يقدم موقع”Global Fire Power” أهم وأصدق التصنيفات العالمية المتخصصة في تقييم القوة العسكرية لدول العالم المختلفة، ذكر هذا الموقع في تصنيفه لعام “2022” بأن ترتيب الصومال عسكرياً بين دول العالم كان “139” عالمياً، أما في قائمة الدول الإفريقية فأنه أحتل ذيل القائمة، وهذه النتيجة تفسر لنا سبب أصرار الحكومات الصومالية المتعاقبة ورغبتها في إعادة هيبة وأمجاد الجيش الصومالي، من خلال إعادت بنائه وهيكلته من جديد، ليكون جيشاً يحمي سيادة الدولة، وينافس القوة العسكرية التي تسود المنطقة.
وبالفعل بدأت تلك عملية البنائية بميزانية متواضعة جداً، وبجهود داخلية وخارجية محدودة، وكانت تسير بخطوات بطيئة، وباهتمام شعبي ضئيل، استمر الحال على ذلك إلى عام “2018”، هنا بدأ يظهر إلى العلن أصوات تُشكك في شفافية العملية بمٌجملها، واخذ التشكيك منحى تصاعدياً، خصوصاً مع الغموض الذي يحيط بالعملية، والذي ساهم بدوره في تعميق الفجوة بين المجتمع الصومالي والقائمين على عملية بناء الجيش الوطني، مما جعل المُضي قُدماً مسالة محفوفة بعدم الثقة.
واصل القائمون على عملية بناء الجيش الصومالي جهودهم دون أن يقدموا إيضاحات مقنعة تُزيل الغموض والشكوك التي لفت على العملية لدى المكون المجتمعي في السنوات الأخيرة، وهذا فتح باب الإشاعات وتداول الاخبار عن صفقات مشبوهة، وعن جنود مفقودين، مما مهد إلى تراجع ولاء المجتمع لجيشه الذي لم ينتهي بنائه بعد.
وعدم ولاء المجتمع للجيش يضع عملية إعادة بنائه على محك حقيقي ، لأن مشكلة إعادة تأهيل الجيش الصومالي هي مشكلة مجتمع أكثر مما هي مشكلة قرار سياسي أو سيادي أعلى، والعراقيل وسهام التشكيك وعدم الثقة التي تتلقاها المؤسسة العسكرية الصومالية ما هي إلّا نتيجة عدم إعطاء الشرعية المجتمعية الكاملة أو الكافية لإحياء هذه المؤسسة، لأن بناء أي قوات مسلحة في أي بلد أوضاعه السياسية غير مستقرة مثل الصومال تتنازع فيه مكونات سياسية على خطوط وخلفيات مناطقية مختلفة، وفي أوضاع مثل هذه تتطلب تركيزاً كبير على الجانب المجتمعي تهدئةً لمخاوفه التاريخية تجاه هذه المؤسسة الحيوية وطنياً، وحتى يضمن صانع القرار هذه الثقة الشعبية، يجب أن يُسمح للمجتمع أن يرى انعكاساته أي المجتمع داخل الجيش.
إن الشفافية في هذه العملية لا تعني التطفل على الشؤون العسكرية الدقيقة للجيش أو تعريض أسراره للخطر، وإنما يكون هذا السماح من خلال فتح المجال للمنظمات المدنية ووسائل الإعلام الحرة في التقصي عن أوضاع القوات المسلحة، وإعداد تقارير محايدة عنها لتوعية الشعب وبناء جسور الثقة بينه وبين الجيش، ومثل هذه المكاشفة تبعد الروايات الزائفة تجاهه عن وعي الشعب، وتَلاحُق تُهم الفساد في بنية هذه المؤسسة، وتحدد منابع التشويش فيها، وتٌقرب جسد المؤسسة العسكرية من ضمير الشعب، وتُراقب عقيدة وقيم الجيش التي يمثلها.
وهناك أسئلة مُحقة ومخاوف مشروعة في أذهان المجتمع الصومالي حول عملية إعادة بناء الجيش الصومالي، ولا توجد طريقة أفضل لتبديد هذه تلك المخاوف التاريخية عن الجيش والإجابة عن تلك الأسئلة الذهنية من بناء الثقة بين الجيش والمجتمع، ووضع إطار عمل واضح للجيش يستند على الدستور وعلى قوانين الدفاع الوطني، ومن خلال هذا الإطار يتم وضع إستراتيجيات عسكرية توضح تلك العلاقة، وتحدد أُطُر عمل المؤسسات الأمنية الداخلية وعلاقاتها مع المجتمع ومؤسساته المدنية، ويُقدَّم مبررات مقنعة إلى الشعب لميزانيات مؤسساته الأمنية، كل ذلك سيعزز ثقة الجمهور في مؤسساته الأمنية ويقوّي شرعيتها لديها