عاش الفن الصومالي عصره الذهبي أثناء الثورة العسكرية في الصومال ، وظهرت مواهب صوتية تمتلك طاقات عالمية تتجاوز المنطقة والقارة ، وصعد للمسرح الفني عمالقة من الكبار ممن وهبو حنجرة ذهبية ، وصوتا يتجاوز عنان السماء ، ويأخدك إلى ما خلف السحاب والبحار ، ويجعلك تنعتش من جديد وتدخل في عالم غير مسبوق. عالم مليء من المتعة والتساؤلات ، وتعاطف مع العشاق حد البكاء معهم وكأنك واحد منهم ، وتضامن مع المظلومين في هذا الكون الفسيح ، وتساؤلات فلسفية وتأمل في الطبيعة ، وتجاوبا مع صراعات النفس وما يدور فيها ، ومواساة للمفجوعين بفقد الحبيب والولد فلذة الكبد ، ومن ترك الحب جروحا لن تندمل في نفوسهم. وكان الفن لكل هؤلاء صوتا وأنسا وبلسما لجروحهم ومعاناتهم ، ومرهما لأحزانهم ومتنفسا لهموهم.
وتفجرت مواهب الموسيقار الصومالي ، والمطربين الكبار ، وأيقونات فنية في الوسط الفني والمسرح الوطني ، وتأثر الفن الصومالي بالست أم كلثوم ، وكوكب فيروز ، وعبقرية محمد الوردي ، والعندليب الأسمر ، وغنى المطربون الصوماليون باللغة العربية وبالعامية ، وباللهجات البنادرية والماي والبراوية من اللغة الصومالية ، وتألقو باللهجة اليمنية والسودانية وكانو ضيوفا محبوبين وفنانين مرموقين في السودان ومصر واليمن والإتحاد السوفيتي وحتى في أوروبا وأمريكا والوطن العربي والقارة السمراء ، وأحيو الأمسيات والليالي في كل مكان ، وصنعو روحا للمهرجانات الدولية والوطنية.
وكان الفن الصومالي والجيبوتي مستقلا عن غيره ، ويستمد الجمال والأصالة من واقع أمته ويتمتع ببعد عالمي وبرداء إنساني وبوجدان كوني ، وكانت قضية فلسطين ، وتحرير الشعوب الإفريقية ، ومحاربة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ” الأبارتيد ” ، ومساندة الأحرار في العالم حاضرة في الوجدان الصومالي وتشكل صورة خالدة عن الهم القومي والرسالة السامية في الفن الصومالي.
هذا الجيل هو أعظم جيل مر على الفن الصومالي وهو جيل لن يتكرر أبدا ، ترك أثرا وذاكرة شعبية جميلة لا تمحوه التاريخ ، وصنعو بصمة فاصلة في الوجدان الصومالي ، وخلفو للأمة الصومالية موسوعة فنية قيمة.
نتذكر بحب وإعجاب ملكة الفن في الصومال التي أذابت روحها وأجزلت العطاء ، وكانت جوهرة فنية فريدة ، تمتلك الصوت الرخيم والأداء الدقيق ، والصوت الحنون ، والحماس الصادق ، وألهبت حماس الشعب الصومالي أثناء حرب 1977م وشاركت في تحرير البلدان الإفريقية ومناهضة الظلم أينما كان.
ولا ننسى أبدا قصائد شاعرنا العظيم وشكسبير الصومال محمد هدراوي الذي وصف كل شيء تقرييا فأجاد وأفاد ، وتعمق وأبدع. هذا القامة الأدبية التي ترك لنا قصائد صارت أغاني خالدة مثل ” بلدوين ” وقصيدته العظيمة في الأم التي تعتبر من أجمل ما قيل عن الأم في كل التاريخ ، وأغنية ” هل كتب الحب بدماء العشاق ؟” والتي تمت ترجمتها للإنجليزية ” is Love Written in Blood? أو ” Do you Write Love in Blood” وقام بترجمتها أيضا الباحث والكاتب في الأدب الصومالي مارتن أوروين Have Love Been Blood-written.
ونشعر بالشوق لأيام الفنان والمطرب الكبير حسن سمتر ملك الصوت نسيج وحده ، ذاك الصوت الذي تفرد به والإحساس العميق والتراث الخالد الذي وضعه في ألبوماته ، وعن كل الجيل الذين عاصروه من أدباء وفنانين ومطربين وعن كل ملحن وموسيقار صومالي وصاحب قيثارة ذهبية من هذا الجيل العظيم نكن له المحبة والشوق ، وندين لهذا الجيل أجمل الأغاني العاطفية والرومانسية ، والأغاني الوطنية ، ومن خلال الفن لمس الأدب الصومالي بلمسة جديدة وإظلالة رائعة شغاف القلوب الصومالية ، وتعدى الأمة الصومالية ليصبح فنا دوليا عابرا للقات ، يستهوي قلوب الناس ويحرك مشاعرهم ، ويفسر معاناة الإنسان وأحلامه.
عبدالرحمن راغي علي