فيما يبدو أنه “تمرير للرؤية والإمساك بخيوط اللعبة”، تحركت خطوات إثيوبية جديدة بشأن بدء توليد الطاقة جزئيا من سد “النهضة”، والسماح بتدفق المياه لدولتي المصب مصر والسودان، والدعوة لتوقيع خطة تقسيم المياه، في مقابل موقف مصري سوداني اكتفى بانتقاد التحرك المنفرد.
وتزامنا مع بدء تشغيل سد النهضة جزئيا لإنتاج الطاقة، الأحد، جاء إعلان غير مسبوق من أديس أبابا باعتزامها السماح لـ “تدفق مياه السد إلى مصر والسودان كما كان في السابق”، وسط دعوة الثلاثاء للتوقيع “الاضطراري” على اتفاقية معنية بتقسيم المياه ترفضها الدولتان.
خطوات بعضها “مفصلي” بحسب رؤية محلل إثيوبي، بعد نحو عقد من الأزمة ومفاوضات يرعاها الاتحاد الإفريقي مجمدة منذ أشهر، إثر خلافات بشأن الملء والتشغيل وأزمات داخلية بإثيوبيا والسودان.
وتثير الخطوات، حسب مراقبين تساؤلا بشأن “سعي أديس أبابا للتأكيد على أنها تمرر رؤيتها على الأرض دون فعل مصري سوداني قادر على إيقافها وأنها تقود زمام الأمور وتمسك بخيوط اللعبة وتحريكها فعليا الآن”.
وفي حديثين منفصلين للأناضول، عد أكاديمي متخصص بالشأن الإفريقي هذه الخطوات، بأنها تأكيد إثيوبي، على “التمسك بالسيادة والمياه”، فيما توقع ثان معني بالسدود أن إثيوبيا تريد فرض إرادتها مجددا بدفع مصر والسودان نحو توقيع اتفاقية عنتيبي المعنية بإعادة توزيع حصص المياه من جديد.
وبخلاف تمسك من نائب إثيوبي، بأن خطوة توليد الكهرباء “بشارة للداخل، ورسالة تطمينية للخارج”، فتقديرات مصرية غير رسمية، تسير عكس ذلك.
واعتبرت التقديرات تلك الخطوات الإثيوبية لاسيما تدفق المياه نحو مصر والسودان “أمرا دعائيا”، وإعلانا “اضطراريا وفنيا” لسعي إثيوبيا للملء الثالث الفترة المقبلة وحاجتها لتفريغ مائي بالسد لاستكمال متطلبات ملئه، في إطار عملية هندسية فنية.
– إثيوبيا تفرض رؤيتها ؟
الأحد، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، من مقر السد “بدء مشروع توليد الكهرباء” لأول عملية إنتاج لـ 375 ميغاوات، وفق هيئة الإذاعة الإثيوبية “فانا”.
ووصفت مصر والسودان في بيانين رسميين منفصلين، هذا الإعلان الإثيوبي الذي تمرر به أديس أبابا رؤيتها بأنه “خرق جديد”.
غير أن آبي أحمد، غرد الأحد، متمسكا بمواقفه دون تراجع بمخاطبة الداخل المحفوف بالصراعات المسلحة ببشارة “ولادة حقبة جديدة”، ومبشرا الخارج بوجود “نبأ سار للقارة (الإفريقية) ولدولتي المصب (مصر والسودان) التي نتطلع إلى العمل معهما”.
وأضاف: “كما ترون هذه المياه ستولد الطاقة، وستتدفق كما كانت تتدفق في السابق إلى السودان ومصر، بخلاف الشائعات التي تفيد بأن شعب إثيوبيا وحكومتها يبنيان السد لحرمانهما”، دون أن يتطرق لإمكانية عودة المفاوضات المجمدة التي تنتظر القاهرة والخرطوم
وعاد آبي أحمد، الثلاثاء، في خطاب له، بالبرلمان الإثيوبي، نقلته وسائل إعلام، مؤكدا على رؤية بلاده وإرادتها دون تراجع خطوة للخلف قائلا: “بخصوص سد النهضة، نريد التعاون مع مصر والسودان، وكما وعدنا نقوم بتوليد الطاقة وإطلاق المياه”.
وأضاف: “المياه الصادرة من الروافد العليا للنيل الأزرق في إثيوبيا متاحة لجميع البلدان الثلاثة، ونحن جاهزون طالما يوجد حل يفيدنا جميعا”.
وتطرق لفرض رؤية جديدة وهي العودة للتوقيع الاضطراري لاتفاقية تقسيم المياه قائلا: “لا ينبغي أن تكون إثيوبيا هي الدولة الوحيدة التي تشجع على توقيع وتنفيذ اتفاقية الإطار التعاوني مع دول حوض النيل، ومن أجل مصلحتهم الخاصة، فإن جميع البلدان مضطرة للانضمام”.
واتفاقية عنتبي، وقعت من عدد من دول حوض نهر النيل (11 دولة) عام 2010، بينهم إثيوبيا، بهدف إعادة توزيع حصص المياه، وهو ما رفضته مصر والسودان آنذاك، وسط تأكيد القاهرة أنها ملتزمة بالاتفاقات السابقة ولا تقبل المساس بمصالحها المائية
– “خطوة مفصلية وبشارة”
عضو مجلس النواب الفيدرالي الإثيوبي محمد العروسي، قال في تصريحات متلفزة: “نحن نزف لهم بشرى وبشريات لطالما انتظرها الإثيوبيون وهم يجنون ثمارهم ثمار التنمية والمصداقة والشفافية التي كانت تردد في كل المحافل بأن السد لا يضر بأحد ولا يستهدف الجيران (مصر والسودان) إنما هو فائدة لهم”.
وتابع: “اليوم نرى تطمينات إثيوبيا أصبحت على أرض الواقع وصارت فعليا أكثر من كلام، إذ كان ربما الكلام لا ينفع مع مصر والسودان، وكان يتهموننا بتجاهل مطالبهم”.
وفي ذات السياق، رأى المحلل السياسي الإثيوبي نور الدين عبدا، عبر حسابه بتويتر، تدشين توليد الكهرباء من السد “حدثا مفصليا”.
كما أشار في تصريحات أخرى متلفزة إلى أن بدء إنتاج الطاقة وتصريحات آبي أحمد “تطمين للرأي العام وتأكيد على (سياسية) عدم الاستفزاز (لأحد) وإشعار الجميع أن السد لا يستهدف أحدا”.
وأكد عبدا أن العمل بالسد مسألة سيادية إثيوبية، مشددا على أنه بعد عقد من المفاوضات “لا يمكن القول بأن إثيوبيا تمعن في مخالفة اتفاق 2015”.
** فرض واقع جديد باتجاه توقيع اضطراري
في سياق متصل، قال محمد حافظ، أكاديمي مصري متخصص في هندسة السدود، للأناضول، أن ما أعلنه آبي أحمد من السماح بتدفق مياه السد نحو مصر والسودان، أمر “خارج عن إرادته، ورغما عنه، وليس دعما لدولتي المصب”.
وأوضح أن “إثيوبيا مضطرة للسماح بتدفيق المياه، وتخفيض منسوب بحيرة السد لبدء التعلية الخرسانية بالممر الأوسط قبل الملء الثالث (لم يحدد بعد)، ولابد من خروج المياه لبدء توليد الكهرباء”.
وتساءل: “لكن الأهم الذي لم يطرحه آبي أحمد، هو ما كمية المياه المتدفقة من السد نحو مصر والسودان؟ وليس مجرد التدفق فقط”.
وأجاب: “لن يطرح آبي أحمد كمية محددة من المياه، لأن إثيوبيا تهربت من التوقيع على اتفاق واشنطن (فبراير/ شباط 2020) مسبقا بشأن خلاف حول كميات المياه المسموح بها الخروج من السد إذ تتمسك أديس أبابا بـ 31 مليار متر مكعب ومصر تريد 40”.
وأكد أن التدفق “اضطراري ودعائي، ومجرد رسائل تخدير وإيحاء بأن السد لم يحرم مصر والسودان من المياه وهذا مخالف للحقيقة”.
وعن المفاوضات المجمدة، رجح أنها “ليست في ذهن إثيوبيا حاليا، وستخلق أي أعذار خلال وجودها كما كان سابقا ولن تثمر عن شيء حال عودتها”.
وأكد أن الوضع الآن إثيوبيا تسير نحو تقييد حقوق مصر والسودان المائية، (55.5 مليار م³ و18.5 مليار م³ على التوالي)، لدفعهما نحو توقيع اتفاقية عنتيبي المعنية بإعادة توزيع حصص المياه من جديد، والتي ترفض القاهرة والسودان التوقيع عليها منذ سنوات.
وأشار إلى إن الشعب الإثيوبي يهمه توليد الكهرباء، وآبي أحمد قوى مركزه السياسي أمام خصومه، ودعم شعبيته بفرحة مؤقتة بإعلان بدء التشغيل.
** تمسك بالسيادة على المياه والسد
متفقا معه، قال الأكاديمي المصري المتخصص بالشأن الإفريقي، خيري عمر، للأناضول إن إثيوبيا، بما قامت به تقول إنها متمسكة بسيادتها على السد والمياه.
واستدرك قائلا:”لكن ما حدث “بادرة سلبية لتحرك منفرد إثيوبي دون اتفاق أو تنسيق أو حتى تبادل للمعلومات”، يسعى من خلاله آبي أحمد سياسيا لرفع الحالة المعنوية بعد عام من الحرب في تيجراي، وفنيا بالتحضير للتعلية قبل الملء الثالث.
وأوضح أن تدفق مياه السد الإثيوبي، يفترض أنه “تلقائي” قبل توليد الكهرباء، مؤكدا أن استمرار إثيوبيا في الحلول “الأحادية سيزيد من التوتر والخلافات”.
وأشار إلى أن موقف مصر والسودان مع اتفاق ملزم بشأن الملء والتشغيل وهو ما لم يتم وبالتالي ما حدث لن يغيره.
وعن تقدير الموقف المصري، قالت الأكاديمية المصرية البارزة المختصة بالشأن الإفريقي أماني الطويل، في تصريحات متلفزة إن “مصر من الواضح أنها ستبقى مع الخيارات الدبلوماسية متمثلة بالضغط الإقليمي والإفريقي لاستئناف المفاوضات والوصول لاتفاق ملزم”.
وعلى هذا ستبقى مصر وفق مراقبين بانتظار تدفق مياه “المفاوضات” المجمدة منذ شهور لتأمين اتفاق ملزم بإرادة للاتحاد الإفريقي بعد رئاسة جديد للسنغال الشهر الماضي، أو اللجوء الثالث لمجلس الأمن بعد مرتين في 2020 و2021، لمزيد من الضغوط على إثيوبيا لإبرام اتفاق أو توفير شرعية دولية لأي تحركات غير دبلوماسية مستقبلا.
المصدر: وكالة الأناضول