مقديشو- قراءات صومالية-قبل نحو ثلاث سنوات تفجرت أزمة سياسية بين الصومال والإمارات، ضمن علاقات تتسم أساسا بالحساسية والتعقيد منذ فترة أطول، في ظل اتهامات متبادلة ومواقف لكل بلد لم ترض الآخر.
وفي أول ظهور له مع كبار قادة الصومال، منذ الأزمة، زار السفير الإماراتي لدى مقديشو، محمد أحمد العثمان، القصر الرئاسي، في 7 يونيو/ حزيران الجاري، محملا بحقيبة إنسانية لدعم المتضررين من الفيضانات في إقليم شبيلى الوسطى (جنوب).
وبحسب مصادر مقربة من الرئاسة، فإن وفدا إماراتيا، برئاسة السفير العثمان، بحث مع الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل تعزيزها.
وعَبَّرَت الحكومة الصومالية عن ترحيبها بالمبادرة الإنسانية الإماراتية، ولم يتطرق مسؤولون صوماليون، خلال لقاءت مع العثمان، إلى مواقف سياسية.
لكن محللين سياسيين يرون أن زيارته للقصر الرئاسي قد تحمل “نكهة تفاوضية” على مستوى الوفود، تمهيدا لعودة الحرارة إلى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في ظل لقاءات للسفير أيضا مع كل من رئيس الوزراء، محمد حسين روبلى، ووزير الخارجية، محمد عبدالرزاق.
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، أوقفت الإمارات دعمها الكامل للصومال، بما فيه الدعم الإنساني وعمل سفارتها بمقديشو، بعد ضبط السلطات 9.6 ملايين دولار تعود للسفارة في مطار مقديشو الدولي، باعتبارها “أموالا مشبوهة”، وفق السلطات الصومالية.
** دبلوماسية إنسانية
وقال أويس عدو، إعلامي ومحلل السياسي، للأناضول، إن “لقاء السفير العثمان مع كبار رجال الدولة يأتي في إطار الدبلوماسية الإنسانية، التي باتت في القرن الحادي والعشرين مسارا تسلكه الدول لتحقيق مصالحها”.
وأضاف: “بالرغم من أن المعلن في اللقاء هو الجانب الإنساني، الذي بات في الآونة الأخيرة ضعيفا وغير رسمي لفتور العلاقات بين البلدين، إلا أن اللقاء يحمل دلالات مغازلة بين الجانبين لإعادة الدفء إلى العلاقات”.
وتابع أن “الغياب شبه الكامل للعمل الإنساني الإماراتي على أرض الواقع كان بسبب الأزمة السياسية بين البلدين، ولقاء السفير العثمان يعني ضمنيا عودة تدريجية في العلاقات، تبدأ بالدعم الإنساني، وقد تشمل مجالات أخرى لاحقا”.
** ترتيبات سابقة
ووفق محمد عمر طلحة، النائب في البرلمان، فإن “توقيت لقاءات السفير العثمان مع كبار مسؤولي الدولة، رغم تدهور العلاقات الدبلوماسية طيلة السنوات الثلاث الماضية، يعكس أن هناك ترتيبات سابقة بين الجانبين للوصول إلى هذه المرحلة”.
وأردف طلحة للأناضول: “بالرغم من أن أزمة العلاقات وصلت إلى أسوأ مراحلها، إلا أن هذه الزيارة (للقصر الرئاسي) تعكس وجود تدارك من الجانبين لعدم بقاء العلاقات في هذا المنزلق، وسط التغيرات التي شهدتها المنطقة، وخاصة دول الخليج”.
وتابع: “هناك توجس حكومي وشعبي تجاه سياسات الإمارات حول تدخلها في شؤون البلاد، وتوقيع اتفاقيات مشبوهة مع ولايات فيدرالية لاستئجار الموانئ من دون العودة إلى الحكومة المركزية، وهو ما يعرقل مسار العلاقات بين البلدين”.
ورأى أن “انقطاع العلاقات طيلة السنوات الثلاث الماضية ربما دفع الإمارات لتدرك أن استمرار غيابها عن الساحة الصومالية، في حال تواصل انسداد قنوات الدبلوماسية بين الجانبين، قد يفقدها دورها في هذا البلد الواقع بمنطقة القرن الإفريقي (شرقي القارة)، وهذا التقارب ربما يساهم أيضا في تغيير سلوك الإمارات تجاه تحركاتها في البلاد على الأقل في المرحلة المقبلة.
** استحقاق انتخابي
أما محمد ابتدون، محلل سياسي بمركز الصومال للدراسات (خاص)، فقال إنه “بعد انتهاجها سياسة خارجية غير مستقرة، لازالت آثارها جلية في المشهد الداخلي، تحاول الحكومة الصومالية تصحيح مسار الدبلوماسية، بتحريك وتنشيط العلاقات مع دول كانت ضحية لهذه السياسة”.
وأضاف أن “الدبلوماسية الصومالية شهدت تصدعات كبيرة من خلال انتهاج سياسات غير مدروسة وصلت ذروتها بقطع العلاقات رسميا مع دول إقليمية وعربية”.
وأردف أن “الحكومة تسعى إلى تغيير نهجها الدبلوماسي في محاولة لإزالة ألغام سياسية قد تعرقل إجراء الانتخابات المقبلة”.
ومن المنتظر، خلال أيام، الإعلان عن موعد انتخابات برلمانية ورئاسية، بعد أن حسمت الحكومة من جهة والأقاليم الفيدرالية والمعارضة من جهة أخرى خلافات عديدة بين الطرفين بشأن آلية إجرائها.
وأعلن الصومال، في أبريل/ نيسان الماضي، عودة علاقاته الدبلوماسية مع كينيا، والتي انقطعت لمدة 5 أشهر، بعد اتهام مقديشو لنيروبي بالتدخل في الشؤون الداخلية للصومال.
وبالرغم من ترحيب الجانبين بعودة العلاقات، إلا أن محللين اعتبروها “هشة”؛ في وجود ملفات ساخنة عديدة بين البلدين لم تُحسم بعد، وبينها نزاع على منطقة بحرية غنية بالنفط.
وقال وزير الخارجية الصومالي، محمد عبدالرزاق، في مقابلة مع قناة “تي أر تي وورلد” الإنجليزية، مؤخرا، إن الصومال يسعى لتحسين علاقتها مع جميع دول العالم، بغض النظر عن الخلافات السابقة، لخلق “علاقات إيجابية متساوية”.
** عوامل خارجية
فيما قال حسن شيخ، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مقديشو للأناضول، إن “الصومال قد يستقبل فترة استراحة من التجاذبات السياسية مع بعض دول الخليج، على الأقل في المرحلة المقبلة، فالإدارة الأمريكية الجديدة تسعى لنزع فتيل الصراعات من المنطقة بشكل مغاير تماما لسياسة (الرئيس الأمريكي السابق دونالد) ترامب (2017-2021) التصعيدية”.
وأرجع الانحسار المتوقع للأزمات السياسية بين الصومال ودول خليجية في المرحلة المقبلة إلى عاملين، أحداهما هو “إنتهاء أزمة الخليج، التي عكرت صفو علاقات كثير من الدول، بما فيها الصومال، التي اختارت أن تمسك العصى من الوسط بين هذه الدول دون الانحياز لجهة على حساب الأخرى، مما أدى إلى اندلاع أزمة سياسية بين الصومال ودول الحصار أثرت سلبا على العلاقات بينها”.
وفي 5 يناير/ كانون الثاني الماضي، تم توقيع اتفاق لإنهاء أزمة خليجية حادة، اندلعت في يونيو/ حزيران 2017، وقطعت خلالها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر.
أما العامل الأخير، وفق حسن شيخ، فهو “تغير الإدارة الأمريكية، فإدارة بايدن (تتولى السلطة منذ 20 يناير/ كانون الثاني الماضي) تعهدت بإصلاح ما أفسدته الإدارة السابقة، التي حولت المنطقة إلى موطن للصراعات والخلافات السياسية بين حلفاء واشنطن”.
وأردف أن “إدارة بايدن تسعى إلى إخماد نار الحروب وترتيب صف حلفاء واشطن من جديد، من أجل مواجهة صعود التنين الصيني والدب الروسي وإعادة دورها القيادي في العالم”.
واستطرد: “بسبب هذين العاملين، يبحث البلدان إذابة جليد القطيعة في العلاقات وتقريب وجهات النظر، في ظل التطورات السريعة بالمنطقة، واستعداد الصومال لدخول انتخابات رئاسية قد تفرز وجوها جديدا ربما ترسم مسار السياسية الخارجية في السنوات الأربع المقبلة”.
المصدر: وكالة الاناضول التركية