تم تكوين النواة الأولي للجيش الصومالي في عام 1960 حيث أصبح في غضون خمسة عشر سنة من أقوى الجيوش في إفريقيا، وكان قوامه يتراوح ما بين 2500 إلى 40000 جنديا، وللجيش جميع التشكيلات المعروفة في جيوش العالم، بيد أن المؤسسة العسكرية إنهارت إثر سقوط الحكم العسكري بزعامة اللواء محمد سياد بري 1991م.
بيد أن قيادات الجيش القديمة التي شاركت في فترة صعود الجيش في السبعينيات والثمانينيات لا تزال موجودة، ومستعدة للمساهمة في الجهود الجارية حاليا الرامية إلى إعادة هيكلة الجيش بغية تأسيس جيش وطني موحد، فضلا عن القيادات العسكرية الشابة التي إنضمت إلى الجيش منذ إنشاء الحكومات الإنتقالية الصومالية عام 2000م.
محاولات الحكومات الإنتقالية.
وقد بذلت الحكومات الإنتقالية الصومالية جهودا كبيرة لإعادة تأسيس الجيش الصومالي غير أنها لم تتمكن في تحقيق الأهداف الإستراتيجية لشح الموارد المالية، والعقوبات المفروضة على الصومال حيث لا يسمح للصومال شراء الأسلحة الثقيلة من الخارج، فضلا عن عدم تحقيق المصالحة بين القبائل الصومالية.
وقد بدأت المحاولات الجادة في إعادة تأسيس الجيش الصومالي عقب إنتخاب عبدالله يوسف أحمد رئيسا للصومال في 2004م، وتم تدريب الجيش في إثيوبيا، ويوغندا، بيد أن الضربة الوطنية التي أحيت آمال المؤسسة العسكرية نفذها رئيس الوزراء الصومالي الأسبق محمد عبدالله فرماجو 2010م حيث صرفت الحكومة مرتبات الجيش بطريقة تختلف عن المراحل الماضية، الأمر الذي أدى إلى رفع معنويات الجيش الصومالي.
وشارك بعدها ببسالة معركة تحرير مقديشو العاصمة من حركة الشباب المتطرفة في 2011 علما بأن من إستراتيجية الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد كانت تقوم على تعزيز قدرات الجيش الصومالي.
لم يتغير الوضع كثيرا إثر إنتخاب الرئيس حسن شيخ محمود رئيسا للصومال حيث لم تتمكن الدولة الصومالية إعادة هيكلة الجيش وتطويره تنفيذا لتوجيهات الرئيس حسن شيخ محمود إلا أنها لم تجد طريقها للتنفيذ لإعطاء الحكومة ملف السياسة الأهمية الخاصة، وتغيير رئيس الوزراء مرتين، فضلا عن العوامل الخارجية.
جيش محترف يملك زمام المبادرة:
ويحتل ملف إعادة هيكلة الجيش الصومالي في صدارة الأولويات للحكومة الصومالية الفدرالية الحالية، بغية إعداد جيش وطني ومحترف وقادر على تولي زمام المبادرة في الحرب على الإرهاب، والدفاع عن الوطن من التهديدات الخارجية، وتحقيق الاستقرار والسلام فضلا أن يحلّ الجيش مكان قوات حفظ السلام الإفريقية المنتشرة في الصومال منذ 2007م.
جهود الحكومة الصومالية الرامية إلى إحداث تغيير جذري إنطلقت منذ بدايات عام 2017م حيث أصدرت وزارة الدفاع الصومالية تقريرها النهائي في دسمبر 2017م، وكشف تقرير الوزارة عدد أفراد الجيش الصومالي الموزعة في محافظات البلاد المحررة ويقدر العدد الكلي حوالي 26 جنديا.
وكان إعداد هذه الدرسة من قبل وزارة الدفاع ضرويا لمعرفة العدد الحقيقي للجيش إضافة إلى الوقوف على حقيقة وحدات الجيش المنشترة في طول البلاد وعرضه، ثم الشروع في إعادة هيكلة الجيش بناءا على المعلومات والأرقام والحقائق الواردة في الدراسة..
وقد أدلى وزير الدفاع الصومالي محمد مرسل شيخ عبدالرحمن تصريحات إلى إذاعة صوت أمريكا في 19 دسمبر 2017م كشف فيها اكتمال الوجه الأول من الدراسة الميدانية عن الجيش الصومالي، كما وصف الوزير تلك الدراسة بأنها هي أول دراسة تقوم بها الحكومة الصومالية.
وقد أمر رئيس الوزراء الصومالي حسن علي خيري وزارة الدفاع القيام بهذه الدراسة وتقديمها إلى الحكومة بغية إتخاذ قرارات تساهم في معالجة المشاكل المتصلة بالجيش وتحسين ظروفه، وتطويره وفق ما قاله وزير الدفاع الصومالي.
العقيدة الوطنية:
وقد وافق مجلس الأمن الوطني الصومالي الذي يضم كبار المسؤولين والقادة العسكريين والأمنيين في نوفمبر 2017م على ضرورة إعادة هيكلة الجيش في غضون شهور قصيرة انطلاقا من الدراسة المعدة من وزارة الدفاع الصومالية.
وشدد البيان الصادر من المؤتمر أهمية بناء جيش صومالي وطني موحد بكامل تجهيزاته العسكرية.
كما أكد المجلس ضرورة أن يتمتع الجيش بعقيدة وطنية قتالية بعيداً عن الأفكار السياسية والقبلية، وأن يركز جهوده في حماية البلاد وتصفية الإرهابين في جميع أرجاء البلاد.
وفي نهاية العام المنصرم 2017م إفتتح الرئيس الصومالي مكتبا خاصا له في مقر وزارة الدفاع لتفعيل أنشطة الجيش الصومالي الموجهة إلى مكافحة الإرهاب الأمر الذي أدى إلى تغيير طبيعة العمل، وبث روح جديدة في الوزارة.
وفي شهر مارس 2018م كثّف الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو وجوده الميداني في مقر وزارة الدفاع الصومالية برفقة وزير الدفاع محمد مرسل شيخ عبدالرحمن ورئيس هيئة الأركان للقوات المسلحة الصومالية من أجل إنزال الخطط العسكرية على أرض الواقع.
وبناءا على نتائج الزيارات المتكررة تم إجراء تغييرات جوهرية في قيادات الفرق العسكرية للجيش الصومالي، حيث تم تعيين قيادات من جيل الشباب، كما تم تقليص بعض الوحدات ودمجها في وحدات أخري.
وقد أحدثت هذه الخطوة ما يشبه ثورة إدارية داخل الجيش حيث ارتفعت معنويات الجيش بسبب معالجة قضايا مهمة كانت في طور المراجعة في المراحل الماضية بيد أن الرئيس الصومالي.
وقد إنتقلت جهود الجيش الصومالي إثر التغييرات سالفة الذكر إلى وضع خطط عسكرية تهدف إلى إطلاق حملات عسكرية بالتنسيق مع القوات الإفريقية على معاقل حركة الشباب المتطرفة.
وقد تلقت القوات الصومالية التوجيهات من الرئيس الصومالي محمد عبدالله محمد فرماجو بالاستعداد لخوض قتال شرس ضد الإرهابيين بغية القضاء عليهم، وتحقيق الاستقرار والسلام في الصومال.
وخلاصة القول فإن إعادة بناء الجيش الصومالي تتطلب الإعتماد على إستراتيجية صومالية تقوم على الإعتماد على الجهود المحلية أولا، وتوحيد الجهات الأجنبية التي تقوم بتدريب الجيش الصومالي، إضافة إلى رفع العقوبات المفروضة على الصومال بغية تجهيز الجيش الصومالي بالأسلحة الثقيلة.
فهل تتمكن الحكومة الصومالية الفدرالية في عهد فخامة الرئيس محمد عبد الله فرماجو في إعادة تأسيس القوات المسلحة الصومالية؟