إن واحداً من لحظات المهمة التي يجب أن تحوز على انتباه الصومالي، وأن يقف لها متأملاً هي لحظات ” التعافي والسلام” باعتبارها بديل لسنوات ” التصادم والصراع”، والجميل أنني صادفت إحدى هذه اللحظات مؤخراً (على ما فيها من الملاحظات العلمية والمهنية) في برنامج شبابي صومالي، جمع بين بعض الطلاب الذين ينتمون لتيارين مختلفين فكرياً، ومعرفين بإقصاء كل طرف لطرف الأخر، مع إن الحوار كان ساخناً إلا أنه انتهى بسلام.
وفي وقت غير بعيد شاءت الاقدار أن احضر مؤتمر فريداً من نوعه، عُقد في مدينة غرووي، حمل عنوان مصالحة القبائل وصناعة السلام. كانت فكرة المؤتمر تقوم على استحضار ما يمكن استحضاره من نزاعات القبلية الصومالية، وإعداد أوراق بحثية عن طبيعة النزاعات المذكورة، واحضار بعض الجهات الوطنية التي شاركت في إعادة المصالحة من الطرفين، فكان الحضور غني بالشخصيات الخلابة التي تروي قصص عن كيفية صناعة السلام بعد طوفان من العداوات، واتذكر بأن القصص التي كانت قادمة من منطقة (Mudug) اخذت الكثير من الوقت، وعندما أراد منسق المؤتمر الاكتفاء بما تم عرضه من المنطقة والانتقال إلى منطقة أخرى، وقف وَجِيه ومن وجهاء المنطقة معترضاً بقوله ( تعلموا منا السلام، فنحن تعلمنا الانصات والحوار عندما قررنا التعافي).
إذا “السلام قرار، والتعافي رحلة، والانصات والحوار ثقافة“، وأنا على يقين بأن بداخل كل واحد منا مخزونه العاطفي الراغب في السلام، لكن الفارق الجوهري بيننا هو في رؤيتنا لصور وشكل التعافي المجتمعي، ويبدو بأن التجارب الصومالية الطويلة، أصبحت أكثر اقتناعً بأن التعافي المتمهل هو التعافي المطلوب.
وما الاحتفاء مع بعض مظاهر التعافي مثل إعفاء للديون الضخمة، أو مغادرة بعض الجند الأجنبي للأراضي الصومالية، أو انضمام الصومال إلى تحالفات إقليمية، أو حتى الاحكام القضائية التي تخص القضايا الاخلاقية، إلا براهين تدلل على نوع التعافي الذي أصاب تصورات وثقافة الإنسان الصومالي.
خلاصة القول؛ تعافي المجتمع الصومالي هو تعافي ممكن، وكلمة السر فيه هو في درجة إيماننا بأن التعافي هي رحلة بطيئة، وجزئية، تبدأ ناقصة وضعيفة، ومع الحركة والإصرار والاستمرار تأخذ مكانها اللائق بها داخل المجتمع، فكلما كان هذا التصور عن التعافي هو السائد، كلما كنا أكثر قدرة على التحرر من الخوف والتشكك، ومن أسر حكايات الماضي الخانقة، وتحمل ضريبة التعافي المؤلمة والبطيئة، وأكثر تقبل لثقافة الحوار والإنصات، وتحلي بروح التسامح والانفتاح.