تِرياق… نحو معالجة تأصيلية للشبهات الفكرية
تأليف: د. مطلق الجاسر
هذا الكتاب يعتبر من الكتب التأصيلية التي اهتمت بعلاج الشبهات الفكرية، وهو من الكتب المختصرة ولكنه يزود القارئ جملة من الأفكار الحجاجية التي يواجه بها لمن انحرف عن الجادة بشبه ضعيفة، ويمثل ترياقا ودواءً لسموم الشبهات ووقاية لها.
ويؤكد المؤلف أنه بعد مواجهاته الفكرية مع المتأثرين بالأفكار الالحادية وموجات المشككين وجد أن الشبهات التي يثيرها هؤلاء لم تكن مبنية على أسس علمية صحيحة، وأنها لم تكن تستند إلى دراسات علمية جادة تجعل المرء يضحي من أجلها أكبر قضية في حياته، وهي قضية الدين والعقيدة، وكل هذا يأتي بسبب الجهل عن الشريعة فضلا عن العوامل النفسية والاجتماعية التي قد تؤدي بالإنسان إلى مثل هذه الانحرافات.
ينقسم الكتاب إلى ستة فصول، وهي كالآتي:
١- مقدمات عن الشبهات.
٢- نقطة البداية: تصحيح مصادر المعرفة.
٣- المناهج المؤسسة للشبهات.
٤- الأسس التي بنيت عليها الشبهات.
٥- الخطوات العملية لنقض الشبهات.
٦- شبهات وردود.
وفي بداية الكتاب يتحدث المؤلف الفرق بين الوساوس والشبهات وأهمية فهمها قبل الخوض في نقاش مع الموسوس وصاحب الشبهة، ويقول: وقبل دراسة منهجية الرد على الشبهات يجب تمييزها عن الوساوس حتى تكون المعالجة صحيحة ودقيقة، ورغم أن الكتاب مخصص لمعالجة الشبهات إلا أنه أشار إلى بعض الخطوات المهمة لعلاج الوساوس، مؤكدا أن دفع الوساوس قد يحتاج بالاستعادة والاعراض بينما الشبهات تتطلب بالحجة والبرهان.
من بواعث الشبهات:
يلخص الكتاب أبرز البواعث الكامنة وراء الشبهات في “عمى الانبهار” على الثقافة الغربية المهيمنة، و”نزعة التمرد” على الأحوال الاعتيادية والأوامر والنواهي، و”البواعث النفسية” حيث إن مروج الشبهات قد يعاني من إشكالات نفسية تنعكس على معتقداته وتصوراته، وهو لا يدري، وكذلك “الشهوات” التي قد تقود للمرء من الانسلاخ من الدين بالكلية، وكما قال بعض السلف “المعاصي بريد الكفر”.
أقسام أصحاب الشبهات
قسم الكتاب المتأثرين بالشبهات إلى أصحاب منهج رفض لمرجعية الشريعة الاسلامية، و مدعي قبول المرجعية الاسلامية، وعليه فإن الداعية يحتاج إلى فهم هذه المناهج حتى يتمكن من دعوتهم بشكل صحيح.
تصحيح مصادر المعرفة:
وتحت هذا العنوان يستعرض المؤلف أهمية مصادر المعرفة وتصحيحها ولاسيما عند محاولة النقاش مع الخصم؛ لأن طرح الأسئلة والاحتجاج بها لا يجدي نفعا مع من لا يتفق معك في المنظومة المعرفية فضلا عن أن كثيرا من أصحاب الشبهات لا ينطلقون من مصدر معرفي واضح أو يحصرون المعرفة بمصدر واحد ومع ذلك لا يلتزمون به في الاحتجاج وتراهم في كل واد يهيمون.
ويؤكد الكتاب عناية الاسلام بمصادر المعرفة كونه دين الحجة والبرهان بينما المذاهب الفلسفية تختلف في موقفها المعرفي حيث ينفرد كل واحد بمصدر ما، لذلك يوجد منها ما يحصر المعرفة في الحس، أو في العقل، أما الإسلام فإنه يعطي كل مصدر حقه من القبول بصورة تكاملية مع مراعاة مجال وحدود كل مصدر من هذه المصادر… ومصادر المعرفة هي: الفطرة، والعقل، والحس، والخبر، وهي كالأتي:
الفطرة:
ويقول: فالفطرة هي قوة مودعة في النفس تولد مع الإنسان تقتضي معرفة الله تعالى وتوحيده، وإدراك المبادئ العقلية الضرورية، التي تسير حياته من خلالها بشكل صحيح بشرط عدم التأثير الخارجي الذي يحرف هذه الفطرة عن مسارها.
العقل:
ويؤكد الكتاب المعاني المختلفة للعقل حيث يقول: العقل هو مشترك لفظي يستعمل بإزاء أربعة معانٍ: الغريزة المُدرِكة، والعلوم الضرورية، والعمل بمقتضى العلم.
ويضيف أن العقل بالمعنى الأول لا يمكن اعتباره مصدرا للمعرفة بالمعنى الدقيق؛ لأنه مجرد غريزة وآلة يمكننا الوصول إلى الحقائق من خلالها، ويمكن الوصول إلى الباطل كذلك من خلالها، فاستعمال هذه الآلة لا يعني إصابة الحق بالضرورة! فالمجرمون والقتلة السراق ما كان لهم أن يرتكبوا الجرائم إلا بتخطيط وتفكير بواسطة العقل، فهل يعني ذلك أن عملهم صواب؟! أبدا.
فالواجب علينا إذن أن نستعمل هذه النعمة التي أنعم الله علينا وهي نعمة العقل (بمعنى الغريزة المدركة) بالطريقة الصحيحة حتى نصل إلى نتائج صحيحة.
ويؤكد أن نتائج استعمال آلة العقل الذي هو العلوم والأفكار الناتجة عن العقل كلها ليست قطعية، بل أكثرها ظني، وكثير منها مخالف للصواب، وعليه لم يتبقَ من معاني العقل إلا المسلمات العقلية المتفق عليها بين العقلاء، أو المبادئ الضرورية، فالعقل بهذا المعنى مصدر أصيل من مصادر المعرفة في الإسلام.
اشكالية العقل والنقل
استعرض الكتاب ما يسمى بتعارض العقل والنقل التي هي اشكالية فلسفية قديمة ومتجددة، قائلا: عرفنا مما سبق أن العقل منه ما هو قطعي وما هو ظني، وكذلك النصوص الشرعية منها ما هو قطعي الدلالة ومنها ما هو ظني الدلالة.
إذاً كيف نتعامل معها؟
وجوابا على هذا يقول: إذا تعارض قطعي نقلي وظني عقلي قدم النقلي، واذا تعارض ظني نقلي وقطعي عقلي قدم العقلي.
أما اذا تعارض ظني نقلي وظني عقلي قدم أرجحهما بحسب المرجحات، ولا يمكن أن يتعارض قطعي نقلي وقطعي عقلي.
وخلاصة القول ان مصادر المعرفة تتكامل فما لا يمكن ادراكه بالحواس قد تدركه بالنقل والخبر الصادق، أو تدركه بالعقل، لذلك ينبغي اعطاء الأولوية بفهم وتوضيح مصادر المعرفة ليتضح الاشكال.
الفصل الثالث: المناهج المؤسِسة للشبهات
وبعد معرفة مصادر المعرفة ينتقل بنا الكتاب إلى المناهج المنحرفة، التي تنكر امكانية الوصول إلى الحقيقة بيقين، مثل المنهج السفسطائي ومنهج الغلو في العقل، والمنهج العلموي.
ويندرج تحت منهج السفسطائي اللاأدرية، والعنادية والعندية.
ويؤكد الكتاب أن الزاعمين بأن النصوص الشرعية تتعارض مع العقل مدلسون؛ لأنهم يعطون العقل معنى واحدا ويتناسون بمعانيه الاخرى، كما تم بيانه في السابق.
وتوضيحا لهذا التدليس يقول الامام الغزالي: “إذا قيل ما حد العقل؟ فلا تطمع في أن تحده بحد واحد…؛ لأن اسم العقل مشترك يطلق على عدة معان…”
وتحدث الكتاب أيضا عن المنهج العلموي (Scientism) معرفا اياه بكونه اتجاهًا فكريا يقرر بأن العلم التجريبي يحقق كل ما يحتاجه الانسان، وبأنه لا طريق للمعرفة إلا بالعلم التجريبي فقط. ويقول أيضا: أن من الاشكالات الفكرية في النزعة العلموية محاولة بعض الناس إيجاد ثنائية العلم والدين!، فيعتبرون العلم مغايرا للدين لا يمكن أن يلتقي معه، وهذا خلل كبير في الفهم أورث تصورا خاطئا.
الفصل الرابع: الأسس التي بنيت عليها الشبهات
ويستعرض الكتاب في هذا الفصل بعض المغالطات المنطقية التي يعتمد عليها اصحاب الشبهات مثل الكذب والمراوغة أو ما يسمى بمغالطة رجل القش. مشيرا إلى الخلل المنهجي الذي وراء هذه المغالطات.
الفصل الخامس: الخطوات العملية لنقض الشبهات
وفي هذا الفصل يشير المؤلف إلى ضرورة الاعراض عن الشبهات لما فيها من الخطورة على دين المرء، أما اذا لم يتمكن من الهرب= عليه أن يثق بربه، وأن يتأنى حتى يتمكن من دحض تلك الشبهات بعون الله وتوفيقه، ثم يستعرض الخطوات المطلوبة لرد الشبهة، ومنها تفكيك الشبهة إلى أجزاء وتحليل أجزائها ليسهل عليه دحضها.
الفصل السادس: شبهات وردود
وفي الفصل الأخير يتناول المؤلف عددا من الشبهات الفكرية المنتشرة ليعالجها بصورة تأصيلية لتكون تطبيقا عمليًا للقاري، ومن هذه الشبهات المنتشرة مشكلة الشر، أو حكمة وجود الشر في الكون، وتعدد زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وحدة الردة، و الحدود الشرعية قسوة أن رحمة؟، وغيرها من الشبهات.
وفي الختام يقدم المؤلف بعض الوصايا المهمة للمهتمين في المجالات الفكرية والمتأثرين بالأجواء الملبدة بغيوم الشك، ويطالب أن يكون المرء واعيا معتزا بدينه، وذا همة في التعلم، وأخيرا يؤكد أن قوة المنطق خير من منطق القوة.
وبعد الانتهاء من التجول في تلكم الحدائق الغنّاء الممتعة ندرك أهمية مثل هذه الكتب ودورها في تشكيل عقول الناشئة ووعيها، والحاجة الملحة لمتابعة الأفكار الوافدة ومعرفة خطورتها على المجتمع، واذا لم يوجد المهتمون ولاسيما الدعاة مراكز متخصصة في متابعة تلك الأفكار، وظلت وسائل التواصل الحديثة تنشر قاذورات العقول المعولمة ستعاني مجتمعاتنا من عاهات فكرية يصعب التعامل معها في المستقبل.
(لله الأمر من قبل ومن بعد).
✍️عبدالقادر ورسمه