أنا في تمام العقد الثالث من عمري، لا زلت أحتفظ بجمالي الباهر وروائي الناضر، وانا من اللواتي يعتنين بالمظهر بل كنت أبالغ في ذلك، وأنفق تكاليف باهطة وأخصص ميزانية هائلة لشراء المراهم ومستحضرات التجميل، أركب الصعب والذلول وأفتل في الذروة والغارب لمكافحة الترهلات في جسمي ومحاربة الاسترخاء في بدني، ومقاومة السمنة والبدانة، فكنت أمارس الرياصة باستمرار.
لم أتزوج حتى الآن ولم يكن هذا الموضوع يستحوذ علي اهتمامي منذ برهة من الزمن بسبب حادث ألمّ بي في عنفوان شبابي، آليت بعدها ألا أقترب من الزواج، بيد أني افقت من تأثير الغضب، واستطعت أن اتحرر من الماضي الذي كنت حبيسا لذكرياته، حين ناهزت الثلاثين، عندئذ تفطنت أن قطار الزواج يكادان يفوتني وعاودني حلم الأمومة الذي قمت بوأده وانا صغيرة، فبدأت اتهيأ لاستقبال الخطّاب الذبن توقعت أنهم ينثالون علي، لكن خاب ظني وكذب حدسي، فانتظرت الفرج بيد أن الأمور سارت نحو الأسوأ، بدأت أكثر المخالطة مع الناس علّي أظفر برجل منهم واخيرا لحسن طالعي تبسمت لي الدنيا ونجحت في اصطياد سمكة شهية، وقعت في شباكي بعد لأي وجهد وجهيد.
لقد عثرت على شاب في الخامسة عشر من عمره، في قمة الجمال وفي ذروة الفحولة، وقع بينه وبين إخوته شجار ومشادة كلامية أحدثت بينهم شرجا وفجوة واسعة، وكان يعتقد أن أمه انحازت إليهم فثارت حفيظته وصار مترعا بالضغينة، فترك بيت والدته حيم استشاط غيظه، وحين حظيت منه القبول للزواج مني انتابي فرح شديد وساورني طرب، فبدأنا نأخذ أهبتنا للزواج، واخذنا في تجهيز الأثات وبقية المستلزمات ، وحين سمعت امه بذلك جنّ جنونها، وحاولت ان تثنيه عن هذه الخطوة لكنه تمادى مدفوعا بالحب، ولما أيست منه، اتصلت بي عبر الجوال، تلقي علي بركانا هائلا من الكلمات النابية ما بين شتم وتهديد، فلم اهر لكلامها بالا ومضيت بكل عزم وتصميم في طريقي نحو الحياة البهيجة والعيش البهي، نحو إرواء النفس من الغليل، حتى تم الزواج بعون الله وانتهت حفلة الزفاف بهدوء يلا ئم حالتنا المادية.
ثم بدأت حياتي في عش الزوجية، وساد التوافق والانسجام بيني وبين زوجي الصغير، فصرت متعلقة به لحدالجنون، لا اطيق غيابه للحظة، وذات يوم وافتنا أمه في زيارة مفاجئة، فاستقبلتها بحفاوة وسرور، وشددنا أنا وزوجي مئزرنا لإرضائها والسهر على راحتها، وكنا نتبادل النوبات لإدخال السرور في فؤادها، وكنت قلقة من هذه الزيارة مخافة أن تثير البلبلة في بيتي وتنتشلني من الحياة السعيدة، فتكون حلما تبدد وطيف هجر، ورغم ذلك بدوت متماسكة، وحاولت قدر جهدي ألا يظهر ذلك من محيّاى، ولم آل جهدا في استضافتها، فبقيت معنا أياما لا نتواني في استمالة قلبهل يكل الوسائل الممكنة، وذات مرك كنت عائدة من السوق لشراء لوازم الببت فلما دنوت منه، سمعت غمغمة وهمهمة من غرفة الضيافة، فدخلت بهدوء، أمشي على اطراف أصابع القدمين، حتي لصقت أذني بالباب لكي أسمع ما يجري في داخل الغرفة، لعل العجوز الشمطاء تؤلب زوجي علي، فوصل إليّ الصوت بوضوح، فاندهشت مما سمعت وفغر منه فمي، كانت تخبره بأنها ليست أمه الحقيقية، وأنهزلقيط اخذته من مصطبة بالقرب من الجامع الكبير في عام 1999م فانتظرت حتي أعرف ردة فعله، فلم يكن سوي ان طلب منها توخي الحرص على كتمان الأمر عن المجتمع ، حتى لا يحطّ عن ذلك عن مكانته ويخدش سمعته، وشدّد عليها بإخفاء الموضوع عن زوجته حتى لا ينهار بيته، فركضت-لا ألوي على شيئ – نحو غرفة النوم، وقد تحجرت في عيني عبرات كدت لا أبصر بسببها شيئا، واغلقت على نفسي الباب، ورميت جسمي بتثاقل فوق الفراش، ودفنت وجهي في المخدة واسترسلت في البكاء، فسال مني فيضان من الدموع، وغصت في بحار الاحزان، وارسيت على موانئ الأتراخ، وعرّجت على شاطي الذكريات، تذكرت حين كنت فتاة حسناء غانية هيفاء الخصر، لها عينان نجلاوان وبشرة ساطعة مضيئة، اكتملت انوثتي في وقت مبكر، وصارت تشتقطب الرجال إليّ، وتجذب انظارهم، فتهافتوا على وتسابقوا إلي، فانجرفت وراء كلامهم المعسول وغرني الفتات الذي كانوا يوقعونني بها في افخاخهم المنتصبة بإحكامي، وساعدهم علي ذلك طيشي وعدم نضوجي، فأصبحت انقلب من حضن أحدهم إلى آخر، أنغمس في عالم الشهوة، لا اكترث بنصائح الأحباب ولا أصغي لتوجيهات الأصحاب، حتى وقع المحذور فوجدت نفسي حبلى، فاعتراني الغم والهم، وصرت أسيرا في قفص الأحزان، حتى تفظنت لذلك زوجة عمي التي كنت أعيش معها، فتضامنت معي ونصحتني بدل التانيب والتعنيف الذي كنت أتوقعه منها وشجعتني واخبرتني الا الفت انظار الناس ولا أشد انتباههم لهذا الأمر الجلل بخزني الشديد، فتواطئنا ان نخفي الأمر عن كل أحد حتى عن عمي الذي كان كثير الترحال والأسفار لكثرة ارتباطاته وشواغله، وحين جاءني المخاض كانت زوجة عمي هي قابلتي ،فوضعته بيسر وسهولة، وبعد شد وجدب توصلنا انا وعمتي ان نمحو الشنار عن نفسي وعن اسرتي، حتى لا ييقى هذا وصمة عار في جببهم، لا أطيق رؤيتهم ناكسي رؤؤسهم منحني الظهر من الخزي والمذلة، فأخذنا المولود ومشينا به تحت جنخ الظلام الدامس، حتى وضعناه وأودعناه قرب مسجد الجامع، ثم غادرناه يصرخ، فكنت أسمع صراخه وانا أسير مع عمتي باتجاه بيتها، حتي تماوج الصوت مع الهواء، فهكذا فقدت ولدي وضيعت فلذة كبدي، وجعلته لقمة سائغة لكل من يريد به شرا، وبعد خمسة عشر عاما عاد إليّ، كشريك لحياتي لا كولدي.