من السهل جداً عندما تسمع حثيات ملف ما يعرف اعلامياً بقضية “**نبش القبور*” أن تأخذ موقفاً سريعاً يرفض من الأساس أي إجراء يلمس حُرمة الإنسان حياً أو ميتاً، ولكن هذا الموقف السريع لا يمنعنا من أن نتأمل أنّ هذه القضية أو القضايا المشابهة الأخرى من جانب آخر، ونتسأل *لماذا تُثير أكثر المحاولات التي تراها الدولة الصومالية إصلاحية حساسية وغضب الشعب*؟
البعض عند الإجابة على هذا السؤال يُفضل الذهاب إلى إحدى هذين الجانبين: *أولهما*: الجانب الديني والعمل على استصدار فتوى، وإشكالية هذه الإجابة مع حالات الغيلان الشعبي، هي أنها تضع الجميع في مقام القاضي والحكم، فيكثر التخوين والتشكيك والاستدلال بالآيات والأحاديث في غير مواضعها مما يُعمق الجرح ويُقسم المواقف أكثر.
أما *الجانب الأخر*: فهي محاولة تقديم الإجابة من منطلق المُعارضة السياسية غير المُحايدة، التي تتجاوز في أدوارها من تقديم النقد البناء إلى استعراض النقد العاطفي الذي بشكل أو بآخر تأجيج المشاعر الشعبية إلى أقصى درجة ممكنة بصورة غير بريئة.
*أنا أتكلم فقط عمّا أعرفه جيداً*، وهو حساسية الشعب من تحركات وقرارات الحكومة، ولا ينجح في فهمها من يحاول تقديم إجابة تعتمد على الجانبين المذكورين سلفاً؛ لأن الإجابة الدينية في الصومال هي إجابة مُبرمجة على فكر مُعين، جزئي الاستنتاج لا يشمل الواقع كله، أما إجابة المُعارضة غير المُحايدة هي أيضاً إجابة وفق مصالحها السياسية الضيقة.
لكي نفهم حساسية الشعب من الحكومة، نحتاج فقط، إلى تفكيك طبيعية وشكل العلاقة التي تجمع بين الحكومة والشعب ووضعها في صياغها الزمني الحالي، مع الاهتمام بالاعتبارات التاريخية، حينها نجد بأن هذه العلاقة تفتقد ” *العشم*” بمعنى تفتقد حسن الظن، وافتقادها لحسن الظن يقلل توقعات كل طرف من الأخر، ورفع مستوى الريبة والالتباس من التصرفات الصادرة من الطرفين، ويساهم في سهولة تخندق الطرفي.
على الحكومة الصومالية أن تفهم أنها تتعامل مع مجتمع جريح الذاكرة والواقع، ولذلك فإن أية محاولات إصلاحية لهذا المجتمع لا بدّ أن تبدأ من بناء الثقة وليس من استخدام القوة، ومن فهم فقه الأولويات وليس من مبدأ الحق فقط ولا من الإمكانيات المتاحة لمن بيده الأمر، وتتذكر بأن وهم القوة الذي يسيطر على أي سلطة على مستوىً كانت، يُسيطر أيضاً على الشعب بأضعاف مُضاعفة، لذلك فإن علاقة الشعب الصومالي بسلطاته المختلفة الفدرالية أو الولائية إذا لم تتوج الحذر والمنطق *يجعلنا جميعًاً أمام معارك فرعية لا تنتهي.