أطلق الصومال حربا شاملة على الإرهاب إثر إنتخاب الدكتور حسن شيخ محمود رئيسا للصومال في 15 يناير 2022م، علما بأن هذه الخطوة العسكرية والأمنية كانت جزءا أساسيا من مشروع الرئيس حسن الذي طرحه أمام مجلسي الشيوخ والنواب الصومالي في البرلمان أثناء الإنتخابات الرئاسية.
ولتحقيق ذلك فقد أعطت الحكومة الصومالية اهتماما كبيرا في تحقيق الإستقرارالأمني في البلاد، وذلك من خلال تحرير الأراضي الخاضعة لسيطرة حركة الشباب الإرهابية، وتجفيف مصادر التمويل المالي،فضلا عن إحياء دور الهيئات العلمائية من خلال تنشيط،وتجديد الحرب الفكرية ضد الإرهابيين أيضا.
ويسلط هذا التقرير الضوء على تطورات الوضع الأمني والعسكري في الصومال وذلك في سياق الحرب الشاملة على الإرهاب المعلنة منذ يوليو 2022 وما حققته من مكاسب في الميدان.
وعندما فاز الرئيس حسن شيخ محمود بالرئاسة الصومالية في 15 مايو 2022، وعيّن المدير العام لجهاز المخابرارت والأمن القومي الصومالي، السيد/ مهد محمد صلاد، أعد استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب حيث دخلت في حيز التنفيذ، وتضمنت الإستراتيجية عدة محاور تهدف إلى تقويض قدرات الحركة وكسر شوكتها، مثل تقليص أو تحجيم نفوذ حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة في ميادين القتال، وتفكيك مصادر تمويلها، إلى جانب مواجتها فكريا،وإعلاميا بغرض تحصين المجتمع من أفكارها الضالة.
ويركز التقرير في استعراض معركة كسر العظام ونتائجها الإستراتيجية ضد حركة الشباب الإرهابية خلال العام المنصرم 2023م من خلال المحاور التالية:
أولا:- المحور العسكري:
تنفيذا للاستراتيجية الأمنية والعسكرية أطلقت قوات جهاز المخابرات والأمن القومي بالتعاون مع الشركاء الدوليين،والإقليميين حملة واسعة النطاق من أجل تحقيق حزمة أهداف وأبرزها:-
- تصفية قيادات حركة الشباب بما يساهم في فقدان قيادات الحركة التحكم والسيطرة في إدارة شؤونها.
- تدمير معاقل الحركة ومواقع تمركز عناصرها بما تتضمنه من ممتلكات، وأسلحة وذخائر، الأمر الذي أدى إلى تقييد تحركات عناصر الحركة ونشاطها الإرهابية.
- إنهاك عناصر الحركة عبر تنفيذ القوات الصومالية عدة عمليات عسكرية في أكثرمن جبهة قتالية بشكل متزامن، مما يترتب عليه استنفاد قدرات حركة الشباب على المدى القريب والمتوسط .
- إدخال الشكوك في نفوس عناصر الحركة حول نفوذ ومدى تماسك الحركة، قد ينجم عنه انقسام الحركة وانشقاق عدد من مقاتليها عنها، أوارتفاع عدد المستسلمين للجيش الصومالي. وقد تمكنت القوات الصومالية من تحرير معظم بلدات منطقتي “هيرشبيلي” و “غلمدغ “جنبا إلى جنب مع قوات العشائر الصومالية المتطوعين المعروفين صوماليا – معاوسلي –
ثانيا:- المحور الاقتصادي:
اتخذت الحكومة الصومالية الفيدرالية إلى جانب العمليات العسكرية إجراءات مالية صارمة لتجفيف منابع دخل الحركة المالية، لتقويض نفوذها المالي المتنامي في السنوات العشرة الماضية، فقام جهاز المخابرات والأمن الوطني الصومالي بالتعاون مع الجهات والمراكز المالية واللجان المسؤولة بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بحجب وتجميد أغلب حسابات حركة الشباب في الحوالات والمصارف الصومالية التي كانت تحتوي على مبالغ مالية مما قد ساهم في شل سلاسل تمويل الحركة، كما تم إطلاق تحذير بأن أي شركة ستدفع الضرائب لحركة الشباب، ستلغى ترخيصها، وقد كان مستوى الالتزام.
وكانت الحركة تحصل ما يقارب 100 مليون دولار أمريكي سنويا أو أكثر أحيانا وفق تقرير صدر من وزارة الخارجية الأمريكية، قبل إطلاق الخطة المالية الجديدة عليها بغية وقف الأموال المتدفقة إلى جيوب الحركة،عبر استخدام وسائل الترهيب والخوف،والرعب ضد المواطنين الصوماليين.
وبفضل الإستراتيجية المالية الجديدة فقد تراجع نفوذ الحركة المالي في الصومال مقارنة بالسنوات الماضية.
ثالثا:- المحور الفكري والأيدولوجي:
ولما كانت الحركات الإرهابية تنطلق من مبدأ ديني منحرف على طريقة الخوارج قررت الحكومة الصومالية على مواجهتها فكريا وذلك بمشاركة العلماء والدعاة بنشر الأفكار المضادة بغية تعرية الأفكارالتي تتبناها الحركات الإرهابية وتسليط الضوء على تفسيراتها المشوهة للإسلام، وقد أصبح هذا المجلس جبهة فكرية مضادة قادرة على محاربة الحركة فكريا، كما تم بدء إصدار تراخيص إلى معلمي تحفيظ القرآن وأئمة المساجد بهدف منع نشر الفكر المتطرف.
رابعا:- الجانب الإعلامي:
وبما أن المنظمات الإرهابية تستخدم وسائل الإعلام لتحقيق غايتها المتمثلة في جذب انتباه الجمهور، والحصول على تعاطفه، أو بث الرعب والخوف فيه، شنت الحكومة الصومالية حملة إعلامية واسعة بهدف وقف كافة السبل الدعائية المستخدمة من قبل الحركة لنشر فكرها الإرهابي وقطع كافة السُبل أمامها لنشأة حاضنة فكرية في اللجتمع الصومالي؛ كما اتخذت إجراءات صارمة في حق كل من يتعاون مع المنظمات الإرهابية أو من يروّج لأفكارها التخريبية، وقد تم حجب حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي تابعة لحركة الشباب الإرهابية ومواقع إلكترونية مهتمة بنشر أفكارها، كما اعتبرالتغطية الإعالمية لكافة ممارسات الحركة العنيفة، والترويج لإطارها الأيديولوجي بمثابة جريمة يُعاقب عليها القانون، وبناء على ذلك تم إحالة أشخاص إلى الجهات المعنية بتهمة التواطؤ مع حركة الشباب الإرهابية إعالميا .
مستقبل الحركات الإرهابية في المنظور القريب:
من المرجح بدء العد التنازلي للحركات الإرهابية بعد فقدها السيطرة على أهم المدن الاستراتيجية التي كانت تدر عليهم بموارد مالية ضخمة وهذا من شأنه تكبيد خزينة حركة الشباب الإرهابية خسائر كبيرة، قد تفقدها توازنها في المرحلة المقبلة، والعمليات العسكرية التي تجريها الحكومة تشكل عاملا أساسيا في دحر الإرهاب عسكريا واقتصاديا وإعالميا وفكريا.
وبعد تعرض الحركة الإرهابية لضغط عسكري مكثف من المتوقع انعكاس ذلك على إيراداتها المالية، بالإضافة إلى الحرب النفسية التي يعيشها عناصرها إثر استهداف قياداتهم والقضاء على بعضهم عبر الطائرات بدون طيار، وقد أثر ذلك على طبيعة تحركاتهم إذ اضطروا إلى الابتعاد عن الظهور، أو إجراء أي اتصالات فيما بينهم، وكما تقلص الدور الإعلامي لقيادات الحر كة، وأصبح من النادر عقد مؤتمرات صحفية أو ندوات علنية أو التواصل مع الإعلام الخارجي، واعتمدت القيادات العليا للحركة في أغلب الحالالت على إصدار البيانات الصحفية المكتوبة.
وهذا يؤذن ببداية النهاية للحركات الإرهابية ولا سيما بعد ما اتضح للرأي العام الصومالي أن تصرفاتها خارجة عن المنهج الإسلامي الصحيح بشهادة علماء البلاد على ذلك، إذ أصدروا في خصوص ذلك بيانا دعوا فيه إلى التصدي لحركة الشباب فكريا ومحاربتها عسكريا، وزاد هذا البيان سخط المجتمع الصومالي على الحركة ونبذ أفكارها المنحرفة، ونتيجة لهذا لضغط الشديد عليها بدأ بعض المنتسبين إليها باستسلام طوعا إلى الأجهزة الأمنية، وعلى كلٍّ فالقضاء على الحركات الإرهابية يرتبط بعوامل كثيرة أهمها قدرة الحكومة الصومالية وأجهزتها الأمنية بمساعدة المجتمع الدولي والقوى الإقليمية على مواصلة الحملة ومعالجة َّ الأزمات التي تسهم في تقوية الحركة.
الختام:
ستظل “حركة الشباب الإرهابية“ تمثل ً خطراً حقيقيا على جهود إحلال الأمن والاستقرارفي الصومال في الأمد القريب،أو البعيد وذلك بارتباطها مع تنظيم القاعدة الدولي، كما أن تهديد الحركة سيتمدد اكثر إلى دول شرق أفريقيا، ولهذا يتطلب التعاطي مع هذا الخطر بمضاعفة المساعي الإقليمية والدولية لمكافحتها بغية كسر شوكتها،وهزيمتها عسكريا لإنهاء وجودها إداريا في الصومال.