الإعاقة ظاهرة ملازمة لكل المجتمعات الإنسانية في كل الأزمنة والأمكنة، وتختلف نسبة حدوثها وأنواعها، ومواقف المجتمعات تختلف باختلاف الظروف، سواء كانت الظروف اقتصادية أو اجتماعية بالنسبة لتلك المجتمعات. والمصابون بالإعاقة يطلق عليهم اليوم مصطلحا معترفا: (ذوي الاحتياجات الخاصة). ولو التفتنا إلى التاريخ الفائت لتلك الفئة، نجد أنهم عاشوا في تحديات صعبة خلال مسيرتهم الحياتية؛ لأن نفسية المعاق تختلف كثيرا عن نفسية المعافي، حيث يشعر المعاق بعجزه للاندماج في المجتمع، بسبب الظروف المرضية الملازمة عليهم. وكلما تذكر المعاق إصابته اتسعت الهوة بينه وبين مجتمعه، كما أن المجتمع لا ينظر المعاق كنظرته إلى الشخص السليم، بل ينظر إليه نظرة دونية، وعلى أساس أنه عالة عليهم، وهذا يُضاعف عزلة المعاق عن المجتمع. والمجتمعات البدائية في العصور القديمة كانت تنظر إلى العجزة نظرة متشائمة يسارية، حيث يعتبرون أنّهم شر مستطير يجب تجنبهم والابتعاد عنهم.
ولبيان حقيقة ذلك المصطلح يلزم أولا معرفة معنى الإعاقة، حيث يعرف أنها : حالة من الضعف العصبي أو العظمي أو العضلي، أو أنها حالة مرضية مزمنة تتطلب التدخل العلاجي والتربوي. وتشمل هذه الإعاقة حالات الشلل الدماغية واضطرابات العمود الفقري وضمور العضلات والتصلب المتعدد؛ الأمر الذي يؤثر سلبا على مشاركتهم في واحدة أو أكثر من نشاطاتهم الحياتية. أو أنها: حالات الأفراد الذين يعانون من خلل ما في قدرتهم الحركية أو نشاطهم الحركي بحيث يؤثر ذلك الخلل على مظاهر نموهم العقلي والاجتماعي والانفعالي وتجعلهم غير قادرين على التنافس مع غيرهم من الأشخاص. وتختلف هذه الإعاقة من حيث حدتها، فبعضها يكون ولادياً والبعض الآخر يكون مكتسباً بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية أو إصابات العمل وهؤلاء قد يعانون من فقد طرف أو أكثر وافتقارهم إلى القدرة على تحريك عضو أو مجموعة أعضاء.
كما عُرف أيضا: أنهم أشخاص أصيبوا بإعاقة تسببت فقدان قدرتهم على ممارسة شئون حياتهم مثل غيرهم، وهم مجموعة من الأشخاص الذين يحتاجون إلى معاملة خاصة نتيجة لإصابتهم بنوع من الإعاقة حرمتهم من التأقلم وممارسة شئون حياتهم مثل الأصحاء؛ ولذلك فهم بحاجة إلى معاملة خاصة حتى يتمكنوا من استيعاب الأمور التي تدور حولهم.
الصومال وظروف ذوي الاحتياجات الخاصة :
الصراعات هي أحد الأسباب الرئيسة التي تخلف أعدادا كبيرة من ذوي الاحتياجات الخاصة، وقد أدى الصراع الطويل المستمر والحروب العبثية التي منها الأهلية والقبلية – بين الفرق المتناحرة داخل الصومال- منذ سقوط الحكومة المركزية حتى الآن، إلى ظهور عديد من المشاكل والمصائب التي في صدارتها ارتفاع ‘ذوي الاحتياجات الخاصة’.
الصومال في كونها بلدا يتعافى من الفوضى والحروب الأهلية، وكونها دولة تعاني على ضعف المؤسسات الحكومية والخدمات المطلوبة من جهة أخري؛ إلا أنّها من الدول التي لا يتمتع فيها ذوي الاحتياجات الخاصة بالحقوق الأساسية والرعاية اللازمة: كالحصول على الرعاية الصحية، والتعليم، وفرص العمل، والمشاركة في الحياة السياسية والمدنية وعدم التمييز. ومع كل ذلك، بيد أن الدستور الصومالي الانتقالي ينصُّ على حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، ويمنع أن يتعرضوا أي شكل من أشكال التمييز بسبب إعاقتهم، وفي حين تنص المادة:١١، كالتالي:
(١) أنّ لجميع المواطنين حقوق وواجبات متساوية أمام القانون، بغض النظر عن الجنس أو الدين أو الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو الفكري أو السياسي أو العشائري أو الإعاقة أو المهنة أو المولد أو اللهجة.
(۲) أي فعل تكون نتيجته اعتراض أو تضييق حق الشخص يعتبر تمييزا، حتى لو لم يكن الفعل متعمدا.
(۳) لا يجوز للحكومة القيام بالتمييز ضد أي شخص، على أساس السن أو العرق أو اللون أو القبيلة أو الإثنية أو الثقافة أو اللهجة أو الجنس أو المولد أو الإعاقة أو الدين أو الرأي السياسي أو المهنة أو الثروة.
(٤) يجب ألا تعتبر برامج الحكومة تمييزا، مثل القوانين والإجراءات السياسية والإدارية الموضوعة لتحقيق المساواة التامة من أجل الأفراد.
وانطلاقا من الدستور الصومالي الانتقالي الذي ينص على حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، إلا أنّ البرلمان الصومالي أصدر: قانون إنشاء الهيئة الوطنية لذوي الإعاقة الخاصة، ويمكّن هذا القانون الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول على مؤسسة تسعى للحصول على حقوقهم، وتخلق لهم الفرص في مجالات التمويل والتعليم والتوظيف، وتسهيل النقل والحصول على المعلومات الخاصة، والتمثيل السياسي.
معاناة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في كل أدوار الحياة:
مرت حياة ذوي الاحتياجات الخاصة بنكبات ومشاكل صعبة، أنهكت حياة معظمهم، حيث أصبحوا يعانون من التمييز في شتى أنحاء العالم وأصبحوا عرضة لألوان من التهميش والإقصاء داخل مجتمعاتهم، وهذا مما دفع المجتمع الدولي إلى تبني صك دولي ملزم – الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبرتوكول الملحق به، والتي تنص بشكل واضح على أن حقوق الأشخاص المعاقين تعد جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان العامة، كما تدعو إلى احترام المبادئ الأساسية المتمثلة في الكرامة الفردية وعدم التمييز، والمشاركة التامة والكاملة في الشؤون الحياتية، واحترام مبدأ الاختلاف.
كما تجاوزت الاتفاقية حصر مشاكل الأشخاص المعاقين في الجانب الطبي المحض لتشمل القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان، علاوة على ذلك، تعترف هذه الاتفاقية بأن الحواجز المجتمعية والاقتصادية والثقافية والأحكام المسبقة هي نفسها عوامل تشكل عقبة في مسار النهوض بحقوق هذه الفئة الاجتماعية.
والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة تهدف إلى تعزيز وحماية وكفالة يمتع بها جميع الأشخاص ذوي الإعاقة تمتعا كاملا على قدم المساواة مع الآخرين لجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وتعزيز احترامهم وتقدير كرامتهم المتأصلة”.
تقوم الاتفاقية على المبادئ التي يكون منها ما يلي:
– احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي، بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم لها؛
-عدم التمييز؛
-إشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛
-احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛
-احترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية؛
– تكافؤ الفرص؛
‐ إمكانية الوصول؛
-المساواة بين الرجل والمرأة؛
-احترام القدرات المتطورة للأطفال ذوي الإعاقة واحترام حقهم في الحفاظ على هويتهم.
الإسلام في ضوء الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة:
لقد أعطى الرسول ﷺ ذوي الاحتياجات الخاصة اهتماما كبيرا، وأسدل عليهم رأفة ورحمة منقطع النظير، حيث لم يسبق إليه من قبل ولا من بعد.
مراعاة الإسلام لذوي الإعاقة:
نتأمل كيف راعى الإسلام ذوي الإعاقة من خلال النقاط التالية:
‐الاستبشار بهم وعدم التذمر عليهم، والسعي في تعليمهم:
كلنا نلاحظ من قصة الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرجل الأعمى الذي نزلت بسببه، سورة كاملة، وهي:﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى.. إلخ ﴾ ولو تأملنا قليلًا في هذه الآية الكريمة، لوجدنا أن الأعمى في هذه القصة، هو: (عبدالله بن أم مكتوم رضي الله عنه ) ولم يكن يقدر أن يرى عبوسة وجه رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم، ومع ذلك لام الله نبيَّه على ذلك التصرف…
فهل لنا – نحن كبشر – أن نفكر في كيفية تعاملنا مع المعاقين مِن البشر الذين قد يسمعون أو يرون أو يفقهون ما يقال لهم، فيتألمون حين يُجرَحون؟ أيضًا في الآية الكريمة تذكرةٌ لنا ألَّا نتوانى في تعليم ذوي الحاجات الخاصة، وعدم التقليل من شأنهم وقدراتهم، وتوفير الفرص لهم للنجاح والتفوق.
– الدعاء لهم وتثبيتهم وتصبيرهم:
ولنا في قصة المرأة التي كانت تُصرَع عِبرة، كما جاء في الحديث عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: “أَلا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟”، قُلْتُ: “بَلَى”، قَالَ: “هَذِهِ المَرْأَةُ السَّوْدَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي”، قَالَ: ((إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ))، فَقَالَتْ: “أَصْبِرُ”، فَقَالَتْ: “إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ”، فَدَعَا لَهَا.
– تمكينهم من الأعمال والوظائف:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع هذه الفئة بالمساواة مع بقية أفراد المجتمع، فكان يولي بعضهم من الأعمال والمهمات، ولا يمنعه من ذلك كونه من ذوي الصعوبات من تمكينه في المشاركة في العمل والوظائف بحسب ما يقدر عليه. فابن أم مكتوم كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعمى، كما في سنن أبي داود عن عائشة، أن ابن أم مكتوم كان مؤذنا لرسول الله وهو أعمى.
بل كان قد استخلفه على المدينة أكثر من مرة.
– مؤاكلتهم ومجالستهم والرعاية النفسية لهم :
قال الله تعالى مخبرا حول جواز مؤاكلة ذوي الإعاقة : {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [النور: 61]، اختلف العلماء في هذه الآية ، فقال ابن عباس رضي الله عنهما لما أنزل الله – عز وجل – قوله : يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ( النساء – 29 ) ، تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعمي والعرج ، وقالوا الطعام أفضل الأموال، وقد نهانا الله عن أكل المال بالباطل . والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والأعرج لا يتمكن من الجلوس، ولا يستطيع المزاحمة على الطعام، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي الطعام، فأنزل الله هذه الآية وعلى هذا التأويل يكون ” على ” بمعنى ” في ” أي : ليس في الأعمى ، يعني : ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض.
أخيرا: يؤكد الكاتب بضرورة إزالة الحواجز بين الفريقين ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة في بقية المجتمع، وهم جزء أساسي لا يتجزأ من المجمتع، وتكون واجبا على عاتق الدولة ومؤسساتها أن تعمل على تجهيزات الضرورية للتسهيلات التي يحتاجها ذوي الاحتياجات الخاصّة، سواء كان ذلك في البنى التحتية، مثل: بناء مدارس خاصة للمعوقين، المستشفيات، ودمجهم بالمجتمع، وخلق مناخ مناسب يسمح لهم على المشاركة في الحياة السياسية والمدنية.
المراجع:
1. الدستور الصومالي الانتقالي
2. اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة للأمم المتحدة 3. رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة ودورهم المعرفي- د. مصعب سلمان أحمد.
4.قانون إنشاء الهيئة الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة.
5. حقوق ذوي الإعاقة في الإسلام- الشيخ عمر فاروق محمود.