”انظروا الى أرضي وشعبي، هل يبدو أنهم في حاجة إلى حمايتكم؟“ هكذا كان ردّ زعيم عشيرة “طلبهنتي“ جراد علي جامع، على البريطانيين عندما أرادوا فرض الحماية على أراضي القبيلة كما فعلوا علي جميع شعوب قارة السمراء وغيرهم؛ مما جعل هذه القبيلة حجر عثرة أمام سيطرة البريطانيين على تراب شمال الصومال. كان ذلك بعد أن وقّعت لندن مع جميع القبائل الصومالية وساحل جيبوتي، اتفاقية دفاع مشترك تنص على التزام بريطانيا بأمن المنطقة، باستثناء قبيلة »طلبهنتي« التي كانت تسكن في منطقة »نغال« ونواحي مدينة »لاسعانود« والتي كانت تعرف حينها منطقة »غونلي «(Goonle area) نسبة الي الحاج محمود غونلي – أحد أعيان القبيلة وقادتها.
لقد رفضت هذه القبيلة الانقياد بمطالب البريطانيين مما قاد المنطقة إلى حرب ضروس بين قوات الدراويش (التابعة للقبيلة) وقوات البريطانيين. استمر الحرب من عام 1888 وحتى 1921، وانتهت بسيطرة قوات الدراويش على جميع أراضي القبيلة وإلحاق هزائم فادحة بالبريطانيين، كما قتلت عدداً كبيراً من القادة البريطانيين من بينهم الضابط الشهير ريتشارد كورفيلد (27 April 1882 – 9 August 1913
عندما وصل المستعمرون الأوروبيون إلى السواحل الصومالية وقعت المملكة المتحدة مع جميع القبائل الصومالية التي كانت تسكن في شمال الصومال وساحل جيبوتي اتفاقية دفاع مشترك تنص على التزام بريطانيا بأمن المنطقة. وقعت جميع القبائل الأخرى باستثناء قبيلة »طلبهنتي« التي كانت تسكن في منطقة »نغال«؛ حيث رفضت هذه القبيلة التوقيع على الاتفاقية. وتستمد فكرة اعتراضهم لكونهم يعتقدون بأنهم ليسوا بحاجة إلى أي حماية من أي جهة أخرى باعتبارهم أعظم قوة للقرن الإفريقي آنذاك؛ نظرا بما عندهم من الرجال والخيول. وبما أن هذه المنطقة مشهورة بتربية الخيول بجميع أنواعها، فإنها صالحة لرعاية الخيول فيها، حيث كانت الخيول من أهم الأدوات المستخدمة في القتال في الماضي.
كما ورد في التاريخ، التقى جراد علي جامع زعيم عشيرة »طلبهنتي« مع المكتشفين البريطانيين وقال لهم ”انظروا الى أرضي وشعبي، هل يبدو أنهم في حاجة إلى حمايتكم؟“ قالوا: لا. قال: إذن، لا تأتوا إلى أرضنا. كان هذا هو سبب اندلاع حرب مريرة بين قوات الدراويش والمملكة البريطانية. وبعد خمسة وعشرين عاما من النضال والكفاح فهم البريطانيون أنه لا حل للغلبة على الدراويش غير القصف بالطائرات. وبهذا القصف أصبحت قبيلة »طلبهنتي« والصومال والشعب الصومالي أول شعب إفريقي قصف بالطائرات في التاريخ الحديث. فهزيمة الدراويش جعلت قبيلة »طلبهنتي« ضعيفة ولقمة صالحة في أيدي أعدائها من البريطانيين ومن معهم من الصوماليين (قبيلة إسحاق وهي صوماللاند حاليا). بدأوا بنهب الأموال واغتصاب النساء وقتل الرجال مما أدى الي تقليص عدد القبيلة. ومن جهة ثانية، استولت قبائل أخرى مساحات شائعة من أراضي القبيلة.
لم ترد في التاريخ حول مشاركة قبيلة »طلبهنتي« أي حكم أو إدارة مع قبيلة »إسحاق«، بل كانت الحروب والاقتتال مستمرة بينهما، كما نجد في الأشعار والأدب الصومالي القديم.
ومن حيث المبدأ: اشتهرت قبيلة »طلبهنتي« بالوحدوية والبحث عن الصومال الكبير، ولهذا يرى المراقبون أنه من الاستحالة أن تسعى هذه القبيلة إلى تقسيم الجمهورية الصومالية. وقد مات جميع القادة التقليديين لهذه القبيلة وهم يهتفون بوحدة الجمهورية الصومالية، ونهج الأحفاد بمنهج قادتهم ووصية آبائهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن قبيلة »إسحاق« التي تدعي ملكية إدارة صوماللاند لم تعزم أبدا بان تشترك معهم اي قوة خارجة في تقاسم السلطة معها,، يعني أرادوا أن يكونوا السادة والبقية رعية. بدليل أنه عام 2012 اجتمعت قبيلة »طلبهنتي« في مدينة »تليح« التاريخية (عاصمة الدراويش سابقا) وأسسوا في هناك إدارة خاتموا (Khaatumo state برئاسة رئيس الوزراء الصومالي الأسبق علي خليف جليط، الذي فتح حوارًا مع صوماللاند، ووقع معهم بعضا من البنود حول تقسيم السلطة والمشاركة في العملية السياسية. لكن صوماللاند رفضت تنفيذ الاتفاقية وتوفي الرئيس علي خليف يائساً من تنفيذ جميع بنود الاتفاقية.
كيف بدأت الأحداث في »لاسعانود” وكيف تحولت من العمل السلمي إلى المسلح ؟
هذه الأحداث لم تبدأ بصدفة كما يظن البعض، بل كانت بركانا خامدا ينتظر فقط لحظة الانفجار؛ لأنه منذ إنشاء إدارة صوماللاند لم يكن لعشائر »طلبهنتي« أي رأي أو دور في إنشاء تلك الإدارة. وبالتالي فإن القبيلة ترفض مبدأ الانفصال وتمزيق وحدة الشعب الصومالي. ويمكن أن يستثنى من ذلك عددا قليلا من قادة القبيلة الذين ذهبوا إلى مدينة »برعو« في مايو 1991؛ وذلك لأجل الصلح بين القبائل القاطنة هناك. في نهاية عام 2007، سيطرت قوات صوماللاند على مدينة »لاسعانود« باستخدام القوة وبعدها ساد القمع والاضطهاد وعدم حرية التعبير.
وبعد خمسة عشر عاما انفجر البركان بسبب الاغتيالات والقتل المنظم الذي كان قد بدأت قوات صوماللاند تستهدفه به على أعيان المدينة والمعارضين لحكمهم. قتل في المدينة، خلال تلك الفترة أكثر من 120 شخصًا، ولم تتعقب جهات الأمن الجناة مما اعتبره الشعب بالتواطؤ أو تورط صوماللاند بقتل الأعيان. وبعد قتل »هدراوي« الذي كان أيضا من أعيان المدينة، خرج الشعب في مسيرات احتجاجية مطالبين بالإصلاح الأمني، معتبرين الحكم بالفاشل في توفير الأمن والحماية لهم. كان هناك أيضًا حادثة أخرى غريبة، وهي أن رئيس مجلس الشيوخ الصومالي عبدي حاشي عبدي بمساعدة موسى بيحي رئيس صوماللاند الذين هما من قبيلة »إسحاق« قاما باحتكار تجارة القات في »لاسعانود«؛ حيث خصصت لمصلحة (عبدي حاشي) وتم منع جميع التجار الآخرين باستيراد القات. حدث كل هذا في نهاية العام 2022. وبعد هذه الحوادث أعلن جراد جامع جراد إسماعيل اجتماعا طارئا لقادة القبيلة لمناقشة الأمر، لكن صوماللاند هاجمت المؤتمر قبيل إعلان البنود. ومن هذا اليوم تحولت الأحداث من شعارات ومسيرات شعبية إلي صراع مسلح دموي.
حقيقة ادعاءات صوماللاند بوجود مسلحين من ولاية »بونتلاند« ومن حركة الشباب الإرهابية:
لقد صرحت صوماللاند في أكثر من مرة بأنها تقاتل قوات من “بونتلاند“ ومن حركة الشباب وأيضا من الحكومة الصومالية الفيدرالية ومن إقليم “أوغادين“. يعتبر المحايدون والمراقبون بأن هذه القوات تختلف من حيث العقائد والمبادئ ولا يمكن لهم القتال في نفس الخط، مما جعل ادعاءات صوماللاند كلها بعيدة عن الحقيقة. الحقيقة أن شعب المدينة هو الذي قاتل جميع شرائح المجتمع قاتلت في الجبهة، مثل أساتذة الجامعات وطلابهم. علماء المدينة ماتوا في الحرب، شباب المدينة والفتيات وجميع شرائح المجتمع المختلفة كانت تقاتل من أجل الدفاع عن أنفسهم وعن أموالهم وأعراضهم.
الوضع الإنساني داخل المدينة وحالة المصابين والنازحين أثناء مدة الحرب :
بالنسبة للوضع الإنساني في المدينة، فقد كان صعبًا في بداية الحرب، حيث ميليشيات صوماللاند أغلقت الطرق المؤدية إلى خارج المدينة؛ مما أدى إلى صعوبة نقل الجرحى إلى أي مدينة أخرى. علاوة على ذلك تم قصف المرافق الطبية التي يعالج فيها الجرحى، كما قصفت المساجد والمدارس وجميع المرافق العامة. وبعد عدة أيام من الحرب فقد تمكنت القوات الشعبية من فتح الطريق ونقل الجرحى بسهولة. أما من قبل النازحين فقد كانت الأنباء تشير إلى وضع حرج من قبل النازحين الذين توجهوا إلى الريف والمناطق النائية. كان موسما باردا ويحتاج الناس إلى طعام وملابس الواقية للبرد.
موقف الشعب من حدود الاستعمار وهل يرون أنها حدود صحيحة:
من التاريخ والحاضر، لا يعترف هذا الشعب جميع الحدود التي وضعها الاستعمار الأوروبي. قاتل وكافح هذا الشعب من أجل محاربة أفكار الاستعمار البريطاني حتى لا يتم تقسيم أراضيهم، ولما غادر، فمن المستحيل تنفيذ وصية المستعمر. وفي عام 1960 تم توحيد إقليمي الشمالي والجنوبي، مما يعني أن الصوماليين كسروا الحدود الاستعمارية وكتبوا حدودًا جديدة في الدستور. ويؤمن شعب »لاسعانود« هذه الأخيرة فقط.
من أين كان الشعب يحصل من الأسلحة؟
خلال المدة الذي كانت فيه مدينة »لاسعانود« تحت حكم صوماللاند، استخدمت صوماللاند النظرية الشيطانية “فرق تسد” ووزعت الأسلحة والذخائر بين الشعب حتى يتقاتل بعضه بعضا؛ مما جعل الشعب كله مسلحا. وبعد اندلاع الحرب، استخدم الشعب هذه الأسلحة وهناك أسلحة أخرى كثيرة أخذوها خلال الحرب من قوات صوماللاند.
هل كان هناك أي مفاوضات بين الطرفين أثناء الحرب؟
لم يتم أي حوار بين الطرفين. حيث كانت القادة التقليديون لمدينة »لاسعانود«؛ يعتقدون أنه يمكن فتح الحوار مع صوماللاند بشرط تراجع قواتها إلى الحدود القبلية بين العشيرتين. وكما نقلت الصحافة المحلية فإن رئيس صوماللاند أعلن مرارًا بأنه مستعد لوقف إطلاق النار ولكن سرعان ما خرقت قواته الهدنة.
كيف انتهت الاوضاع؟
وأخيرا، وفي ٢٥ اغسطس من العام نفسه انتهى الوضع بانتصار عظيم للمقاومة الشعبية الذين قاتلوا دفاعاً عن أنفسهم وكرامتهم؛ حيث تمكنوا من هزيمة جيش صوماللاند واقتحام أكبر قاعدة عسكرية له (Goojacadde). كانت هذه أكبر قاعدة كانوا يرمون منها الصواريخ لقصف المدينة. استولت المقاومة الشعبية على أسلحة وذخائر متنوعة مما قيست أنه أكثر من ثلث أسلحة جيش صوماللاند بما فيها الدبايات والمدرعات والأسلحة الثقيلة والخفيفة. هذا وقد تم أسر أكثر من 400 ضابط وجند. وكان من بين الأسرى الضباط الذين تولوا كبرهم بقصف المدينة وقاموا بقتل الأبرياء وتدمير منازلهم. وبحسب تصريحات رئيس إدارة خاتموا (إدارة أنشأها الشعب أثناء الحرب)، عبد القادر أحمد أو علي، فإن هؤلاء الضباط سيتم محاكمتهم أمام العدالة.
وختاما، فإن مبدأ أهل لاسعانود هو حماية وحدة الصومال، واحترام حقوق الجيران والعيش في سلام مع كل الشعب الصومالي.