يسعى الإنسان دائماً لتَحقيق السّعادة التي يحبّ أن يرى أثرها في حياته اليومية، كما يبذل قصارى جهده ليحقق حياة سعيدة، يأمل مستقبلاً مشرقاً، يغدو كل يومٍ لينجز مهاماً جديدة، يتعب طوال السنين؛ لإيجاد ما يريد تحقيقه، يفتش دائما أجواء هادئة وبعيدة عن المخاوف والمشكلات، وتتنوع هذه الحياة من شخص إلى آخر، هناك من يرى السعادة والعيش الكريم أنها كسب الأصدقاء وجمع الأموال؛ ليسعد في الدينا فقط، وآخرون يرون أن السعادة الحقيقية والحياة الأبدية في الآخرة لا في الدنيا؛ لأن الآخرة هي غاية كل مؤمن، والدنيا هي الوسيلة لدرب الجنان والإدراك برضى الله؛ لذالك من هنا فقد عرفوا أن قيمة الحياة في الدارين هي الإحسان إلى خلق الله؛ ليجدوا حلاوة الحياة التي يَحلُمها كل إنسان.
يتبين لنا أن السعادة التي يبحث بها الإنسان في حد ذاتها شاملة وعظيمة المعنى، وهي تعني كل ما يدخل الفرحة والبهجة والسرور والهدوء والإستقرار والطمأنينة على النفس؛ حيث لها أثر جميل على القلب، كما تتميز لذة فريدة من نوعها وأشكال مختلفة بنفس الوقت، ولهذا نتناول في خلال هذا الموضوع العظيم الشامل صورة من صور السعادة الحقيقية وشكل من أشكالها ألا وهي (الإحسان إلى خلق الله)!.
الإحسان إلى الخلق له أهمية عظيمة في المجتمع وله مقام رفيع عند الله؛ فهو غاية المحسنين ومنتهى قصد الصالحين والإحسان منبع كل خير ؛ وهو منحة ربانية، وفضل من الله يؤتيه من يشاء من عباده، وبستان لا ينقطع ثمارها، ينبئ عن الصفاء، وينطق بالوفاء، ويترجم عن العطاء؛ بالإحسان يزرع الحب، ويُخطب الودّ، وتكسب النفوس، ويُهيمن على القلوب، وتستعبد الأفئدة. الإحسان هبة من الله، وبذل بلا تردد، وإكرام لا يوصف.
هناك حكمة تقول “إذا أحسست بألم فأنت حيّ، لكن إذا أحسست بآلام الآخرين فانت إنسان!”، لذا لا تتم إنسانيتنا إلا إذا استشعرنا بواجبنا نحو الآخرين، هكذا نتقدم ونتطور وننجز حقائق مذهلة؛ لأن نجاحنا في الحياة مرتبط بمدى خدمتنا للأمّة، والجدير بالذكر أن الذي يعيش لنفسه فقط لا ينجح أبداً.
عندما تَحُسّ أن الإحسان إلى خلق الله له شعور داخلي يدركه الإنسان بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير والبال، وسعادة دائمة، وسعة في الرزق، وبركة في الأولاد؛ حينها تؤمن أنك في رحمة الله وأنك في ذمة الله.
إن الطريق إلى الله ليس محسوراً في شيء واحدٍ ولهذا فإن الإحسان إلى الناس من أعظم الطرائق الذي يوصلك إلى الله، فالإحسان أن تحسن مع الله، مع والديك وأولادك، مع زوجتك وأهلك، مع أصحابك وأصدقائك، مع الكبار والصغار، مع القريب والبعيد، مع الفقراء والمساكين، مع جيرانك وحتى الحيوانات.
والإحسان إلى الناس يكون بالقول والفعل على سبيل المثال لا الحسر ..نصرتك لمظلوم ، أو مساعدتك لمسكين ،أو عطفك لملهوف ، أو رحمتك لحيوان ، أو تألمك لمريض ،أو تسديدك لمدين أغرقته ديوناً ، أو تبشر بشيء جميل لأخٍ لك ، أو أن تحزن حينما يحزن أخيك ، أو أن تفرح حينما يفرح ، أو أن تقول كلمة طيبة ، او أن لا تسب أحداً ، وان لا تؤذيه بلسانك كل هذه من الإحسان إلى خلق الله.
والآن نذكر بعض النصوص في هذا الموضوع الشريف ، والآيات الواردة في موضوع الإحسان إلى الخلق كثيرة لكن نستدل بعضاً منها :
يقول الله تبارك وتعالى : ﴿ وابتغ فيما آتاك الله والدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك﴾ من هنا يتجلى أن من تعظيم الله وقدره الإحسان إلى عباده لأنه أحسن إليك ودعاك إلى الإحسان أليس هذا في قمة الروعة؟.## وقال أيضاً : ﴿وأحسنو إن الله يحب الحسنين﴾ وقال أيضاً ﴿ إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون﴾ وقال تارة : ﴿إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾.
يقول النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (من نفَّسَ عن مؤمنٍ كُربةً من كُرَبِ الدنيا، نفَّسَ اللهُ عنه كُربةً من كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسّرَ على معسرٍ، يسّرَ اللهُ عليه في الدنيا والآخرةِ، ومن سترَ مسلمًا، ستره اللهُ في الدنيا والآخرةِ، واللهُ في عونِ العبدِ ما كان العبدُ في عون اخيه) وقال أيضاً : (أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا).
أيها القارئ الكريم عليك أن لا تتباهى بما تقدم من الإحسان إلى الناس وأن لا تتحدث بما أسديت إليهم من النعم الدنيوية حتى لا تتكثر بتلك المنّة وترى (الفضل) عليهم بإحسانك الذي قدمته ، فقط ازرع الجميل ولا تحفره أبداً.
وهذا مايعلمنا نبي الله موسى عليه السلام بعد دخوله إلى المدين حينما جلس تحت ظل شجرة فلاحظ إمرأتان ومعهما أغنام وليس لهما قدرة على السقي بالأغنام ولهما بحاجة مُلحّة إلى من يساعدهما فأشفق موسى عليه السلام وقدم لهما يد العون والمساعدة ثم انصرف عليه السلام إلى ظل شجرة ولم ينتظر لهما أجرةً ولا شكراً إذاً لابدّ الإقتداء من هذا النبي العظيم.
مَن يَغرسِ الإحسانَ يَجْنِ مَحبَّةً، وكيف لا؟!، طالما أن المرء يسعى ليُسعد أخيه المسلم أو يفرج عنه كربة ، أو يفرح لأفراحه، أو يحزن لأتراحه، أو يعين لأخيه، بكل أنواع الإحسان تقابله معونة الله له، وتفريج العبد لكربة أخيه يقابله تفريج الله تعالى لكربته يوم القيامة، وتيسير العبد على غيره في قضية من قضاياهم يوازيه تيسير من الله تعالى لأمور العبد في الدنيا والآخرة؛ لهذا يجب علينا أن نتحلى بالصفات الحميدة ومنها الإحسان إلى الخلق ، وأن نتخلى من الصفات المذمومة التى لا جدوى فيها.
“وكن رجلاً إن أتوا بعده مرّ وهذا الأثر”.