في العادة يعتبر الأكاديمي مَن يتردّد بين ثنايا المؤسسات التعليمية، ويحرز الدرجات ثم ينتقل بين مرحلة وأخرى إلى أن يستلم الورقة المسماة “بالشهادة”، وهكذا يستحق الجميع بهذا اللقب.. فهي سهلة المنال وروتينية النمط ولا شيء يستحق الاهتمام بها أو له التأثير أو الملاحظة المناسبة، فكلها عادية وطبيعية… هذا هو الحال في غالبية مجتمعنا، وعياً وواقعاً، حيال المفهوم العلمي الصحيح للأكاديمي والشخصية المتعلمة.
والأغرب العجيب من ذلك هو إسناد هذه الجموع إلى ريادة مجال المجتمع التعليمي والإيمان في شخصيتهم لعلهم يحوزون النتائج المحمودة.. إنه لأمر جلل وفيه العلل الكثيرة.
الأكاديمي الهيكلي:
هو أن يكون الشخص المتعلم مجرد هيكل له جسم بائن للجميع، وهو إنسان بارز بين أهل العلم ويحمل الشهادة، وتشققت أحذيته سيراً إلى المدارس والجامعات، ثم عندما انتهى إلى نهاية الطريق والتخرج اعتبر أنّ الانتهاء من الدارسة حلم قد تحقّق، وأنها معجزة تستحق بالفرح والاحتفال، وأخيراً يحصل على منصب مرموق ذي دخل كبير في مؤسسة أو هيئة ما.
وباختصار هذا ما يمكن تعريفه بهذا المصطلح.. ولكن لو نفضنا الغبار عن هذه الهياكل لرأيناها خاوية، تسمع صدى كلامك فيها، لا حشو فيها.. والفراغ العلمي هو من صفاتها.
فحديث العلم في الصدور لا في السطور محض ادعاءات عندها، ولا تحسّ أية شيء سوى الألقاب، وصفة الرياء لا تنفكّ عنها أينما صارت وارتحلت، وما أكثر هذه الهياكل في مجتمعاتنا بمختلف بلادها، أعداد غفيرة لا تحصى ولا تعدّ تتخرج سنوياً من مختلف المؤسسات التعليمية، والهياكل تزداد.
والعيب كل العيب على عاتق المؤسسات التعليمية، والحكومات حيال هذه القضايا فهي على حساب الأنظمة الموكلة لتسيير التعليم في البلدان ابتداءً من الوزارات وانتهاء بالمدارس، وكذلك دور البحث والدراسات المتعلقة بتطوير التعليم وتقييم كفاءته، ومما لا يكون مبرراً في نفس الوقت إسناد التقصير فقط للمؤسسات العليا المنوطة لتلك المسؤولية، فالشخص يكون على عاتقه أيضاً مسؤولية تطوير الذات، والكسب المعرفي المبني بالإخلاص والاجتهاد، وأن يكون التلقي العلمي من أجل المعرفة والاستفادة قبل اعتبار محل كسب مادي فقط، فالمؤسسات لا تستطيع وليس بإمكانها إرغام تلقي المعلومات وفنون العلوم والمعارف على أحد؛ لأنها مسؤولية شخصية ورغبة فردية تتحقق بإرادة حقيقية يصاحبها معلم لديه الإمكانية في إخراج قوة بشرية ذات الكفاءة العالية للمجتمع، فهذه الأخيرة ترجع للأنظمة العليا.
وأخيراً وليس آخراً، يحلم كل من اعتقد وآمن بأنّ المتعلم هو الذي جلس على المقاعد الدراسية سنين، وادعى المعرفة سنين أخرى، فتلك بعيدة عن الحقيقة ولا يمثّل رسل المعرفة والعلم، فهو حاد عن النهج المتعارف عليه لدى السلف من أهل العرب والعجم، في تلقيهم للعلم، والسبل التي نهجوا من أجلها، والكفاءة التي أظهروها للأمم في عصرهم حتى صاروا أساتذة عصرهم وأمثلة يحتذى بهم إلى يومنا هذا، فلنكن أساتذة عصرنا مهما بذلنا من جهود، ولنترك الهيكل جانباً، ولنحولها إلى حقيقة ملموسة.