأمة الإسلامية من الرحمن والعطف والشفقة والترابط وإطعام المساكين واليتامي والأرامل والفقراء.
– وكذلك الكلام عن الجهاد في سبيل الله والدعوة إلى الإسلام ونشر الخير حتى يكون هذا الدين ظاهراً على الدين كله. – كذلك رد المذاهب الباطلة والأفكار المنحرفة التي تغزو الأمة الإسلامية كالإلحاد المعاصر الذي هو من أعظم الشرور في هذه العصر والرد على العلمانية والليبرالية والأفكار التي تدعو إلى محو الإسلام أو تحديد تشريعاته وفرض سيطرته على الأديان .
– ومما يضيع الدعوة إلى كتاب الله سبحانه وتعالى والحكم والتحاكم إليه وفصل النزاعات والخصامات به وقبول الأمة له قبولا لا يجعل في نفسها حرجاً مما قضى وحكم وتسلم له تسليماً .
– ومن الفرائض المنسية في الاحتفال أيضاً الكلام عن قضايا الأمة الإسلامية عموماً والظلم والجبورت التي تمارس القوى الشر ضدها من الكفار والأنظمة القمعية، بل هؤلاء الأنظمة لهم حضور قوي في الاحتفال لأغراضهم السياسية، فهذه الفريضة غائبة تماماً عن الاحتفال فلا كلام عن فليسطين وبرما ومآسي الشعب السوري وغيرهم من الشعوب الإسلامية .
وغير ذلك من الفرائض الكثيرة التي لا تكاد تسمع عند المحتفلين مما هو أهم بكثير عن الأكل والشرب وجمع الحلاوي والقصائد والأناشيد.