سورة الحجرات التي سماها بعض العلماء *سورة الأخلاق* تتضمن بيانا لنظرية متكاملة تبصرنا بطريقة التعامل الصحيح مع النزاعات البشرية في كل مراحلها:
- مرحلة ما قبل حدوثها
- مرحلة حدوثها واستمرارها.
- مرحلة ما بعد نشوبها وقيامها.
القران الكريم يقرر مبدأ هاما وهو أن أكبر فساد يقوم به الانسان هو سفك الدماء وقد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب للاصلاح ومنع الفساد..ومنه القتل بغير حق.
المرحلة الأولى : وهي مرحلة ما قبل النزاع المسلح.
وفي هذه المرحلة يجب التربية الوقائية وتقرير ذلك ان استقرار المجتمعات والعيش في طمأنينة مقصد شرعي حرص الاسلام على توفيره وحمايته، ووضع له من المؤيدات الشرعيات الضامنة لحصوله ومن ذلك التربية الخلقية والفكرية الضابطة للسلوك، ومن ذلك بيان أصل الانسان، وأنه جعلهم قبائل للتعارف وليس للتقاتل، وفيه اقرار مبدأ وجود التنوع داخل المجتمع ، ووضع ميزان التفاضل، واقرار قاعدة الأخوة ومنع العنف اللفظي والسلوكيات الهابطة الباعثة نحو العنف كالسخرية والغيبة والتنابز بالألقاب، والعمل بالظن بلا دليل وكبح الاشاعات، والتثبت في الأقوال، كل هذه الركائز الفكرية والأخلاقية بمثابة تحصينات وقائية لحدوث التهارج والفوضى المانعة من الاستقرار.
المرحلة الثانية: عند حدوث الفتن والنزاع المسلح مهما كان مستواه أسريا كان أو قبليا، أو بين بلدان وأقاليم فان الاسلام دين واقعي، يعترف بالضعف البشري، وبامكانية قيام ظروف شبه قهرية لاندلاع الاقتتال ؛ ولهذا فان مجرد حدوث الاقتتال الذي هو معصية وكبيرة وفساد لا يهدم الايمان الذي هو أساس الأخوة، بل ينافي الأخوة ويخرمها ويضعفها،
وفي أثناء الاقتتال فان الخطوة العملية الصحيحة هي دعوة الأطراف للاحتكام الى شرع الله، وترك الاقتتال، والرضا بكلمة الشرع الفاصلة.
المرحلة الثالثة: وهي بعد حدوث النزاع المسلح، فالخطوة الصحيحة هي تصحيح الوضع بالاصلاح واتباع القسط والعدل ببن المتقاتلين، وهذا لا يحصل الا بتكليف من يقوم بالتوسط والنظر في شكاوى الجانبين، ودراسة القضايا المتنازع حولها بغية تلافي الأخطاء وتصحيح الأوضاع والقيام بالاصلاح وسيلة فعالة لاعادة الأمور الى نصابها،وطريق الى علاج المشاعر المتهدمة، وارجاع الحقوق الى أصحابها.
والخطاب الشرعي في مثل هذه الحالة متوجه أصحاب السلطة الرادعة، فبذلك يتضح أن الاسلام دين عملي وليس وعظا يعالج مشاكل الحياة بالمثاليات والأماني.
في ثنايا الايات جاء تقرير *مبدأ الأخوة ، وهو مبدأ عقدي وأخلاقي* ، والأخوة لا تقتصي التقاتل بل التناصر والتراحم، وفي التذكير بها اثارة المشاعر النبيلة، وتذكر وحدة الهدف والمصير.
وذكر في الختام أن حصول الرحمة العامة على المجتمع ويدخل فيها كل مثل الأمن ورخاء المعيشة حاصل باصلاح ذات البين.
نظرية إسلامية لدرء النزاعات
تبين من السورة أنها تضع نظرية متكاملة لفهم النزاعات البشرية بكل أنواعها، وتفسيرها، وادارتها وأبانت السورة مكانة الأخلاق في حفظ الاستقرار، مما يتطلب حمايتها وتجريم السلوكيات الضارة مثل السخرية على أسس عرقية، وتجريم نشر الاشاعات وعقاب من يعتاد على نشر الشائعات، وتجريم نشر الأخبار والاتهامات بدون اثبات في وسائل الاعلام كل ذلك درءا للفتن الداخلية ومنعا لنسف الاستقرار المجتمعي.
وأصي اخواني من أساتذة الجامعات، وعمداء الأقسام عقد المباحثات لمزيد من التدبر ومحاولة استكشاف القواعد الضابطة والداعمة للاستقرار.
وفي مستهل السورة تقرير مبدأ عظيم يكون سياجا حافظا ، وضمانا لكل ما سيأتي تقريره من الأحكام وهو تقرير قاعدة التحاكم الى والى رسوله، وعدم الافتئات عليهما، وضرورة توقير الرسول المبلغ عن الله.
فانظر ما أكثر بركة السورة ، وأعظم فضلها على البشرية.
الجزء الخاص بإدارة النزاعات المسلحة وغير المسلحة هو ملخص خطبة الكاتب بمسجد الحاج علي بمدينة غرووى العامر