بعد هذه المدة، وعندما وقعت الأحداث سالفة الذكر، طلب الرئيس فرماجو- وأريد أن أصارح لسكان بونت لاند، حيث قيل في مرات عديدة أن بونت لاند ترفض المجيء إلى غرووي – وطلب أن يأتي أحمد مدوبي، وتستخدم الحكومة الصومالية بصورة فجة مواطن الضعف في الشعب الصومالي، وهي القبلية، وتستغل ذلك بصورة غير لائقة، وهذا ليس لمصلحة الصومال، والغريب أن الإنسان المسؤول الذي يمر في المرحلة الراهنة، أن يضرب طبول القبلية وهو يعلم ما مر به الشعب الصومالي خلال ثلاثين عاما الماضية، وهذا حظ سيء للغاية.
ثم أصبحت النتيجة أن يقال إن الخلافات والنزاع في الوطن يدور بين قبيلة دارود، ويجتمعون في غرووي ويحلون أمورهم الخاصة بهم، ولكن في الحقيقة هذا لا يليق بنا أصلا، وأن يقال عنّا، هم يناقشون القضية المشتركة والمملوكة للشعب الصومالي، وهي نفس الخدعة والمؤامرة التي ورطنها فيها أثناء مؤتمر طوسمريب 2، ظنا منا من باب حسن النية أننا نحل المشكلة، ولكن أن يحدث هذا مرة ثانية فهي غباوة.
ولكن قبلنا انعقاد المنتدى في مقديشو العاصمة،وسبب رفضه في كل الأوقات عقد المؤتمر في مقديشو لكون جميع الشركاء في القضية متواجدون وحاضرون فيها، قلنا لهم لا بد من أن تكون مقديشو مكان المؤتمر،والمجتمع الدولي الذي يرعى الحوار، يرى هذا المقترح معقولا.
وفي 1 سبتمبر 2020م وصلنا إلى مقديشو العاصمة في وقت كان سكان مقديشو العاصمة على حافة الإنفجار، وأدركوا أن الحكومة غير مستعدة لتنظيم الانتخابات العامة،وأنها مشغولة بتمديد وقتها، مستخدمة القوة لإثبات وجودها، وخنق سكان العاصمة، حيث لا يتحدث أحد للآخر، وإندلاع حروب أهلية في المدينة، ولكن ولله الحمد والمنة فإن سكان العاصمة طيبون ويرون الخطأ،وأن مواجهته تؤدي إلى اندلاع قتال وحروب، وعندما تقع الحروب فإن الصوماليين ضعفاء وغير قادرين تحمل نتائج الحروب، وتفادوا عنها، حيث أن مجيئنا إلى مقديشو أصبحت فرجا لهم، والدليل على ذلك حسن استقبال سكان العاصمة لنا.
وعندما قابلنا الرئيس فرماجو في القصر الرئاسي قال لنا: مادام أنكم رفضتم مقابلتي في مدينة غرووي، نجتمع نحن الثلاثة فقط في القصر الرئاسي، بينما قال لأصدقائنا ونظرائنا لا تأتوا إلى مقديشو العاصمة، ولكن قبل مغادرتي من هنا – غرووي – إلى مقديشو، تحدثت عبر التليفون مع رئيس ولاية غلمدغ السيد أحمد عبدي كاريه، ورئيس ولاية هرشبيلي السيد عبدي واري المتواجد وقتذاك في مقديشو، ورئيس ولاية جنوب الغرب السيد عبد العزيز لفتاغرين، وكانوا يتابعون بدقة الأحداث والمتغيرات الجارية، وقلت لهم عندما نصل إلى مقديشو العاصمة نطلب منكم أن تنضموا إلينا، وكان ردهم، أنهم لا يستطيعون الإنضمام إليهم إلا بإذن من الرئيس فرماجو.
وفي الليلة الثانية وإثر لقائنا الثاني أعلن عبر تويتر وجود اجتماع رسمي، ولكن لم نحضر هذا الاجتماع، والسبب في ذلك أننا لم نكن على اتفاق بعقده، لأننا لم نأتي إلى مقديشو لعقد اجتماع خاص،وإنما جئنا للوصول إلى اتفاق بين الحكومة الصومالية الفدرالية،وبين الدول الأعضاء في الحكومة وبطريقة متساوية، وبمشاركة الجميع،وعندما أيقنا أنه غير مستعد فتحنا مشاورات وحوار مع الهيئات الدولية المعنية بالشأن الصومالي،وبقية السياسيين الصوماليين المقيمين في مقديشو العاصمة.
تحركاتنا السياسية في العاصمة، والتواصل مع مرشحي الرئاسة الصومالية في هذا الوقت، ومنهم حسن شيخ محمود وهو الوحيد الذي كان متواجدا في المدينة،والتقينا مع رئاسة مجلس النواب، ومجلس الشيوخ ،وسفراء الدول المعتمدين لدى الصومال، هذا الحراك السياسي، وهذا الضغوط المكثفة على الرئاسة الصومالية، عجل توجيه دعوة إلى بقية رؤساء الدول الأعضاء في الحكومة، طبعا وقبل إنضمامهم إلينا،وأريد أعيدكم إلى الوراء، وأريد أن أخبركم أن أن الرئيس فرماجو ليست الشخصية التي تتنازل، وفي البداية يذهب إلى طريق مسدود، ومن غير الممكن ضرب الرأس على الجدار، ثم يكون مجبورا أن يعيد إلى نقطة البداية، وإذا كان الشخص يعمل في شيء لا يعمل ففي النهاية يعود إلى الوراء، وأصبحت النتيجة الاجتماع، ومادام الأزمة الصومالية مستفحلة ومعدة اليوم فأريد أن اكشف بعض الأسرار، وأكشفها للناس، هي الأحاديث الخاصة التي جرت بيننا، وإذا أنا أسرد الكذب فليقل أنه يكذب.
وعندما التقينا صارحته بأن طريقة إدارته في الأمور خطيرة ومعقدة،وهو في حالة عدم الرضي بلقاءاتنا مع قادة المعارضة المتواجدين في مقديشو العاصمة، ثم قال لماذا ذهبتم إليهم وأنتم ضيوف لي في المدينة، ولكن مادام نحن في مقديشو العاصمة، وسفراء الدول المعتمدين لدى الصوماليين مقيمون فيها، وجميع القبائل الصومالية حاضرة في المدينة، وهي معقل قبيلة هوية، فهل تقول لنا لا تتواصلوا معهم، ولا تجروا مشاورات معهم، للوصول إلى حل، قلت لهم هذا لا يمكن، ولن نقبل منك ذلك.
وفي لقاءاتنا الخاصة وهو يدرك أو يشعر أنني أدعمه (في سعيه لإعادة انتخابه)، أفشي لي أسرارا وحيلا يراها تسهم في اعادة انتخابه مرة ثانية، وأن لديه الجيش والمال وقوى وطنية في كل مكان بما في ذلك بونت لاند. فأخبرته بـأنه لا مانع من استخدام الحيل السياسية في اطار حملة إعادة انتخابك، لكن استخدام القوة في سبيل العودة الى الكرسي لا أراه وسيلة ناجعة، وأن القوة ليست وسيلة للاحتفاظ بالحكم، وما سوى ذلك من الحيل السياسية فأنت حر لها طالما لا تساهم في تحريف مسار العملية الانتخابية المتفق عليها.
لكن بمجرد انتهاء المؤتمر، ظهرت الحيل التي كان يتحدث عنها الرئيس، من خلال تعيين أعضاء اللجنة الانتخابية ودليل أو الأدلة المرفقة باتفاق 17 من سبتمر. فظهر الخوف والقلق من هذه الممارسات. يضاف الى ذلك، أنه فيما يخص محافظة (غدو) تم إرسال قوات فيدرالية جديدة اليها بعد الاتفاق بيومين. وظهرت سوء نية تجاه الاتفاق، لأنه لو كان جادا بالاتفاق لم يتهمني بكتابته وتحريره بصفة شخصية. الإتفاق بالنسبة له كان مجرد ورقة تم التوقيع عليها للتجاوز على المرحلة، ولهذا خالف معايير وسبل اختيار أعضاء اللجنة الانتخابية، وحين ناقشناه في ذلك، وطلبنا تصحيح هذه الأمور، رفض الاحتماع أوالجلوس معنا لحل الخلافات العالقة. وقال: هذه الاتفاق تم، وما عليكم سوى أن ترسلوا الأعضاء الثمانية للجنة الانتخابية لكل ولاية. نحن أرسلنا الأعضاء الأربعة في اللجنة الانتخابية بعد المؤتمر مباشرة كبادرة حسن نية. وبعد إرسالها كثر التوجس والخوف من قبل مرشحي الرئاسة، وثارت الشكوك بوجود اتفاق سري ذو بعد قبلي بيننا وبين الرئيس. وأصبحت اللجان التي تم تعيينها أعضاء في جهاز المخابرات، واللجان الثورية وغيرهم. وأصبح التجاوب مع مثل هذا الطرف صعبا بالنسبة لنا.
للمعلومية، أوقفت خطابات يوم الإثنين الشهرية للمجتمع، كي لا أضطر في كشف الكثير من الحقائق المؤلمة والممارسات الخاطئة التي أعلم حدوثها، لأن أي لقاء عام مع المجتمع يتطلب كشف الحقائق ومصارحة الشعب أو السكوت عنه. ضميري لم يسمح لي أن أقدم الوسيلة على الغاية النبيلة التي تتمثل في حفظ هذا المجتمع الهش من كل يخلق البلبلة، وتقديم المصالح التي تتمثل في حفظه وتمتينه على ما جرت عليه العادة هذه الأيام من تقديم الوسائل التي تسهم في الوصول للحكم من كل شئ، مع أن هذا الحكم الذي يسعون إليه لا يخدمون فيه الشعب. شخصيا، أتساءل عن فائدة حكم لا يخدم المجتمع، لماذا يتعب المرأ به نفسه؟
سألت أحد المسؤولين المحسوبين على فرماجو في مقديشو: لماذا اخترتم مسلك العنف واستخدام القوة كوسيلة للوصول للحكم والسيطرة، فأجابني بأن حركة الشباب أيضا تحكم المجتمع بنفس هذه الوسيلة. فأجبته: مالذي يميز بينكم وبين الشباب إذن؟ لأن دستورنا لا يسمح باستخدام العنف والقوة كوسيلة للحكم، ولايقبل ذلك أصحاب العقل السليم في هذا المجتمع.
حين انتهى هذا المؤتمر، بعد نقاشات طويلة، طلبنا أن نجتمع في مؤتمر آخر، فرفض (الرئيس فرماجو)، ومرت علينا فرصة الاجتماع في منتدى أصدقاء الصومال في مقدشو، وتواصلنا نحن رؤساء الولايات ورأينا أن هذا المؤتمر فرصة للتواصل وإكمال النقاشات المتعلقة بالاتفاق بعد أن تلقينا دعوة للمشاركة فيه، ويعلم أصدقاء الصومال في المجتمع الدولي أننا كنا جاهزين صباحا للمشاركة فيه، لكن الحكومة الفيدرالية رفضت حضورنا وجعلت الاجتماع يقام عبر تقنية “زوم”. وطلب من رئيس غلمدغ وكان موجودا يومها في مقديشو أن يذهب الى غلمدغ ويشارك المؤتمر من هناك عبر “زوم” رغم إمكانية حضور المؤتمر أو دخوله من مقديشو فسكتنا عن ذلك كي لا تظن العامة أننا نعارض كل شيء من أجل المعارضة فقط، لكننا اخترنا منهج الصبر والانتظار.
ثم زارنا رئيس الوزراء (في جرووي) وتم ابتعاثه للنقاش والتشاور معنا. لكن قبل زيارته، تحدثت مع رئيس جلمدغ لزيارتنا في إطار سعينا للبحث عن حلول للخلاف، لكن الحكومة بعد علمها بذلك، طرحت فكرة ذهابها وزيارتنا في مقديشو بدل قور قور (رئيس جلمدغ) وأتانا رئيس الوزراء. وبدأ حديثه من الليلة الأولي للقاءنا بأن جاء من أجل نعين أعضاء اللجنة الانتخابة ليسافروا معه الى مقديشو، وأنه غير مستعد للحديث عن أي شئ إلا بعد اتمام هذه الخطوة.
ثم تواصلت جهود البحث عن الحل، وزارنا في غرووي الكثير من أعضاء الأسرة الدولية لتقريب وجهات النظر، وعرضنا نحن وجهة نظرنا وشكاوينا، وأننا نريد اجتماعا لحل هذه المشكلة وهو أمر ليس بالمعيب، أن نجتمع ونتناقش في الأمور التي تخصنا ليس عيبا، لكن الرئيس أصر على الرفض واشترط تعيين أعضاء اللجنة الانتخابية قبل الحديث عن اي اجتماع، وأمام هذه المعضلة اخترنا التنازل كما جرت العادة لأنه ليس من طبعه التنازل وعينا أعضاء اللجنة الثمانية، وطلبنا عقد الاجتماع في مقديشو لكن الرئيس رفض ذلك الطلب، وأعلن دون تشاور عقدها في طوسمريب. فأخذنا قرار الذهاب الى طوسمريب ونحن ندرك التحديات الأمنية التي نواجهها. وأخذنا قرارالتضحية والذهاب اليها رغم سقوط إثنا عشر قذيفة عليها في الليلة التي سبقت سفرنا إليها. ويسهل على من كان حاضرا فيها عند سقوط القذائف، لكن كيف بمن هو في خارجها وطلب منه السفر اليها، مع أن العدو المتربص بالمدينة (حركة الشباب) موجودون على بعد 20 كم منها. وكان التوتر الأمني عاليا جدا، وهو ما يعرفه الوفد المرافق لي. ولكن لما وصلت الي مقر اجتماع الرؤساء لم يكن هناك أي مؤشر لوجود خطر أمني، وكان تعامل الرئيس مع كل ما حدث في المدينة من توترات ومخاطر أمنية غريبا، كأن شيئا لم يحدث. حتى خطر في بالي هل كانت القذائف التي سقطت على المدينة متعمدة؟ لأن غياب الاستعدادات الأمنية واحتياطاتها كانت غائبة بصورة تبعث الشك.
وفي مؤتمر طوسمريب، بعد أن رأينا التوتر العالي الذي يسود المجتمع الصومالي، وما نخاف ان يقع في الصومال من إنفلات أمني يعيده للوراء،وحالة عدم التوافق، وعلمي بمسلك العنف الذي يؤمن به الرئيس للبقاء في الحكم حسبما يتوهمه، قررت أن نحصر القضايا الخلافية معه في ثلاثة مواضيع وأن لا نرجع من هذا المؤتمر قبل التوصل الي حل لهذه القضايا الثلاثة. القضايا الثلاثة: إثنان منها كانت تخص شركاء سياسيين في مقديشو لكنه رفض مشاركتهم في المؤتمر.
من هنا أعود قليلا للوراء، وهو استضافتنا لمؤتمر معهد هيريتيج في غرووي، والذي عقد لأول مرة في الصومال. وحين نقول الصومال نعرف عدد الحضور المتوقع، بما في ذلك مختلف القادة السياسيين واخترت ان تتحمل بونت لاند الأعباء التي تترتب من استضافة هذا المؤتمر لإعطاء القادة السياسيين فرصة للتناقش والحوار وسماع وجهات النظر المختلفة وتصحيح الأخطاء التي ترافق العملية السياسية. أشكر بونت لاند حكومة وشعبا على تضامنهم وعملهم من انجاح هذا المؤتمر. الجدير بالذكر، أنه لم يغب من هذا المؤتمر من القيادات العليا سوى الرئيس ورئيس الوزراء وأفراد قلائل كان لهم عذر، وأصبح المؤتر فرصة للحوار. من هذا المنبر أقر بأن الرئيسين السابقين ورئيس الوزراء السابق والمرشحين قد أبدوا مرونة منقطعة النظير، وأعربوا عن استعدادهم لحل كل القضايا العالقة. الى جانب المؤتمرات العادية كان هناك مؤتمر جمع بين ثلاث من رؤساء الولايات، ونائب رئيس الوزراء، والبرلمان بغرفتيه وقادة مرشحي الرئاسة، وشاركنا أيضا رئيس بونت لاند السابق. مرشحوا الرئاسة عرضوا قضايا تتعلق بسير العملية الانتخابية وعرضوا القضايا الخلافية التي يريدون توصل حل لها قبل النزول للانتخابات.
وبعد هذا المؤتمر، دخلنا مؤتمر خاصا لمسؤولي الدولة، وظهر لنا بأن القضايا التي رفعها مرشحوا الرئاسة كانت محقة، ورأينا بأن الجواب الذي يخرج من مؤتمرنا يكفي لإقناعهم مع وجود قادة البرلمان بغرفتيه، ونائب رئيس الوزرا وثلاثة من رؤساء الولايات، ولكن ظهر أن إقناع السيد محمد عبدالله فرماجو هو مربط الفرس. أبعثنا (نحن المجتمعون في جرووي) كلا من رئيس البرلمان، نائب رئيس الوزراء، والرئيس قورقور للتشاور معه، وسماع رأيه ووجهته نظره في القضايا العالقة. ونحن ننتظر رد المتعثين ورجوعهم إلينا، وصلتنا رسالة من الرئيس قورقور بأنه لا يستطيع الحضور، وفي نفس هذه الليلة بأن هناك مؤتمر صحفي مسجل تعلن فيه الدولة عن المضي في إجراء الانتخابات، لم يتم بثه ليلا وبث صباحا، وأخذ قرار اجراء انتخابات، ونحن ننتظر ردا ورأيا من المبتعثين ، هذه سبل إدارة عقد الانتخابات في الوظن. وحين أدركت الحكومة الفيدرالية أن مسلك اجراء الانتخابات الجزئية لن ينجح تم عقد مؤتمر طوسمريب الأخير. لكن الهدف من الخطوة الأخير قبل المؤتمر كان عقد انتخابات جزئية لثلاث ولايات، مع افتراض أن الولايتين الأخيرتين سيأتيان لاحقا، وإن رفضا سيأتون عنوة.
ومع وصولنا لمؤتمر طوسمريب، لما وصلنا الى مناقشة قضية (محافظة جدو) صعب المؤتمر وقلت فيه التطورات للوصول الي حل للقضايا العالقة. وشكلنا لجانا، وسألنا الرئيس مباشرة ماذا تريد من (محافظة جدو) ؟ لأننا تعبنا في المفاوضات، وقررنا بكل تضحية أن نجد لهذه المعضلة حلا. سألت الرئيس بكل صدق، هل يريد أهالي (محافظة جدو) الإنفصال عن ولاية جوبا لاند؟ فنفي ذلك، وعبر عن رغبته بإدارة انتخابات هذه المدينة. فطرحت عليه البحث عن طريقة تمكنه من إدارتها وتضمن في نفس الوقت انتماء هذه المحافظة لولاية جوبا لاند. فسألني عن هذه الطريقة التي تحقق هذا الغرض. فطرحت عليه تقسيم معضلة محافظة جود الي قضيتين: قضية مدينة (جربهاري) والتي من المفترض أن تقع فيها الانتخابات، وقضية المحافظة بشكل عام. واستبعدت فكرة المصالحة الكاملة وسحب القوات وإعادة الإدارات السابقة لأنها عملية طويلة قد تأخذ سنة كاملة، مع أنها كانت رغبة ولاية جوبا لاند، واقترحت التركيز على قضية (جربهاري) لأنه لايمكن تأجيل الانتخابات فيها. وكانت الفكرة الأساسية لمقترحي بدأ المصالحة من مدينة (جربهاري) علي أن يقوم بهذه المهمة الولايات الفيدرالية باستثناء ولاية جوبا لاند. وطرحت فكرة استبعاد عمدة المدينة الحالية التابع للحكومة الفيدرالية، والعمدة السابق المعين من ولاية جوبا لاند والذي تم اسقاطه وحبسه من قبل الإثيوبين، وطرحنا اختيار العمدة الجديد بناء على رغبات مجتمع (جربهاري) ويسلموه للجنة المصالحة، ويكون دور ولاية جوبا لاند فقط تعيين العمدة المتفق عليه. فرحب بالفكرة، واستأذنته بالعمل على تحقيقها.
وأبلغت الأمر لرئيس الوزراء ورئيس غلمدغ، واخترت مسلك الحوار والتفاوض مع أصحاب المصلحة في قضية (جدو) من كلا الجانبين (جوبا لاند، وطرف الرئيس فرماجو) لتسويق هذه الفكرة، ولإيجاد حل لهذه المعضلة، وأتصلت أيضا بعبدالرشيد جنن (وزير الأمن في جوبا لاند) والتمست منه أن يعطي فرصة للحلول السياسية، وأن يوقف التصعيد العسكري. لأن قضية جدو هي قضية بين بطون قبيلة واحدة، هي القبيلة التي ينحذر منها الرئيس، وبالتالي كل الحروب والمناوشات تؤثر عليهم وحدهم بشكل مباشر، وقد أخبرت الرئيس هذا الأمر، وطرحت عليه ضرورة الإسراع في حل هذه المعضلة. وتحدثت أيضا مع (محافظ محافظة جدو) وعدد من مرافقي رئيس ولاية جوبالاند. ثم اجتمعت مع رئيس ولاية جوبالاند وطرحت عليه الفكرة وكان برفقتي وزير داخلية بونت لاند. وقلت له بشكل مباشر، نريد منك التنازل عن كل مطالبك وقبول هذا المقترح. فقبله، وقال إن كنتم تأتون حلا للمعضلات الموجودة فأنا معكم، ومن هنا كان الحل قاب قوسين أو أدنى، وعينا لجنة لصياغة الاتفاق، وكنا نستعد لإطلاق بيان صحفي حول هذه القضية في اليوم التالي.
في الصباح التالي استدعانا فرماجو أنا والرئيس قورقور رئيس غلمدغ، وأخبرنا أن مقترح الحقل الذي اتفقنا عليه لن ينجح أو يعمل، لأن أهالي في محافظة جدو غير موافقين عليه، ولن يقبلوا عمدة يعينه أحمد مدوبي. فقلت له سعادة الرئيس، أهالي (جدو) كانوا من ضمن جوبالاند وحصل خلاف توصلنا له حلا، وإن اقتنعت أنت بالحل فمن باب أولى أن يقتنعوا باختيارك، يكفي أن تعلن لهم اختيارك فرفض، واقترح أن نجتمع بعد اسبوعين، فلما رأيت صعوبة الموقف، اقترحت أن نجتمع أنا ورئيس الوزراء ورئيس غلمدغ في اجتماع جانبي، وأخبرتهم أن كلام الرئيس مؤشر على عدم استعداده لتوقيع الاتفاق، وقلت لنواصل الجهود حتى النهاية، وكان موقف الرئيس صادما للرئيس قورقور، واتفقنا أن نعمل معا لإقناعه حتى صباح اليوم التالي، وركزت على الرئيس أحمد مدوبي، وهو ركز على الرئيس فرماجو. فرفض الرئيس تعيين (عمدة جربهاري) من قبل أحمد مدوبي البتة، وطلب الرئيس أحمد مدوبي الرجوع بسبب غياب التطور في القضية. وفشلنا في اقناع الرئيس أن يكف يده عن عمدة مدينة جربهاري.