لرسالة للشافعي بشرح د. سعد الشثريم
حمود ثروت أبو الفضل
صدر حديثًا كتاب “شرح الرسالة” للإمام الشافعي رحمه الله (150-204 هـ)، شرح: أ.د. “سعد بن ناصر بن عبدالعزيز الشثري”، من منشورات “دار كنوز إشبيليا” للنشر والتوزيع.
وأصل الكتاب دروس مسجلة قام بها الشيخ “سعد الشثري” في إطار دورة شرحه لرسالة الإمام الشافعي في علم أصول الفقه، وكتاب الرسالة للشافعي يمتاز بالعديد من الميزات التي لا نجدها في غيره:
أولها: قِدم هذه الكتاب فهو أول كتاب أصولي جامع، وللمتقدم من المزية ما ليس لغيره.
وثانيها: أن المؤلف من فقهاء الإسلام الكبار، وقد ألف المؤلفات الكثيرة في مسائل الفقه، ولا زال الناس يتناقلون أقواله ومذاهبه في المسائل.
وثالثها: أن الإمام الشافعي مبدع في اللغة، وكان من أساطير علماء اللغة العربية، بل عنده من حفظ الأشعار الشيء الكثير، وبالتالي فهو يتقن المباحث الأصولية التي لها علاقة بالدلالات اللغوية.
إلى جانب أن الإمام الشافعي متبحر في علوم العقائد وهو من علماء السنة المحضة، حيث يأمن الإنسان بقراءة هذا الكتاب من أن يقع في منزلقات عقدية أو أغلوطات مذهبية.
كما أن الإمام الشافعي يروي أحاديث الكتاب بإسناده، وهو قريب العهد بعهد النبوة، ولأصحاب تلك القرون من المزية في العلم والتعلم ما ليس لغيرهم.
وكتاب الرسالة يمتاز باستيعابه لكثير من المباحث الأصولية، فقد ابتدأ بالبيان، ثم تكلم عن العام والخاص، والناسخ والمنسوخ، ثم تكلم عن السنة بأقسامها وتقسيماتها، وبين مكانها من التشريع، وتكلم عن عدد من الأدلة؛ كالأخبار متواترها وآحادها، وتكلم عن الإجماع والقياس والاجتهاد والاستحسان والاختلاف ونحو ذلك من مسائل علم الأصول.
وللشافعي تميز في باب الحوار والمناقشة، ولذلك جعل أسلوب الكتاب على أسلوب المحاجة والمخاطبة، وهذا يدلك على ميزة هذا الكتاب وعظم مكانته.
ومن ثم امتاز هذا الكتاب بسهولة لفظه، وحسن سياقه، حيث جعله الشافعي على أسلوب المناقشة والجواب والسؤال، وكان محل عناية من الشراح في الزمان الأول، وممن ألف عليه: الصيرفي، وحسان النيسابوري، والقفال الشاشي الكبير، والجوزقي، ووالد الجويني وغيرهم الكثير ممن شرح هذه الرسالة، لكن بين د. “سعد الشثري” أن جميع هذه الكتب لم يصل إلينا منها شيء.
والإمام الشافعي لم يخترع القواعد الأصولية، وإنما قام بتدوينها أخذًا من النصوص الشرعية، ومن اللغة العربية، فأدى جهده المبارك إلى انتظام الاجتهاد وعدم فوضويته.
وكتاب (الرسالة) أول كتاب ألف في (أصول الفقه) بل هو أول كتاب ألف في (أصول الحديث) أيضًا.
قال الفخر الرازي في مناقب الشافعي (صـ 57): «كانوا قبل الامام الشافعي يتكلمون في مسائل أصول الفقه، ويستدلون ويعترضون، ولكن ما كان لهم قانون كلي مرجوع إليه في معرفة دلائل الشريعة، وفي كيفية معارضاتها وترجيحاتها، فاستنبط الشافعي علم أصول الفقه، ووضع للخلق قانونًا كليا يرجع إليه في معرفة مراتب أدلة الشرع.
فثبت أن نسبة الشافعي إلى علم الشرع كنسبة أرسطاطاليس إلى علم العقل».
وقال بدر الدين الزركشي في كتاب “البحر المحيط في الأصول”: «الشافعي أول من صنف في أصول الفقه، صنف فيه كتاب الرسالة، وكتاب أحكام القرآن، واختلاف الحديث، وإبطال الاستحسان، وكتاب جماع العلم، وكتاب القياس».
قال الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – في معرض مقدمته لتحقيق كتاب الرسالة:
«إن أبواب الكتاب ومسائله، التي عرض الشافعي فيها للكلام على حديث الواحد والحجة فيه، وإلى شروط صحة الحديث وعدالة الرواة، ورد الخبر المرسل والمنقطع، إلى غير ذلك مما يعرف من الفهرس العلمي في آخر الكتاب -: هذه المسائل عندي أدق وأغلى ما كتب العلماء في أصول الحديث، بل إن المتفقه في علوم الحديث يفهم أن ما كتب بعده إنما هو فروع منه، وعالة عليه، وأنه جمع ذلك وصنفه على غير مثال سبق، لله أبوه.
و(كتاب الرسالة) بل كتب الشافعي أجمع، كتب أدب ولغة وثقافة، قبل أن تكون كتب فقه وأصول، ذلك أن الشافعي لم تهجنه عجمة، ولم تدخل على لسانه لكنة، ولم تحفظ عليه لحنة أو سقطة». [الرسالة للشافعي (المقدمة/ 13)].
وجاء شرح د. “سعد الشثري” على كتاب الرسالة مختصرًا سهلًا جامعًا لمهمات كلام الإمام الشافعي مع التعليق بما يلزم في بيان مباحث علم أصول الفقه وأركانه.
والإمام الشَّافِعي (150 – 204 هـ = 767 – 820 م) كما ترجم له صاحب “الأعلام” هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان ابن شافع الهاشمي القرشي المطلبي، أبو عبد الله: أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة.
وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد في غزة (بفلسطين) وحمل منها إلى مكة وهو ابن سنتين. وزار بغداد مرتين. وقصد مصر سنة 199 فتوفي بها، وقبره معروف في القاهرة. قال المبرد: كان الشافعيّ أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراآت. وقال الإمام ابن حنبل: ما أحد ممن بيده محبرة أو ورق إلا وللشافعي في رقبته منه.
وكان من أحذق قريش بالرمي، يصيب من العشرة عشرة، برع في ذلك أولًا كما برع في الشعر واللغة وأيام العرب، ثم أقبل على الفقه والحديث، وأفتى وهو ابن عشرين سنة. وكان ذكيًا مفرطًا. له تصانيف كثيرة، أشهرها كتاب (الأم) في الفقه، جمعه البويطي، وبوّبه الربيع بن سليمان، ومن كتبه (المسند) في الحديث، و(أحكام القرآن) و(السنن) و(الرسالة) في أصول الفقه، و(اختلاف الحديث) و(السبق والرمي) و(فضائل قريش) و(أدب القاضي) و(المواريث) ولابن حجر العسقلاني (توالي التأسيس، بمعالي بن إدريس) في سيرته، ولأحمد بن محمد الحسني الحموي المتوفى سنة 1098 كتاب (الدر النفيس) في نسبه، وللحافظ عبد الرؤوف المناوي كتاب (مناقب الإمام الشافعيّ) وللشيخ مصطفى عبد الرازق رسالة (الإمام الشافعيّ) في سيرته، ولحسين الرفاعيّ (تاريخ الإمام الشافعيّ) ولمحمد أبي زهرة كتاب (الشافعيّ) وفي طبقات الشافعية للسبكي، بعض ما صنف في مناقبه.