في 26/ يونيو عام 1960 استقل الجزء الشمالي من الصومال (الصومال البريطاني) عن بريطانيا، وبعده بخمسة أيام استقل الجزء الجنوبي من الصومال (الصومال الايطالي) في 1 يوليو 1960 , وفي نفس اليوم أعلنت الوحدة بين الشطرين الجنوبي والشمالي من الصومال، وتم في تلك السنة إعداد مسودة الدستور الصومالي الذي صودق عليه في استفتاء شعبي عام 1961 , ولم يشر الدستور الصومالي الأول أو حتى الدساتير اللاحقة إلى وضع اوغادين لكنه اشار في الفقرات 2 -4 من المادة 6 على ما يلي.
2- لا تقر الجمهورية الحرب كوسيلة لحل المنازعات الدولية.
3- تقبل الجمهورية تقييد سيادتها من أجل تنظيم يحقق السلام بين الأمم بشرط المساواة في ذلك مع الدولة الأخرى.
4- تؤيد الجمهورية الصومالية بالطرق القانونية والسلمية تحقيق وحدة الأراضي الصومالية كما تشجع التضامن بين شعوب العالم كأمة وعلى وجه الخصوص الشعوب الإفريقية والإسلامية.
ومن هنا يتضح أن الدستور الصومالي لم يشر بوضوح الى هذا الإقليم أو الى غيره من الأقاليم الصومالية خارج سيادة الصومال، واقتصر على تأييد الجمهورية على تحقيق الوحدة من خلال الطرق السلمية والقانونية فقط، كما أن ما اشتهر على أن النجمة الخماسية تشير الى أقاليم الصومال الخمسة التي تجزئت بفعل الاستعمار هو تفسير شعبي أو تفسير سياسي غير مضمن في الدستور حيث جاء في الفقرة 4 من المادة الأولى من الدستور أن العلم الوطني لونه أزرق فاتح قائم الزوايا تتوسطه نجمة خماسية بيضاء , ولم يذكر الدستور دلالات لون العلم أو النجمة الخماسية.
وعلى الرغم من ذلك الا أن حلم تحقيق الوحدة لجميع القومية الصومالية كان في مقدمة مطالب السياسيين مسنودا بزخم شعبي كبير بعد الاستعمار , وقد قامت الحكومة الصومالية بعد الوحدة بإلغاء جميع الاتفاقيات الاستعمارية مع إثيوبيا وغيرها بدعوى انها لم تكن طرفا فيها وضد المصالح الصومالية، من جانبها أعلنت اثيوبيا أن اوغادين جزء من اراضيها وسيادتها وانه غير قابل للتنازل , ورفضت حتى إعطاء الإقليم الحكم الذاتي كما كانت تطالب به منظمات وحركات وشخصيات داخل الاقليم وخارجه , ومن هنا فإن خيار عودة الاقليم بالطرق السلمية قد تم استبعاده مبكرا، ولهذا لجأت الصومال الى الطرق القانونية من خلال منظمة الوحدة الافريقية، ففي الاجتماع التأسيسي لمنظمة الوحدة الافريقية اعتبرت الصومال أن خط الحدود الموقع عام 1950 قسم القبائل الصومالية الى قسمين : قسم منها يعيش في إثيوبيا وقسم في الصومال، وأنها لم تكن طرفا في هذا الاتفاق , كما بررت ذلك بأن سكان الاقليم صوماليون مسلمون على المذهب الشافعي كما هو الحال في الصومال , وطالبت الاجتماع بإعطاء الاقليم حق تقرير المصير , لكن كل هذا اصطدم بقرار للوحدة الافريقية عند تأسيسها والذي ينص على احترام وقدسية الحدود الاستعمارية.
من جانب إثيوبيا وقفت وجهة النظر الاثيوبية عل النقيض من موقف حكومة الصومال، فقد رأت الحكومة الاثيوبية ان نزاعها مع الصومال هو نزاع على الحدود وليس للصومال حق في أوغادين باعتبارها جزء من أراضي اثيوبيا تم ضمها اليه بموجب معاهدات دولية آخرها المعاهدة الاثيوبية البريطانية عام 1954 المستندة الى معاهدات سابقة، وأن تنازل اثيوبيا عنها يعــد انتقاصا لسيادتها , وهناك نقطة أخرى حسب تبرير الحكومة الاثيوبية انه لم يكن هناك دولة صومالية قبل عام 1960 ولذلك فان القول بان الاستعمار قسم الصومال غير صحيح.
وخلال كلمة اثيوبيا عام 1963 في المؤتمر التأسيسي لمنظمة الوحدة الافريقية ذكر مندوبها أن هناك عدد من الحقائق حول القضية على حد قوله أولاها أن إثيوبيا دولة مستقلة منذ 3 الاف عام , والحقيقة الثانية أن حدود اثيوبيا التاريخية كانت تمتد ما بين البحر الأحمر الى المحيط الهندي متضمنة بذلك جميع المناطق التي تقع بين البحرين, وهناك تبريرات أخرى للجانب الاثيوبي ذكرها مسؤولون وإعلاميون مثل أن اغلب دول العالم متعددة الطوائف والأديان في الدولة الواحدة ولم يضرها ذلك، كما ان كثير من القوميات الواحدة تتوزع في اكثر من دولة في افريقيا وغيرها من دول العالم.
وبانتهاء المؤتمر ونتيجة للدور الفاعل للإمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي كسب رضاء زعماء الدول الافريقية التي أقرت مبدأ احترام الحدود لحظة انسحاب المستعمرين واللجوء في حال الخلاف الى الطرق السلمية , كما أن قرار منظمة الوحدة الافريقية تأكد خلال الاجتماع الاول للمنظمة في القاهرة في يناير 1964 الذي اكد على عدم المساس بالحدود القائمة عند إعلان إنشاء المنظمة, وبالمحصلة فإن الصومال قد خسر معركته لاستعادة الاقليم بالطرق السلمية والطرق القانونية , ولهذا بدأ تفكر في استخدام القوة على الاقل لاجبار اثيوبيا على التفاوض معها حول مستقبل الاقليم.
قبل أن نختم هذا الجزء أود الاشارة الى حدث مهم له دلالته حيث قطعت الحكومة الصومالية علاقتها مع بريطانيا عام 1963ولم تعود الا بعد اربع سنوات , وان كان السبب المباشر هو رفض بريطانيا الاستفتاء الشعبي في أنفدي , وتسليم الإقليم لكينيا , الا ان القرار جاء بعد دراسة، ومرتبط بالدور السلبي من وجهة النظر الصومالية لبريطانيا في الصومال حيث جاء في البيان الصومالي : أن الحكومة الصومالية انتهت إلى ضرورة قطع العلاقات مع بريطانيا التي باعت الشعب الصومالي سبع مرات وأوجدت مشاكل عسيرة على الحدود بين الصومال وجيرانها , أي أوجدت أعداء للصومال بدلاً من أن تترك الصومال في صداقته مع جيرانه.