الوعي على قدر ما هو شأن ذاتي، داخلي، فردي إلا أنه يرتبط بشكل وثيق بسلوك الخارجي للفرد، وسلوك الخارجي لمجموعة من الافراد نستدل على ضوء سلوكهم الاتجاه الذي يسير نحوه المجتمع، وعلى أثر ذلك نُقيس مستوى النضج والتغيير المعرفي الذي أصاب تلك المجتمعات. إذا كيف هو شكل الوعي داخل المجتمع الصومالي؟.
الوعي داخل المجتمع الصومالي يتزعمه جيلان، يسيران في خطين مُتوازيين، يلتقيان في الواقع المادي ويفترقان في الواقع الروحي، يتفاوتان في التجربة الحياتية، ويختلفان في كيفية صناعة الوعي لكل منهما.
فالجيل الأكبر سناً، يصنع وعيه من الذكريات الماضية، ومن الصور المُخزنة، من التجارب التقليدية الثابتة، ومن الانتقال الثقافي، ومن اعتبارات الجماعة، ويقابله في المُعادلة، الجيل الأصغر سناً والأكثر عدداً، والذي يصنع وعيه من الذاكرة الحالية، ومن الاحاسيس الفردية، ومن ذاكرة مشوشة للزمان والمكان، ومن روح التجديد والمواكبة، ومن التغيير الثقافي.
وحتى نعرف أكثر الفرق بين الجيلين في الصومال، نستحضر لغة التعبير لكل منهما باعتبار لغة التعبير هي المظهر الأساسي للوعي، فاللغة الجيل الأكبر سناً تزخم ” باللوم، وتراشق تهم، وتحسر، وإقصاء، واعلان قطعيات، وإطلاق تهديدات، وتمسك بالماضي” يقابلها في الطرف الأخر جيل يُعبر عن ذاته باللغة (الترند، والكوميديا، والتحديات الصاخبة، التمرد، الدراما المشوشة، واحياناً بالمنطق والقيم الإنسانية المشتركة وجميعها لغة حاضر وتوق للمستقبل).
المتتبع لحِراك الوعي داخل المجتمع الصومالي، يؤمن بأن العقلية الصومالية تعيش مرحلة وعي، الجميع الواعون، لكن وعي متباين، وعي غير موحد، وعي لا يرى الأمور بشكل مُتقارب، وعي “انشطاري، فدرالي” يشبه الأوضاع الاجتماعية التي وجد نفسه فيها، وهذا يؤثر في حسم المواقف المصيرية التي تخص الوطن مثل الموقف من (حرب على الإرهاب، شكل المواطنة، الحقوق، المستقبل وغيرها)، فكلا الفريقين غير متجانسين على المستوى التيار الواحد (بمعنى الجيل الواحد غير متجانس)، وغير متصالحين على مستوى التيارين، أي بينهما صراع، لكنه صراع حذر قابل أن يتحول إلى صراع متفهم، إذا أظهر الجيل الأكبر سناً اِسْتِسَاغ فكرة ” الاستقلال الفكري لدي الجيل الأصغر سناً”، وذلك من خلال تبني ” الوعي النقدي” الذي يقوم على المرونة والنضج الفكري، بحيث يسمح أن يُخضع كل مكونات وعيه للنقد، ويُتيح فرصه ببروز رُؤىً أخرى تختلف عنه، بدل من أن يُصم المختلف بالضعف والتهور، الوعي داخل المجتمع الصومالي اليوم هو رهين مدى قبول الكبار على تطوير أنفسهم.