العلمانيون على العكس من الإسلاميين هم ضد الإسلام جملةً وتفصيلاً، فمشروعهم الإصلاحي في نظرهم يتمحور حول التخلي عن الإسلام، وتنحية الشريعة الإسلامية جانباً، وليس هذا فحسب بل يعزون التخلف التي تعاني منه الشعوب المسلمة إلى الإسلام، ومع كل ذلك فمن كان منهم في المجتمعات المسلمة يتظاهرون بالإسلام خوفاً من نبذ الجماهير لهم ولمشروعهم، فيضطرون أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، وبذلك جمعوا بين الردة عن الإسلام، والنفاق بإخفاء كفرهم لأنهم في قرارة أنفسهم ملحدون لا يؤمنون بالإسلام ديناً، ولكونهم لا يُظهرون ذلك علناً صاروا به منافقين، والردة والنفاق خصلتان، كل منهما أخبث من الثانية، و عندهم خصلة ثالثة لا تقل شراً عنهما، وهي العمالة للدول الكافرة التي توظفهم لترويج المبادئ العلمانية في الشعوب المسلمة حسداً من عند أنفسهم، إذ لا ننتظر ممن أفسد عقيدته على نفسه أن يرضى أن يبقى غيره على عقيدة صحيحة، ولهذا فالدول الكافرة تسعى جاهدةً إلى تخريب الأديان على الآخرين حتى يستوي الجميع على الكفر (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء).
فإذا أردت تعريف العلمانيين في بلداننا فلن تجد تعريفاً أوضح من تعريف النبي r لهم بقوله: (أناس من جلدتا، يتكلمون بألسنتا، وهم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه في النار). فمشروعهم يتساير مع كل الأطراف من ديمقراطيين، وقبليين، واشتراكيين، واستبداديين إلا مع الإسلام وأهله، فهم لا يطيقون رؤيتهم ناهيك عن التعامل معهم.
وبعد هذه المقدمة الإيضاحية نُعرِّج على أصل نشأة العلمانية لمعرفة جذورها، فلفظ العلمانية ابتكره جورج هليود الذي عاش في القرن التاسع عشر الميلادي (1851) أي أنه قد مرَّ على إنشائها ما يزيد على (170 سنة) ومن هنا ندرك أن العلمانية في بلداننا من صادرات الدول الغربية إلينا جاءت بها أيام الاحتلال، وصارت بعد رحيلها من مخلَّفاتها التعيسة.
فالعلمانية مأخوذة من العالمية، وليست من العِلم، ومن أجل تسهيل النطق بها قيل العَلمانية، وكان من المفترض أن تُنطَق هكذا (العالمانية) فالكلمة لا علاقة لها بالعِلم، والتحضُّر، والرُّقي كما يُروِّج لها مُنظِّروها.
الظروف التي نشأت فيها العلمانية
قد ذكرنا أن العلمانية نشأت في أوربا، وبالتحديد في العصور المظلمة التي كانت مقاليد الأمور كلها بيد رجالات الكنيسة، والقرونُ المظلمة لأوربا تبدأ من القرن الخامس الميلادي إلى القرن الخامس عشر، ثم بدأ الصراع بين رجال العلم والكنيسة، فامتدَّ الصراع بينهما إلى بدايات القرن الثامن عشر الميلادي، فالناس في تلك العصور المظلمة كانوا عبيداً للكنيسة، ولم يكن يحق لهم أن يفكروا خارج معارف حدود الكنيسة، وكل إنتاجهم كان يعود رَيعُه للكنيسة، فتسمح الكنيسة أن يعمل الشخص لنفسه يومين، و للكنيسة بقية الأيام.
فالكنيسة حفاظاً على مركزها كانت تحارب كل ما يمتُّ بالعلم صلة، ولهذا تردَّتِ الحياةُ في أوربا، وأُصيبت بشلل، وكان المحظوظ منهم من يصل إلى المشرق العربي، وخاصة الأندلس، فينهل منها العلم بفنونه، ثم يعود إلى بلده متظاهراً أنه مجرد تاجر، وللتغطية على نفسه يصطحب الراجعُ معه بعض البضائع التي يَجلبها من الشرق ليثبت بذلك أنه إنما ذهب هناك للتجارة لا لشيء آخر، ولو علمت الكنيسة أنه تعلَّم شيئاً من العلوم الدنيوية لحُكم عليه بالإعدام فور وصوله.
العلمانية ومراحلها
وحتى يتقبل الناس للعلمانية كان المُروِّجون لها يقولون في بداياتها: إن العلمانية لا تحارب الأديان، بل تجعل الدين فيما بين العبد وربه، أي أنها تعنى فصل الدين عن الحكم، والشؤون السياسية، أي أنها حركة تحديثية بعيداً عن القيم الدينية التقليدية إذ من الصعب عليهم إقناع الشعوب المسلمة في البلدان الإسلامية بتقبل الإلحاد الصريح دُفعةً واحدةً، فيتدرجون مع الشعوب فيها، فإذا قبلت منهم العلمانية في إحدى مراحلها انتقلوا بها إلى المرحلة الثانية إلى أن يصلوا بها إلى مبتغاهم من الكفر الصريح بالإسلام، فالعلمانية في جوهرها التي تنتهي إليه: تعنى اللادينية، أوالدنيوية، أو مادية، وقد تحقق للعلمانيين كثير من أهدافهم في البلدان الإسلامية بإقصاء الشريعة الإسلامية من التحاكم إليها بين المسلمين، وقد ساعدهم على تحقيق بعض تلك الأهداف في هذا العصر النفوذُ القويُّ الذي تتمتع به الدول الغربية في الدول التي شعوبها مسلمة، فتمارس عليها الضغوطات بأنواعها تارة بالترهيب، وتارة بالترغيب للحيلولة بين الشعوب المسلمة، والشريعة الإسلامية.
ولهذا فهناك دول عظمى تنص دساتيرها على هويتها العلمانية مثل أمريكا وفرنسا، وكندا، وكوريا الجنوبية، والهند، وكأنهم يقولون بلسان حالهم، فإذا كنا نحن الدول التي هي قِمَّةٌ في التقدم وفي حقوق الإنسان اخترنا العلمانية أسلوب حياتنا، فعليكم أيتها الدول المتخلفة أن تُقلِّدونا فيها، وإلا فأنتم لا تستحقون الاعتراف بأنظمتكم، وهذا ما جعل الرئيس التونسي الأسبق قائد السبسي يقول أمام برلمان بلده: إننا دولة مدنية لا علاقة لنا بالقرآن، ولا بالدين.
الكنيسة والدين
إن الوحي الإلهي الذي أنزل على أنبياء بني إسرائيل، أكثرُه قد ضاع، وآخر ما ضاع منها الإنجيل الذي أنزل على عيسى، فلا وجود له في الدنيا، والبعضُ الآخر قد حُرِّف إلى حدٍ انطمست فيه معالمه، فقد كان رجال الدين من اليهود عبر التاريخ يحذفون الآيات، ويملأون مكانها كلاماً من عندهم للوصول إلى منفعة دنيوية، وفي ذلك يقول تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما يكتبون) وفيهم يقول تعالى: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون).
وفي قديم الزمان كان اليهود يحاربون المصلحين من الأنبياء ومَن بعدهم من ورثة علومهم لتطويع كل شيء حسب أهوائهم، فتلك عادة متأصلة فيهم، وقد حاربوا نبي الله عيسى عليه السلام عند بعثته، بل حاولوا قتله لو لا أن الله نجاه منهم برفعه إلى السماء حياً، وفيهم يقول تعالى: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم).
سبب رفض الناس للكنيسة في أوربا
كان لأوربا الحق في رفض الكنيسة ورجالاتها لأنهم صاروا حجر عثرة في سبيل التقدم والتطور، لأنهم كانوا يحكمون الناس بأهوائهم لا بالوحي الإلهي معتمدين في إدارة شؤون الناس على عقولهم المتخلفة على أنها وحي إلهي لتكتسب بذلك قدسية بحيث لا يحق لأحد الاعتراضُ عليها، فاصطدمت نظرياتُ رجال الدين تلك مع الواقع، فصعُب على الناس قبولها لأنها غير منطقية، ولم تتمكن من مسايرة العصر، ومتطلباته، وهذا الفساد الكنسي لم يكن قاصراً على حكم الناس في حياتهم اليومية، بل تعدَّى ذلك الفساد إلى عقيدة النصارى، فأدخلوا فيها ما يصعب تصديقُه حتى مِن قبل البسطاء من عامة الناس كعقيدة التثليث بإيمان وجود ثلاثة من الآلهة، والثلاثة عبارة عن واحد، وأن عيسى ـ وهو ابن الله في نظرهم، ثم إن الله ضحَّى بابنه عيسى لما عجز الإله عن غفران الذنب الذي اقترفه آدم من أكل تلك الشجرة إلى غير ذلك من التراهات، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
فأوصل رجال الكنيسة حياة الناس إلى طريق مسدود، فلم يكن أمامهم بدٌّ من مقاومة ذلك الطغيان الكنسي، والتمرد عليه، فكان ما كان من المواجهات بين الفريقين حتى انتهى الأمر إلى هزيمة رجال الكنيسة وإخراجها عن الحياة اليومية وقصرِها على الطقوس التي تُردَّد داخل الكنائس يوم الأحد فقط.
فتستثمر الدول الغربية ذلك الصراع بين الكنسية ورجالِ العلم في التخلي عن الشريعة، وإبعادها عن الحكم، وقد صرَّح بذلك كبار مُنظِّري النصارى: لن يُكتب لكم أيها المسلمون النجاح حتى تفعلوا بإسلامكم ما فعَلنا نحن بكنائسنا حيث تخلينا عنها، ووضعناها جانباً فيما يتعلق بحياتنا، بل حشرناها في الكنيسة، وجعلناها بين الشخص وربه في اللحظات التي يكون الشخص في الكنيسة فقط، ثم يتخلى عنها إذا خرج منها ليتفرغ لشؤونه الدنيوية بكامل حريته دون تدخلٍ من أحدٍ لا من الله، ولا من البابابوات قائلين نحن من نصنع مستقبلنا بأيدينا دون أن يكون علينا مِنَّةٌ من أحد، فتلك منهم دعوة صريحة إلى الكفر، ولم يقفوا عند كفرهم بالله، بل هم حريصون كل الحرص على جَرِّ المسلمين إلى الكفر بالله.{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ}.
فيستدلون بتقدمُهم المادي على المسلمين في هذا العصر على صحة منهجهم في الحياة قائلين: فكما نحن أفضل منكم في الدنيا كذلك نكون أفضل منكم في الآخرة. وهذه الشبهة قد سبقهم إليها مشركو قريش حيث قالوا:{نحن أكثر أموالاً وأولاداً وما نحن بمعذبين}أي أنهم يقولون لو لم يكن الله راضياً عنا لما أعطانا تلك الأموال ولا هؤلاء الأولاد،وهذا دليل على أننا غير معذبين في الآخرة).
وهذه النظرة المتمثلة في استبعاد الكنيسة عن الحياة هي التي أوجدتْ في المسلمين علمانيين ينادون بفصل الدين عن الدولة، بل هو عينُ الذي تُطبِّقه معظم الحكومات القائمة اليوم في المسلمين، وقد تطوَّر ذلك بمرور الزمن حتى اعتقد كثيرٌ من أبناء المسلمين أن الشريعة غير صالحة للتطبيق في هذا العصر المتطور لعجزها عن تلبية حاجاته في جميع المجالات، ولايقفون عند هذا الحدِّ بل يستغربون من يقول بغير ذلك، فكأنَّ ذلك عندهم من المسلَّمات.
ولم تكن العلمنة قاصرة على الحكومات بل تعدَّتْ إلى الشعوب المسلمة، فتمارسها في حياتها اليومية حتى في الشعائر التعبدية والسلوكيات، فمعظم المسلمين لا يُصلَّون الصلواتِ الخمسَ في أوقاتها، ولا يتقيدون بالأخلاق الإسلامية من الصدق في التعامل مع الغير، وإذا سُئلوا بأيِّ شيءٍ أنتم مسلمون؟ قالوا: بالانتماء إليه وُجدانياً، فهم في الوقت الذين يحاربون الإسلام بأقوالهم وسلوكهم يصرون أنهم من مناصريه، ولا يجدون حرجاً في ذلك التناقض بين أقوالهم وسلوكهم([1])).
فرض العلمانية على الشعوب
تركيز العلمانيين إنما هو على الإسلام لا على غيره، فهم يسعون إلى علمانية المسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، إذ ليس هناك دين اليوم على وجه الأرض فيه عقيدة وشريعة إلا الإسلام بخلاف النحل والملل الأخرى المعمول بها عند بعض الناس، فكلها مقصورة على الجانب الروحي فقط، أما الإسلام فهو منهج حياة متكامل شامل للدنيا والآخرة.
ولأجل فرض العلمانية على العالم كله اعتبروا العلمانية عالمية، فاعتبروا التحرر من الدين، ومن القيم الأخلاقية هي أحد حقوق الإنسان. ولهذا قالوا: إن الحدود الشرعية من قطع يد السارق، ورجم المحصن، والقصاص من القتال حدود بشعة لا تتناسب مع الإنسان المتحضِّر في هذا العصر المتطور، وأن قطع يد الإنسان تعطيل للإنسان من قوته، وجعله عالة على غيره، وذاك يتعارض تماماً مع النظرية العلمانية التي ترفض تماماً ما أتت به الديانات السماوية من أن هناك عالمَاً آخر يكون فيه جنة ونار .
العلمانية والإسلام
فالعلمانية وإن كانت تناسب أوربا في وضعها الحالي لأنه ليس عندها وحي من الله محفوظ من التبديل والتحريف، فمن لم يكن عنده وحي إلهي، فلا مفر من تسيير أمور حياته بعقله، سواء أخطأ أم أصاب إذ ليس عنده بديل عن ذلك، لكن العلمانية مرفوضة في الإسلام لما يأتي:
1ـ إنه دين محفوظ من الله إلى قيام الساعة، فلم يَحدث فيه، ولن يحدث له ما حدث للكتب السابقة، لأن الله تبارك وتعالى لم يُوَكِّل حفظَه لأحد من البشر، بل تولى ذلك بنفسه بقوله:(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) لأنه آخر الكتب السماوية، فلو تُرك كتاب الله لهوى الناس لضاع كما ضاعت الكتب السابقة إما بالفقدان، أو بالتحريف والتبديل، ولو حصل ذلك لما كان لله على خلقه حجة، والله إنما أنزل الوحي (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ). والدين المحرف لا تقوم به حجة.
2ـ الإسلام يدعو للعلم، ولا يحاربه، بل يوجبه على الجميع، فإن لم يوجد من يقوم به أثم الجميع بخلاف الكنيسة فإنها حاربت رجال العلم، وحرَمتِ الجميعَ من تعلُّم العلوم الدنيوية في حين أن القرآن الكريم يُشيد بالعلم والعلماء في آيات كثيرة منها قوله تعالى: (يرفع الله آمنوا منكم والذين أو توا العلم درجات) وقال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فلا يمكن قياس دين ضاع معظمُه، وحُرِّف باقيه على الدين المحفوظ من التبديل والتبديل والزيادة فيه.
3ـ إن فصل الدين عن الدولة كفر صريح في دين الله لا يختلف فيه اثنان، لأن الدين عبارة عن إيمان وشريعة: فأخذ أحدهما دون الآخر هو رفض للإسلام كله، فذاك ما لم يقبله الله من اليهود فكيف يقبله من المسلمين، قال تعالى( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون).
4ـ إن الأخذ بالإسلام في عقيدته وترك تشريعاته استدراك على الله في التشريع لأن معنى ذلك أن الله جهل عما يصلح للبشرية في جانب التشريع، حيث وضع لهم من التشريع ما لا يتساير مع جميع الأزمنة، وهذا بلا شك كفر صريح، وطعن في ذات الله بنسبة الجهل إليه، والغريب في الأمر أن من يجادل الله في تشريعاته يُسلِّم لله بما هو أعظم من ذلك كالخلق والإماتة، ولا يجحد ذلك إلا الدهريون المتخلفون عقلياً، وقد لفت الله نظر الجميع إلى أهمية ذلك في التسليم له في كل شيء، فقال تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون).
فإذا سلمنا لله في كل تلك المراحل التي يمر بها الإنسان دون أن يستشيرنا في شيء من ذلك، ثم ننازعه في أن يحكمنا شرعُه في الحياة اليومية لا شك أن ذلك هو اتباع للهوى، فإذا أقررنا لله أنه هو الخالق للبشر استلزم أنه وحده هو الذي يعلم ما يَصلح للبشر من التشريعات لأنه خالقهم، قال تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) ومن أراد أن يضع شرعاً للناس فليخلق لنفسه بشراً، ثم ليضع لهم بعد ذلك قوانين يحكمهم بها، أما أن يتدخل بين الله وبين خلقه، فذاك تطاول على الذات الإلهية فيما هو من خصائصه ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله).
ومن يؤمن بالعلمانية ثم يزعم أنه مع ذلك مسلم داخل فيمن حذر عنهم رسول الله في حذيفة بن اليمان بقوله: «… دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ… الحديث ». صحيح البخاري (9/ 52).
فالعلمانية في حقيقتها رفض الدين كلية، وذلك إلحاد، وكفر بالله إلا أن العلمانيين في الوطن الإسلامي لا يتجرؤون على الجهر برفض الدين صراحة، وإنما يقولون ذلك في خاصة أنفسهم، وكفاهم بذلك قبحاً، وقد صدق رسول الله (والإثم ما حاك في النفس، وكرهت أن يطلع عليه الناس).
الغرب يحارب الإسلام
فالدول الشرقية (كروسيا والصين) الملحدة أشد عداء للأديان من الدول الغربية إلا أن السيطرة على العالم اليوم بيد الغرب، وليس للشرق أيُّ دور يذكر فيما مضى من الزمان، صحيح أن الاتحاد السوفياتي كان يحارب الأديان كلها دون استثناء، ويعتبرها أنها أفيون الشعوب، ولكن الإسلام صار هو العامل الرئيسي في تفكك الاتحاد السوفييتي حين حارب المسلمين في أفغانستان عشر سنوات متتالية أدت إلى هزيمة الاتحاد السوفييتي وتفككه، ولله الحمد عليه في ذلك.
والغرب حين يحارب الإسلام لا يقر بالحقيقة التي يؤمن بها عن الإسلام، ولا يعترف بأنه يخشى الإسلام على نفسه لأنه لو قال كذلك لتمردت عليه شعوبه التي كان يكذب عليها من أن الإسلام ليس بشيء، ولكنه يقول لقادة الشعوب المسلمة: إنكم شعوب متخلفة، وأن سبب تخلفكم هو الإسلام، فلن تتقدموا إلا إذا فعلتم بإسلامكم ما فعلناه نحن بكنيستنا، وهذا ما جعل أبناء المسلمين المبتعثين إلى الغرب يتشبعون بهذه الفكرة، ويرجعون إلى بلدانهم، وهم يحملون الحقد والكره للإسلام إيماناً منهم أنه السبب في تخلف بلده كما قال لهم أسيادهم.
فنحن نتساءل فنقول: هل الدول الغربية عندها من الرحمة بنا والشفقة علينا ما يجعلها تخشى علينا من ديننا، أليست الدول الغربية احتلت بلداننا، وصادرت خيراتها، وسلبت الحرية من أهاليها، وعاملت الشعوب المسلمة كمعاملة الحيوانات، فأين كانت رحمته بنا في ذلك الوقت، فالحقيقة الُمرَّة أن الغرب يخشى من الإسلام، فإذا عملتِ به الشعوبُ المسلمة عقيدة وشريعة عندها تقوى صلتها بربها، وتأخذ التوجيهات منه، ومن خلاله تعرف عدوها الحقيقي من كتاب ربها، (والله أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا). ولن تكون هذه التبعية له، والله يحميهم من مخططاتهم التخريبية بل ينصرهم عليهم قال تعالى: ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون).
وهؤلاء الأعداء يعلمون قبل غيرهم أن الإسلام ليس ككل الأديان بل يمتلك خصائص تجعل معتنقيه يأخذون زمام المبادرة في مدة وجيزة، فقد استطاعوا في السابق إسقاط امبراطوريتين في مدة قياسية كذلك فهم اليوم قادرون على إسقاط هذه الحضارات الوهمية التي تتهاوى لأتفه الأسباب انظروا ما حدث لأمريكا اليوم في حربها مع الشعب الأفغاني العُزَّل، حيث انسحبت أمريكا من بلادهم، وهي تجر أذيال العار بعد عشرين عاماً من القتال، لوكان الإسلام يُخلِّفنا عن الأمم لكانت أمريكا أول المرحبين به، فالحضارة الغربية حضارة إقصائية لا تقبل العيش معها.
ثم هل الدول الغربية والشرقية حريصة على تقدم البلدان الإسلامية أم إنها هي الواقفة أمام الشعوب لتنهض من جديد، أليست هي التي تفرض الاستبداد على الشعوب بدعمها للدكتاتوريين لتبقيهم على الكراسي لتأخذ من البلاد كل ما يريدون منهم دون استشارة أحدٍ ممن يمثل الشعب.
إن الغرب وضع مؤسسات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات، كلُها أُنشِئت من أجل السيطرة على الشعوب وتوجيهاتها حسب الوجهة التي يريدونها مستخدمين نفوذ تلك المؤسسات العملاقة التي لا يستغني عن التعامل بها أيُّ دولة في هذا العالم الذي نحن فيه، فلو قُدر أن قدم البنك الدولي قرضاً ربويا لأيِّ دولة من الدول في العالم الثالث يشترط عليها لأجل تدميرها تعويم عملتها أولاً حتى تعصف بها الرياح في النزول والصعود، ثم يطلب منها أن ترفع الدعم عن السلع الأساسية كالبترول، والأغذية لترتفع بها المواد الأساسية، فيعجز عامة الشعب عن شرائها، فيكون معظم الشعب تحت خط الفقر، والغريب في الأمر أن ذلك التدمير لحياة الناس تسميها تلك المؤسسات الدولية إصلاحات لا بد من القيام بها لدعم الدول الفقيرة، فتقوم الدول الفقيرة وإن كانت غير مقتنعة لأنها لا تملك بديلا آخر، وقد صدق من قال: (من لا يملك قوته لا يملك قرار نفسه).
وقصد تلك المؤسسات من تلك القروض أن تتضاعف الديون على الدولة يوماً بعد يوم بسبب الفوائد الربوية حتى تزيد على أصل الدين، ومن هنا تبدأ الإملاءات على تلك الدول للتعليمات الصادرة إليها في غير صالحها، لهذا فالدول الشريفة لا تقبل أن تكون مدينة للبنك الدولي، أو المؤسسات التابعة له حفاظا على كرامتها وقراراتها.
ولبيان حقد الدول الغربية على المسلمين نريد أن نسأل أمريكا على وجه التحديد، فهل تركيا في عهد أردوغان أفضل منها في العهود السابقة، الجواب من دون تردد، هي في عهد أردوغان أفضل، إذن فلما ذا أمريكا إذن دبرت الانقلاب عليه مستخدمة (فتح غولن ) بحيث تم التنسيق معه للانقلاب على أردوغان، ولما فشل الانقلاب، وعُلم أن (فتح غولن) وراءه طُولب أمريكا بتسليمه إلا أنها رفضت، وهذا يعني أنها متورطة معه في تدبير الانقلاب لأنه عند محاكمته سيكشف عن كل من ساعده على الانقلاب، وكل مَن دعمه، ومن أين جاءت الفكرة.
هل بالإمكان الخروج من التبعية
إن الأمة إذا اتحدت شعبا وقادة فلن تستطيع أمريكا ولا غيرها أن تقف أمامها، فالعزائم لا تُقهر، ولن تكون الغلبة لفئة من الناس دائماً، والأيام دول، وتلك سنة الله في الأرض (وتلك الأيام نداولها بين الناس ) فها هي الصين اليوم قد برزت كقوة عالمية، وقد سبقت أمريكا في كثير من المجالات، واتفق المحللون على أنها في ظرف عشر سنوات ستتفوق على أمريكا إن هي استمرت الأمور على ما هي عليه، وتكون هي الدولة الأولى في العالم في الاقتصاد وفي التكلنوجيا، فأمريكا من هذا التطور الصيني جن جنونها، وليس من المستبعد أن تشن أمريكا على الصين حربا استباقية عملا بقاعدة ( عليَّ وعلى أعدائي) إذ من الصعب على أمريكا أن تتفرج على الصين، وهي تتقدم عليها، كيف لها أن تقبل ذلك، وهي التي كانت تقود العالم قرنين من الزمان، الدولة الأولى في كل المجالات دون منافس.
الهوامش:
([1]) وما بين القوسين من الكلام بطوله مقتبس من كتابي ( أصناف الدعاة ( ص13/ 14) مع التصرف بالتقديم والتأخير..