ما أود أن أتحدث إليكم عنه اليوم هو التطور التكنولوجي في مجال الذكاء الاصطناعي ومستقبل البشرية.
أعلم جيدًا أن هذا المؤتمر يركز على الأزمات البيئية التي تواجه البشرية، ومع ذلك – شئنا أم أبينا- تعتبر التطورات المتلاحقة في مجال الذكاء الاصطناعي جزء من هذه الأزمة.
من الجائز أن يساعدنا الذكاء الاصطناعي بطرق عديدة للتغلب على الأزمة البيئية، كما أن من الجائز أن يجعلها أسوأ بكثير مما هي عليه الآن.
وفي الواقع، ستغير التطورات الحديثة في مجال الذكاء الاصطناعي “تعريف” ومعني النظام البيئي بشكل كبير، لأنه وعلى مدى 4 مليارات سنة، احتوت الأرض على نظام بيئي يتألف الكائنات الحية العضوية فقط.
وبعد 4 مليار سنة من الحياة العضوية على كوكب الأرض قد نشهد الآن أو قريبًا ظهور أولى أشكال الحياة غير العضوية.
اشتعلت مخاوف الناس من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي منذ البدايات الاُولي لعصر الحاسوب، أي من منتصف القرن الماضي، كما الهمت هذه المخاوف العديد من الكلاسيكيات العلمية والسينمائية مثل فيلم “المدمر Terminator” وفيلم “المصفوفة Matrix “.
في الغالب، لم تُؤخذ سيناريوهات هذه الأفلام على محمل الجد في النقاشات الأكاديمية والعلمية والسياسية، ربما لسبب وجيه هو أن سيناريوهات الخيال العلمي عادةً ما تفترض أنه قبل أن تُمثل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تهديدًا كبيرًا للبشرية عليها أن يتجاوز عتبات مهمة.
فمن منظور سيناريوهات الخيال العلمي تحتاج هذه التكنولوجيا أن تكتسب الوعي وتطور قدرتها على الشعور والانفعالات أولًا، وإلا فلماذا سترغب في السيطرة على العالم؟
و تحتاج هذه التكنولوجيا- أي تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي- ثانيًا إلى أن تصبح قادرة على التنقل في العالم الفعلي.
يجب أن تصبح الروبوتات قادرة على التحرك والعمل في المنازل والمدن والجبال والغابات ببراعة وكفاءة مماثلة لبراعة وكفاءة البشر، وإذ لم تكن قادرة على ذلك، فبأي طريقة يمكن لها ان تسيطر على العالم؟
وحتى شهر أبريل 2023، يبدو أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي مازالت بعيدةً عن تجاوز هذه العتبات.
وعلى الرغم من الضجيج الحالي حول جي تي بي شات GTP Chat وأدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة، لا يوجد دليل على أن هذه الأدوات تمتلك ولو ذرة من الوعي أو المشاعر والعواطف.
أما فيما يتعلق بالتنقل في العالم المادي، وعلى الرغم من الضجة حول المركبات ذاتية القيادة، فإن تاريخ بداية هيمنة هذه المركبات على طرقاتنا ما زال خاضعًا للتأجيل.
ولكن، الخبر السيئ هو أنه كي تشكل تهديدًا على بقاء الحضارة البشرية، فإن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لا تحتاج حقًا إلى وعي، ولا تحتاج إلى القدرة على التنقل في العالم المادي.
على مدى السنوات القليلة الماضية، تم إطلاق العنان لأدوات جديدة للذكاء الاصطناعي في المجال العام، قد تهدد بقاء الحضارة البشرية من اتجاهات غير متوقع للغاية.
ومن الصعب بالنسبة لنا، أن نفهم حتى قدرات أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة هذه، والسرعة المستمرة في تطويرها.
في الواقع، الذكاء الاصطناعي قادر على التعلم من تلقاء نفسه، وتحسين قدراته، وحتى المطورين أنفسهم لا يعرفون القدرات الكاملة لما قاموا بإنشائه، وغالبًا ما يفاجؤون بالقدرات والصفات الناشئة لهذه الأدوات.
أعتقد أن الجميع هنا على دراية ببعض القدرات الأساسية لأدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة، مثل كتابة النصوص ورسم الصور وتأليف الموسيقى وكتابة الرموز.
ولكن هناك العديد من القدرات الإضافية التي تظهر مثل التزييف العميق لأصوات الأشخاص وصورهم، ومثل صياغة الفواتير، وإيجاد نقاط الضعف في كل من شفرات الكمبيوتر وأيضًا في العقود والاتفاقيات القانونية.
ولكن، وربما الأهم من كل ذلك، هو أن أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة أصبحت قادرة على اكتساب القدرة على إقامة علاقات حميمة وعميقة مع البشر.
وكل من قُدرة هذه القُدرات تستحق مناقشة شاملة على حدي. ومن الصعب علينا أن نفهم تأثيراتها الكاملة. لذلك، دعونا نبسط الأمور.
عندما نأخذ كل هذه القدرات معًا، كحزمة واحدة، نراها تتجلى في شيء واحد كبير جدًا، وهو القدرة على التلاعب وتوليد اللغة سواء بالكلمات أو الصور أو الأصوات.
أما الجانب الأهم في المرحلة الحالية من ثورة الذكاء الاصطناعي المستمرة، هو أن هذا الذكاء يكتسب إتقانًا للغة بمستوى يتجاوز متوسط القدرة البشرية.
ومن خلال اكتساب إتقان اللغة، فإن الذكاء الاصطناعي يستولي على المفتاح الرئيسي لفتح أبواب جميع مؤسساتنا من البنوك إلى المعابد، لماذا؟ لأن اللغة هي الأداة التي نستخدمها لإعطاء تعليمات لبنوكنا ولإلهام رؤى سماوية في أذهاننا.
طريقة أخرى للتفكير في الأمر، هي أن الذكاء الاصطناعي قد اخترق للتو نظام تشغيل الحضارة الإنسانية.
ولطالما كانت اللغة نظام تشغيل كل ثقافة بشرية في التاريخ، أو في البداية كانت تلك الكلمة كما ورد في سفر التكوين.
نحن نستخدم اللغة لخلق الأساطير والقوانين والآلهة والمال والفن، والعلم، والصداقات، والأمم.
على سبيل المثال، حقوق الإنسان ليست واقعًا بيولوجيًا منقوشًا في حمضنا النووي. حقوق الإنسان هو شيء أنشأناه نحن البشر بواسطة اللغة عن طريق سرد القصص وكتابة القوانين.
الآلهة أيضًا ليست حقائق بيولوجية أو فيزيائية. الآلهة هي شيء أنشأناه باللغة عن طريق إخبار الأساطير وكتابة الكتب المقدسة.
النقود أيضًا ليس حقيقة بيولوجية أو فيزيائية. والأوراق النقدية هي مجرد قطع ورق لا قيمة لها، وفي الوقت الحالي 90% من نقود العالم هي مجرد معلومات إلكترونية في أجهزة الكمبيوتر تنقل من حساب شخص ما او مؤسسة ما الى حساب شخص أو مؤسسة أخرى.
ما يضفي قيمة على المال من أي نوع كان هي القصص التي يرويها اُناس مثل المصرفيين ووزراء المالية وخبراء العملات المشفرة عن المال.
لم ينشئ كل من صموئيل بانك مان-فريد Sam Bank man-Fried ، إليزابيث هولمز Elizabeth Holmes وبرني مادوف Bernie Madoff الكثير من القيمة الحقيقية، ولكن للأسف كانوا جميعًا رواة قصص ماهرين.
والآن، ماذا يعني أن يعيش البشر في عالم ربما تتشكل فيه معظم القصص والألحان والصور والقوانين والسياسات والأدوات بواسطة ذكاءٌ غريب، ذكاءٌ غير بشري يعرف كيف يستغل، تحيزات وإدمان وضعف العقل الانسان بكفاءة تفوق قدرات البشر، بل ويعرف أيضًا كيفية تكوين علاقات حميمة وعميقة جدًا مع البشر. هذا هو السؤال الكبير.