” لا يعرف المرء كيف يمكن أن تكون رد الفعل هذه الجماهير عندما تخاف”.
الخوف من الفناء والاندثار، والتمسك بغريزة البقاء هو ما حرك بلدوين (الهيرانيين) لتسير بطريق كان متوقعاً، ولم تكن فاجعة الثالث من سبتمبر من عام 2022م الأولى من حيث تفاصيلها الكلية والجزئية، فقُتِل نساء وذُبح اطفال أبرياء من قِبل حركة الشؤم والتطرف، وهو أمرٌ تعرفه الذاكرة الصومالية، لكنّ المبالغة في الشر، واستباحت الضعفاء من الشعب الأعزل بكل ما في كلمة استباحة من معنىً أليم .
لقد انقلبت موازين القوة بين طرفي المعركة – الشعب والشباب)، فبلدوين (هيران) هي ترجمة جزئية للمعاناة الكلية للشعب الصومالي مع الارهاب، لكنّ الذي حرك بلدوين (هيران)، هو أنها شعرت بالاختناق حتى كادت أن تلفظ انفاسها الأخيرة، فأطلقت بشكل عفوي شرارة الثورة المنتظرة، وأعادت إلى الواقع إمكانية حل ظل تبنيه رهين الخوف والتردد.
إنّ الصوت الذي نسمعه من بلدوين (هيران) الآن هو مزيج من صحوة الضمير بثوب الانتفاضة الشعبية، وتمردٌ على الاحتجاج الجاف، وتحدُثٌ بصوت الثورة، إذْ نحن أمام شعبٍ أدرك وقرر بأن وقت الانتظار، والثرثرة، والشجب، واصدار البيانات الباردة، والدخول في سجال النقاشات العقيمة قد ولّى وانتهي إلى غير رجعة، وإنّ وقت صوت قوة الصاعد، وزمن الكفاح المسلح قد أتى، وبلدوين (هيران) اليوم رأت “بأن الحياة في كنف الخوف من الموت موت” وأن ” الضحية لا تبقى ضحية دائماً”، وأن “”بعض الحروب التي لا ترغب فيها ترغب فيك”.
إن استئصال الخوف والركوب مع قافلة ثورة بلدوين (هيران)، هو انتصار حقيقي لذاته وبداية للتحرر الحقيقي أرضاً وشعبناً، صحيح هي بدأت عفوية لكنها كانت منتظرة، صحيح هي (ثورة الهيرانيين) تبدو ضيّقة النطاق، ولكنّها يمكن لها ان تتسع وتصل إلى كل الأمة، وصحيح كذالك أنّها مندفعة ، سريعة الخطى، لكنّها ليست بعيدة في أن تقع في حضن العقلاء من الشيوخ ورجال الدين، وهي فرصة للوحدة ، والتضامن، وحماية هذه التجربة الرائدة وهذة الجهود الكبيرة من التبعثر، وإعادة مفاهيم الكرامة على أرض الواقع.
“لا أحد يتمنى الحرب لكن بعض الحروب وسيلة للسلام”. كما قال الشاعر من قبل:
إذا لم تكن إلا الأسنّةُ مركباً = فما حيلةُ المضطرِّ إلا ركوبُها.
الهدف من هذه الحرب واضحة وجلية، شَكلُ الصومال الحالي، وعدم الاستقرار الذي طال أمدهُ ، يحتاج نوعاً من الحل غيرِ مألوفٍ الذي يحقق للأجيال الحالية والمستقبلية وطناً يستحق أن يكون وطناً للجميع، وطناً مستقلاً تقوده مصالحه القومية، غيرَ تابع لوطنٍ آخر قرُب أم بعُد.
وقد يُنسي الفقرُ والعوزُ الشعبَ معاني الحرية ولكن لا يُنسيه رغبته في الحياة. إنّ الذي ثار في بلدوين (هيران)، هو صومالي يعاني من كلّ شيء، وليس لديه الرفاهية والوقت في أن يفكر ماذا ينقصه، لكنّه يعلم حقيقة واحدة مطلقة، وهي أنّه لا يريد أن يموت أي التشبّث بالحياة، كما لا يريد للحق أن يفنى، ليس لديه تصورات عميقه لما بعد الحرب، ولكن لديه قناعة بأن عليه أن ينقذ شعبه من الخضوع المُهين للأشخاص غير الاسوياء.
إنّ حماية شرار بلدوين (هيران)، هي مسؤولية أكبر من بلدوين ، فهي تحتاج إلى تنظيم أكثر، لأن العفوية وانعدام التنظيم قد يقضيان على الثورة ويحرمان ثمارها من المضحّين.
إنّ صناعة ورفع وعي المقاتل والشعب كذلك، لكفيلة بأن يجعل من الحِراك حِراكاً معقولاً مثمراً، وأن يسُدّ منافذ السلبيات التي بإمكانها أن تؤجج الانشقاقات والانكسارات، إنّ بلدوين (هيران) قد تقدمت بخطوات مقدّرة ومشرّفة وقدّمتْ مثالاً يمكن استنساخه لمناطق أخرى من البلد وقد بدأ فعلاً ذلك الاستنساخ، ومن المجحف بحقه تركه وحيداً في أرض المعركة، ويكون من الاجحاف كذلك عدم حماية هذه التجرية من كل المُنغّصات التي يمكن أن تطرأ أو ترِد عليها .
د. فاطمة حوش