الأعرابي في الصومال طباخ ماهر يعد الشاي الصومالي ويصنع الرغيف الشعبي ، ويحضر طعام الوليمة بنفسه ويساعد المرأة في إعداد الأطباق والوجبات ، وهو طبيب ناجح يعرف علاج الأمراض بالطب الشعبي المتوارث ، وهو طبيب بيطري أيضا يعالج أمراض الحيوانات المستعصية ويفهم مشاكلها الصحية ، وهو عالم بالجغرافيا يعرف تضاريس الأرض ومنخفضاتها ومرتفعاتها وعن تغير المناخ والطقس ، وعن السهول الصالحة للرعي وعن المواقع المناسبة للسكن ، ويفهم أسرار الماء ، وموسم المطر ويعرف قياس قوة ماء المطر والعمق الذي وصل الماء إليه في الأرض ، وهو عالم بالفلك ينظر إلى النجوم ومواقعها ويهتدي بها في أسفاره ورحلاته ، وهو عالم بالنباتات حتى الصميم ، يعرف أصنافها وأنواعها وأسمائها وأسرارها ومميزات كل منها والمكان الذي تنمو فيه ، ويعلم عن خصائصها وطبائعها ما يدهشك حقا ، ويعرف ما يعالج بها وما تأكله منها الحيوانات وما تأنف من أكلها ، ويعرف ما هو داء أو دواء منها ، وما يستخرج منها من السم أو ترياق السم ، ويحفظ ما قيل في كل واحدة منها شعرا ونثرا ، ويعرف الموسم الذي ينمو كل نبات ، ومتى ترى أزهاره النور ، ويعرف ثمار وبذور وأشجار كل شجر في الأراضي الصومالية عموما.
والبدوي أيضا عالم بالأحياء فهو حينما يدبخ ويسلخ البهيمة يتأمل في أعضائها وأجهزتها وخلقتها ، فهو يقوم بتشريح أعضائها بشكل غير مباشر ، وكذالك لديه قاموس كبير من المفردات المتعلقة بعالم الحيوانات والنباتات ، وهو ليس مؤهلا بعلم النباتات والحيوانات الأليفة وحسب بل هو على معرفة تامة بالحيوانات البرية وطبائعها ومذاق لحمها وإن كان الأعرابي الصومالي لا يأكل الحيوانات البرية كثيرا ويكتفي بالحيوانات الأليفة التي يربيها ويرعاها حتى لا يتهم بالبخل وقتل الحيوانات دون سبب ولا يوصف بالطمع والجشع.
والأعرابي الصومالي لغوي ماهر لا يشق له غبار ، ولن تجد في قوله لحنا ولا ترى في كلامه خطأ لغويا ، ويضرب الأمثال ويستحضر كل قصة معبرة وحكاية ظريفة في مكانها المناسب في التوقيت المناسب ، وهو يملك ذاكرة فولاذية تستشهد الأبيات وتعرف محل الشاهد منها لكل مناسبة ، ويعرف سبب قصة الشعر والشاعر ، وإذا بدأ أحد بيت فإنه يجد متعة بأن يكمل الشطر الثاني من البيت له ، وهو مع هذا مستمع جيد لا يقاطع متحدثا وإنما يشير برأسه بأنه متناغم معه ومنسجم مع حديثه.
والأعرابي في الصومال دبلوماسي من نوع آخر فلديه برتوكولات شعبية لكل شيء ، في الزفاف لديه برتوكولات وقوانين يتبعها ، وعندما يختار أحد المضارب ليسكنه هناك تعليمات ينفدها ، وعندما يحضر لمجلس العشيرة هناك لائحة من القوانين في ذاكرته يتبعها ، وعندما يلتقي مع عابر سبيل هناك طريقة يتحدث معه ، دائما لديه ما يقال وما لا يقال ، ومن تجاوز عن حدود الأدب والعرف وجب عليه غرامة شعبية تسمى ب ” الحال ” وهو ان يدفع ناقة أو شاة أو مبلغا معينا للمال لمن أخطأ بحقهم ، وأن يتوجهم عمامة وكأنه يقول : ” أنتم تاج على رأسي” ؛ لذالك لا يتحدث الأعرابي بقسوة وإنما يلتزم بالأدب ويراعي الذوق العام ويختار كلماته في المناسبات العامة بحرص شديد.
والأعرابي في الصومال مهندس يشيد الخيمة الصومالية بشكلها الرائع ، ويختار موقع مناسبا لها ، والمرأة الصومالية أيضا تصنع الأدوات والآلات التي تستخدم لحفظ الطعام ، وجلب الماء من البئر ، وما يوضع على الجمل قبل الركوب ، وتصنع الحصير التقليدي وغيره من الأثاث ، ويصنع أيضا الجرس الخشبي المصنوع من الشجر التي تعلق حول رقبة الناقة أو الجمل.
والمرأة الصومالية أيضا تصنع السمن والزبدة وتغير الحليب إلى مسحوق طبيعي يمكن إستخدامه في سنوات الجدب ، وتجعل الماء باردا حين تضع فيه إناء صنعته بشكل خاص ، وتطهو الطعام الطبيعي والعضوي ، وتقوم بإكرام الضيف وتدبح لهم الماشية وإن كان زوجها غائبا ، الضيف يتم تكريمه والحرمة تقوم مقام زوجها في حال غيابه.
والأعرابي في الصومال عبقري يعرف طبائع جميع الحيوانات في زريبته ، ويعرف تفاصيل حياة كل واحدة منها ، ويعرف شجرة نسبها وعن ما ولدته وعن أصلها وفصلها ، وكذالك يعرف عن الوشم التي تضعه القبائل والعشائر في أذان الغنم ، وعلى أصول أفخاد الإبل والبقر.