علي آدم مؤمن، عبدالله عثمان فارح، وفارح عبدالقادر محمد غايلان، عينة تمثل تطور التغطية الإعلامية للمشهد الصومالي، وتراجع دور الاعلام التقليدي لصالح التغطيات الإعلامية الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وبغض النظر عن مدى مصداقية محتوى هذه التغطيات الجديدة ومهنية القائمين عليها فإن هذه التجارب الإعلامية الجديدة قد غيرت النمط التقليدي لتغطية المشهد الصومالي وحجم تدفق المعلومات واتجاهاتها.
علي آدم من صحفي مغمور في سراديب شركة GOOBJOOG الإعلامية إلى أشهر صحفي في المشهد الإعلامي الصومالي، وذلك بفضل تركيزه على أخبار الانفجارات العاجلة، ومن خلال شبكة واسعة من المحررين لصفحته في الفيسبوك والذين كانوا في عام ٢٠٢١م أكثر من عشرين محرر معظمهم من داخل الصومال، ويتابعها أكثر من تسعمائة ألف شخص ،واكتسابه علاقات صداقة مع ضباط وعناصر من الشرطة والقوات الأمنية المختلفة تمكن علي من فرض بصمته على المشهد الاعلامي والسياسي الصومالي، وأصبح المصدر الأول لأي إنفجار يحدث في البلاد وليس في مقديشو وحدها.
ورغم تحقيقه لهذا النجاح وفي هذه المدة القصيرة إلا أن حضور علي في المشهد لم يخل من المآخذ، وواجه انتقادات عدة من قبل منتقديه ومنها:
١. تماهيه الكامل مع الاستقطاب السياسي الحاد بين حكومة الرئيس السابق محمد عبدالله فرماجو وبين المعارضة المتمثلة في اتحاد المرشحين للرئاسة ، وعدم تورعه عن استخدام أساليب تحريضية وعشائرية مكشوفة.
٢. التلفيق ببعض المعلومات المزورة من أجل الإساءة لطرف معين خدمة لطرف آخر، أو ابتزاز شخصيات وكيانات.
٣. امتعاض البعض من تركيزه على أخبار التفجيرات التي تصيهم باليأس وخيبة الأمل، إلى حد لقبوه بعلي قرح أي (علي الانفجارات) أو قرح قوتي (المتقوت من الانفجارات) وهي تهمة رغم موضوعية الاعتراضات لكنني كصحفي عمل في الميدان أجد أنها من مناقب علي وليست من مثالبه، فالانفجارات تحدث ويصل دويها الى مسامع الجميع وعلي تكفل بنقل ما حدث.
عبدالله عثمان فارح
مثل علي مؤمن لم يكن عبدالله شخصية معروفة في التغطية الصحفية للأحداث الأمنية والسياسية في البلاد وإنما كان صحفيا يعمل في مجال التغطية الرياضية وتحليل مباريات كرة القدم للدوريات العالمية ، لكنه خلال وقت قصير تحول الى يوتيوبر يتناول الشأن السياسي والأحداث الساخنة في البلاد عبر حلقته اليومية الي بحلل فيها لأهم الأحداث في الساعات ٢٤ التي مضت، وتمكن من توثيق علاقاته بأهم اللاعبين السياسيين في المشهد وبالشخصيات المحيطة بهم من أجل تأمين تدفق المعلومات إليه.
عبدالله وبصوته الجهوري وقدرته على جلب المعلومات الطرية أصبحت له مكانته في المشهد الإعلامي والسياسي الصومالي، إلا أن ذلك لا يعني سلامته من المآخذ والاعتراضات عليه من قبل البعض، ومما يجد عليه هؤلاء البعض:
١. مثل ما فعل علي مؤمن انخرط عبدالله في الاستقطاب السياسي القائم ولو بشكل أكثر تهذيب من علي، لكنه في بعض المواقف انزلق الى منعطفات ما ينبغي للصحفي الاقترب منها.
٢. تمكينه للسياسيين من استخدام تحليلاته كوسيلة لبعث رسائله كضريبة يدفعها مقابل بعض التسريبات المعلوماتيةالتي يحصل عليها من طرفهم، وهي نقطة لها ما يبررها ما لم تستحوذ الضريبة على كامل تكلفة المعلومة.
فارح غايلان
ورغم أن يشارك مع سلفيه في اختراق المشهد الاعلامي دون مقدمات فإن غايلان يختلف عن علي وعبدالله أنه ينطلق من حسابات سياسية شخصية، وأنه كان من مؤيدي حملة الرئيس سعيد عبدالله دني في عام ٢٠١٨م، وبعد فاز سعيد دني على رئاسة إقليم بونتلاند في يناير ٢٠١٩م تلقى غايلان خيبة أمل ولم يصبح من الدائرة المقربة لدني، شد رحاله نحو العاصمة مقديشو وانضم الى ركب الرئيس محمد عبدالله فرماجو نكاية بسعيد دني، واستقر في الأراضي التركية، وعبر صفحته في الفيسبوك غايلان ميديا يقدم فارح تحليلات للمشهد السياسي الصومالي، وأصبح المتنفس الرئيسي لجماعة الرئيس السابق، ومثل كانت قناة الجزيرة في فترة من الفترات الوسيلة الاعلامية الوحيدة التي تخصها القاعدة بتسجيلاتها الصوتية أصبح غايلان الوسيلة الاعلامية تنقل الأخبار وتحلل الأحداث حسبما تريده جماعة الرئيس فرماجو.
وفارح رغم أدائه الصوتي المتمكن وقدرته على ربط الأحداث ببعضها لكنه لا يحتاج الى تقييم فقد حدد موقفه ومكانته مسبقا فهو مع جماعة فرماجو له ما لها وعليه ما عليها، من كان يؤيد فرماجو يرى غايلان صحفي عبقري وعملاق لا تحجبه الشمس، ومن كان يعارض فراماجو لا يرى غايلان سوى بوق من أبواق الجماعة لا سكوته يعجبه ولا صوته يمثله.
هذه التجارب الاعلامية الثلاثة تكشف حقيقة مهمة وهي مدى العلاقة بين نجاح الصحفي كشخصية ذات مصداقية وبين نمو وتصاعد مكانته، كل من يقارن بدايات هؤلاء الصحفيين الثلاثة وبين واقعهم الحالي يستطيع أ ن يدرك كيف التأثيرات الخارجية وتقاطعات الحسابات المالية والسياسية في مسيرة الصحفي الصاعد تفعل فعلتها، فلا التفجيرات تثير شهية مؤمن كما كان في السابق، ولا عبدالله يواصل تحليلاته اليومية بعد انتخابات مايو الرئاسية ، ولا غايلان يتحرك إلا بطلب جماعته، وكأن الجميع تحولوا من صحفيين الى تجار وأي مساحة إعلامية لها تكلفتها والتي بدونها لا يوجد تغطية.
العالم في تطور ، والإعلام القديم بدأ نجمه يفول، وهؤلاء شباب الثلاثة عينة لعشرات من التغطيات الاعلامية الجديد والتي تفوق على الاعلام التقليدي في عدة نواح أهما قلة التكلفة، ووفرة المواد الخام (الأحدث) والقدرة على لفت انتباه الجمهور وتوجيه بكل سهولة.