ما من شك بأنّ الأمن الصومالي جزء من الأمن القومي العربي، كما أنّ الأمن العربي لا يستقر إذا كانت الصومال متوترة غير مستقرة، بل أكثر من ذلك فإن الاستقرار في الشريط البحري (الأحمر والمتوسط) كان عبر التاريخ بمثابة الحزام الأمني للمنطقة العربية برمّتها، كما شكلت الدول والممالك الإسلامية فيما بعد على شاطئ البحر الأحمر طرازاً إسلامياً تمثل جوهرة عقده مدينة “زيلع الصومالية”.
ومنذ محاولات الأحباش وهجمات قراصنتهم على سواحل جدة في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان المسلمون على حذر من هؤلاء، وقد أمر ابن الخطاب بإيفاد حملة بحرية للقضاء على نشاط القرصنة. أما في عهد خليفة عبد الملك بن مروان رحمه الله فقد رأى محاصرة الأحباش على السواحل وبالتالي خطط على إبعاد خطرهم بجيث سيطر الأسطول الأموي على جزر دهلك الصغرى والكبرى لحدّ هجمات القراصنة لسفن المسلمين، وذلك حتى لا تعود هيمنتهم على المنطقة مثلما سيطروا على اليمن في فترة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ومحاولاتهم بهدم الكعبة بقيادة أبرهة الأشرم.
وحينما غزت دولة البرتغال على منطقة شرق إفريقيا بعد دورانها حول رأس الرجاء الصالح بقيادة الملاح “فاسكو دي جاما” بغية الوصول إلى المحيط الهندي والتخلص من سيادة العرب للطرق التجارية التقليدية، وقد استطاع البرتغاليون الإتصال بالملك الحبشي المسيحي ليتعاون معهم في مشروع احتلال مكة والمدينة والزحف تجاه السلطنات الإسلامية المطرزة على طول الساحل.نعم كان هدف البرتغال الهجوم على الحجاز وهدم الكعبة ونبش قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى الوصول إلى الهند والشرق الأقصى مباشرة دون الحاجة إلى توسط المسلمين في نقل التجارة، لسيطرة المياة الإقليمية ثم لتحقيق الحصار الاقتصادي على العالم الإسلامي من ناحية الجنوب.
في ذلك الوقت كان الشعب الصومالي هو الشّعب الوحيد في منطقة شرق إفريقيا الذي اعترض الأسطول البرتغالي في مدينة براوه ولم تتمكن هؤلاء الاقتحام بالمدن الساحلية الصومالية على غرار ما فعلوا على ممباسه وكلوة ولامو ومليندا وزنجبار، وبمجرد وصول الأسطول البرتغالي إلى سواحل إفريقيا الشرقية قصفوا بمدافعهم ونيرانهم حتى أخضعوهم وأرغم السكان على دفع الضريبة لملك البرتغال.
أما عند محاذاة سفن البرتغال بمدينة مقديشو ققد خافوا منها لمَّا رأو المنارات والمآذن الشاهقة ظناً منهم بأنها قلاع للحرب، واكتفوا فقط إطلاق المدافع عليها، ثم واصلوا الزحف نحو اليمن والحجاز واصطدموا مع الأسطول المملوكي اليمني في بحر العرب الذي انهزم أمام البرتغال، وبالتالي فرض الأسطول البرتغالي حصاراً قوياً عليهم لمنع السفن القادمة من الهند من الدخول إلى البحر الأحمر والمواني العربية، كما أنّهم استخدموا أعنف أساليب القرصنة ضد التجار والحجاج المسلمين واستولى على بعض السفن العربية.
من هنا أخذت الخلافة العثمانية مسؤوليتها تجاه العالم الإسلامي وعلى رأس ذلك حماية الحرمين الشريفين، بل توغل الأسطول العثماني إلى المنطقة بعد أن تهيأ لمصارعة البرتغال وكونت الجبهة الإسلامية، ثم تأمين البحر الأحمر، لعمل الحزام الأمني حول الحرمين الشريفين، واستطاع العثمانيون كبح جماح البرتغاليين وعدم وصولهم إلى الأماكن المقدسة، ومن هنا فشلت جميع المحاولات الترتغالية الحبشية للوصول إلى الحرمين الشريفين. من ناحية أخرى استطاع بنو عثمان وقف الزحف الشيعي الصفوي الذي كان متعاوناً بالبرتغاليين مثلهم مثل الأحباش، وكان العثمانيون يرون بأنّ عليهم مسؤولية حماية المسلمين من الخطر المسيحي، كما تولّو مسؤوليتهم تجاه حماية المذهب السني من خطر الزحف الشيعي المتطرف..
وليس من الغرابة في شئ أن تطمع إثيوبيا مرة أخري في عام 2024م، الإستيلاء علي ميناء زيلع للتلاعب بأمن المنطقة العربية خدمة لأجندات توسعية لايهدف إلا إلي القضاء علي مقدرات الأمة العربية وفي مقدمتها الصومال . ولهذا يكون التساؤل الطبيعي ” ما أشبه الليلة بالبارحة، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه.