6- أصبحتَ وزيرًا للعدل في الحكومات السابقة، وهناك شكاوى من المواطنين حول نزاهة القضاء الصومالي، بل يذهب بعض المواطنين إلى مناطق تسيطر عليها حركة الشباب كي يجدوا العدالة من قضائها، لماذا لم نجد قضاء عادلا ونزيها.
فارح شيخ عبد القادر: حقيقة، القضاء هو أقرب المؤسسات بالنسبة إلي، ليس فقط أن عملتُ فيه، ولكن تخصصتُ فيه، فالقضاء الصومالي انهار قبل أن تنهار الدولة المركزية، لأنه حدث ظلم، فانهارت العدالة قبل الدولة، بل كان السبب في انهيار الدولة، ولم يثق الناس بالدولة، بعد ذلك لم ينجح فيما بعد تشكيل القضاء بشكل رسمي، ولكن في الفترة التي كنتُ في القضاء كانت هناك مبادرات، كان أهمها: السعي إلى إنشاء لجنة خدمة القضاء، أو اللجنة القضائية العليا حيث تنص المادة 109 من الدستور، وهذه اللجنة هي لجنة ذات استقلالية شرعية، وفي الفترة التي كنتُ وزيرا للعدل تم تقديم مسودة قانون تشكيل لجنة خدمة القضاء، وهو القانون رقم 128 الصادر في يونيو 2014م، وكان ينص على تشكيل لجنة خدمة القضاء في غضون ثلاثين يوما، وهذه اللجنة المستقلة تقوم بتعيين الهيئات القضائية وإقالة القضاة، ومع الأسف تعرض المقترح الأول لهذا القانون لمشكلة سياسية، وهو السبب الرئيسي لإزاحتي من الوزارة وإسقاط تلك الحكومة، ومنذ تلك القترة كان بإمكان الوزير الذي تقلد المنصب بعدي أن يسعى إلى ذلك، ولكن انتهت فترة البرلمان التاسع، وتم انتخاب البرلمان العاشر وكثير من النواب السابقين ما زالوا موجودين في البرلمان الحالي، وجاءت هذه الحكومة، وكان عليها إعطاء أولوية في إنشاء هذه اللجنة، ومع الأسف لم تنشأ، وأنا بصفتي عضو في اللجنة القضائية بالبرلمان كانت هناك محاولات لإنشاء أعضاء اللجنة، ولكن دائما يأتي الرفض غير المباشر من مكتب رئاسة الجمهورية أو مكتب الحكومة، وفي بعض الأحيان تاتي احتجاجات من قبل الولايات، وعندي إحساس حقيقي بعدم وجود رغبة من قيادة الحكومة الحالية في إنشاء لجنة القضاء، وبدلا من ذلك ها هو رئيس الجمهورية يعين القضاة، وهي خطوة مخالفة للدستور، فقد عين رئيس المحكمة العليا، وعين قضاة في تلك المحكمة، وعندما لم تنشأ هذه اللجنة فإن كل تعيين يأتي في صياغ عدم استقلالية القضاء وعدم نزاهته، وعندي صداقات مع بعض الشخصيات المعينة للقضاء ولا أعاتبهم في ذلك، وهذا تقصير كبير بعدم تشكيل اللجنة مع أن آخر مجلس وزراء في الحكومة السابقة قدم اقتراحه بشأنها، وإذا كان الأمر كذلك، فليس هناك سبيل يحقق العدالة، ويحقق استقلال القضاء، ومحاسبته، وهو السبب الرئيس في انعدام ثقة الشعب بالقضاء، وعندما تنعدم ثقة الشعب فإنهم يبحثون عن أقرب مكان يتحقق لهم العدالة، وهو أمر مؤسف أن تلجأ إلى أناس رافضين للسلام، وقتلوا الناس، وتبحث عندهم العدالة، وأعتقد أنه من الممكن تشكيل لجنة خدمة القضاء بشكل سلس وشفاف.
7- الحكومة الحالية كملت ثلاث سنوات من فترتها، وبقي لها عامها الأخير، وكذلك بقي من فترة البرلمان الذي أنت عضو فيه ثمانية أشهر، هل تعتقد أن تجري الانتخابات البرلمانية والرئاسية في موعدها المحدد؟.
فارح شيخ عبد القادر: أنا لا أؤكد إجراء الانتخابات من عدمه، ولكن أؤكد لك أن إجراءه واجب دستوري، وإذا لم تنعقد فالقيادة تكون غير شرعية، وهو تعدّ على حقوق الشعب في انتخاب من يمثله. يجب إجراء الانتخابات في موعدها، إلا أن تأتي ظروف قاهرة، وتتشاور الأطراف السياسية وتصاغ اتفاقية على ذلك.
أنا ممتنّ لمجلس الشعب ومجلس الشيوخ إزاء تصديقهم لقانون الانتخابات، ووقع عليه رئيس الجمهورية، وكنت أتساءل: لماذا تأخر هذا الإجراء؟! ألم يكن ممكنا أن يتم ذلك في العام الأول للحكومة 2017م؟، وعلاوة على ذلك ينبغي أن نعلم أن هذا القانون جزء بسيط من الانتخابات، وليس كله، لأنه يمثل الدليل العام للانتخابات. وينبغي أن يتشاور الشركاء السياسيون وقيادة البلاد بكل مستوياتهم في تحقيق إجراء الانتخابات، حيث يجب خلق الجوّ الآمن الذي تُجرى فيه الانتخابات، ومنح اللجنة الانتخابية المستقلة الصلاحيات الكافية والأدوات اللازمة لممارسة أعمالها، وهذا مما لم يتحقق ذلك كله، إذًا فلا فائدة من وجود قانون للانتخابات، وكما قلتُ لك فإنه يجب إجراء الانتخابات في موعدها.
8- إذا لم تنعقد الانتخابات في موعدها لظروف ما، رغم أنه حتى الآن من غير الواضح كيفية خوض تلك الانتخابات، فماذا يكون الحل؟.
فارح شيخ عبد القادر: ليس في قاموسنا “إذا لم تنعقد”، تنعقد وتجرى الانتخابات.
9- ولكن سعادة النائب، في فترة رئاسة حسن شيخ محمود، وأنت كنت من أقرب الناس إليه وكبير مستشاريه، لم تنعقد الانتخابات في موعدها المحدد، ماذا تقول؟!
فارح شيخ عبد القادر: الانتخابات التي أجريت في نهاية 2016 وبداية 2017م لم تكن بيدي، بل كانت بيد الدولة ولجانها وقيادييها على المستوى الفيدرالي والولائي، فالأعمال الانتخابية بدأت قبل تسعة أشهر من انتهاء فترة الحكومة، ولأسباب تتعلق بالمفاوضات ومدى قدرة الحكومة اللوجستية تم تأجيل الانتخابات لعدة شهور أو أسابيع، ففي بعض المناطق أجريت الانتخابات في شهري أكتوبر ونوفمبر 2016م، لم يكن هناك تمديد لبعض المؤسسات، أعتقد أن المكسب الوحيد للشعب هو إجراء الانتخابات في موعدها، فالفترة المحددة للهيئات والمؤسسات الحكومية هي فترة دستورية، وكل من قصر في عمله فللشعب محاسبته، ولكن لا سبيل إلى تبرير تأجيل الانتخابات كي يكملوا تقصيرهم.
9- كما تعلم شكلت العديد من الأحزاب السياسية وتتزايد أعدادها يوما بعد يوم، كيف ترى ذلك؟.
فارح شيخ عبد القادر: دائما ما أشارك في تجمعات ومؤتمرات للمجتمع يشارك فيها الشباب، وفي تعليقاتهم يقولون إنهم حرموا من المشاركة السياسية بسبب المحاصصة القبلية ونفوذ شيوخ القبائل، واستحواذ بعض السياسيين على القضايا السياسية، وبالتالي فالأحزاب هي من القنوات التي يمكن من خلالها المشاركة السياسية وصنع القرار بأعداد كبيرة، وذلك من خلال أن يُنتَخب لمنصب، أو أن يَنتَخب المواطن من يريد، وكذلك أن يصبح مؤثّرا للرأي العام والسياسة ويتدرّب على ذلك من خلال التحليلات السياسية في المحافل والمؤتمرات.
قانون الأحزاب ما زال غير مكتمل ومن خلاله تم تسجيل العديد من الأحزاب السياسية، فآمل أن يكتمل هذا القانون. الأمر الثاني على المواطنين تشجيع التعددية الحزبية، ويبتعدوا عن مشاركة السياسة على أساس قبلي أو طائفي، ومن المؤسف أن هذا لم يجد التشجيع الكافي، نظرا للظروف الأمنية الحالية التي لا تعطي العديد من الناس فرصة للتواصل والمؤتمرات. وأعتقد أن الحكومة الفيدرالية جزء من المشكلة لكونها تضغط على بعض أحزاب المعارضة وترفض عقد لقاءاتها ومؤتمراتها، وأفضل مثال على ذلك أن قانون الأحزاب السياسية تم إقراره في 2016م، ومع ذلك القيادة الحالية للحكومة لم يشكلوا حزبا سياسيا، ومن المؤسف أيضا أن بعض الولايات الإقليمية غير مقتنعة بافتتاح مراكز حزبية في مدنها، على العموم فإنني أشجع وأذكّر الشباب والمهتمين بالتغيير الاجتماعي السياسي والوضع القبلي القائم أن نظام التعدد الحزبي هو الطريق الوحيد للتغيير والمشاركة السياسية، رغم وجود عقبات وظروف أمام نمو الأحزاب وبناء قدراتها وفاعليتها.
10- ذكرتم أن النظام الحزبي يكون بديلا عن النظام القائم لتقاسم السلطة وهو المحاصصة القبلية، ولكن ألا تلاحظون انعقاد مؤتمرات ذات طابع قبلي وعشائري في مقديشو وغيرها، حيث تتشاور كل قبيلة حول مصير البلاد، فقد أعلنت ولاية بونت لاند مؤتمرا تشاوريا، وفي مقديشو عقد مؤتمر عشيرة مدلود، شارك فيه سياسيون مشهورون مثل الرؤساء السابقين، هل نستطيع أن نقول أنه بعد ثلاثين عاما يرجع الناس إلى القبيلة كملاذ للمشاركة السياسية، وكيف يتوافق ذلك مع الانتخابات الحزبية؟.
فارح شيخ عبد القادر: أولا علينا أن نتساءل: ما سبب اللجوء إلى القبيلة؟، إذا كان المواطن يجد حقوقه بمواطنته، من حرية وأمن وسلامة ووظيفة إلخ، فهي تكفيه إذا كان هناك من يضمن له ذلك، ولكن إذا فقد هذه الحقوق، أو شعر بأن المسؤولين هم الذين يتعدَّون عليها، فإن المواطن سيبحث عن أقرب نقطة يعتمد عليها لإيجاد حقوقه، وإذا ترى الناس يسيرون وراء القبيلة ويتشاورون حول كيفية حصولهم ودفاعهم عن حقوقهم فهذا دليل على الإحباط الذي يشعرون به إزاء النظام الحالي، لأنه لم يمتلك قلوب الشعب وثقته، ولم يمارس أن السلطة مشتركة بين الجميع، بدلا من ذلك يضيع النظام الحالي الوقت بالشعارات الزائفة والمؤتمرات والمسرحيات، وتصميم نصب تذكارية، ويتساءل المواطنون: هل هذا النظام يقودنا إلى دولة تسع الجميع، وعندما يسئمون يبحثون الحل عن القبائل، وهذا ليس جديداً، فالدولة المركزية القوية عندما سئم منها الناس رجعوا إلى القبيلة، وانهارت، فلا مناص من التفاوض والإجماع السياسي والاتفاق والتنازل.
أعطيك مثالا، في عام 1983م زار الرئيس الأسبق محمد سياد بري الولايات المتحدة، واستقبله الرئيس دونالد ريغن في البيت الأبيض، وعقد الجانبان اتفاقات، وتوسطت واشنطن مع البنك الدولي والصندق النقد بمساعدة الصومال لانتعاش اقتصاده من جديد، وفي عام 2013م كنت مرافقا للرئيس حسن شيخ محمود في زيارته إلى أمريكا، وعقدنا محادثات مع البنك الدولي، وقابلنا رجلا اسمه مختار ديو، وهو مفوض البنك للشؤون الإفريقية، وهو سنغالي الجنسية، أخبرنا بأنه كان في عام 1988م وكيل البنك لدى مقديشو، وكان مختار الشخص المتابع لتخفيف عبء الديون عن الصومال – ليس هناك إعفاء للديون – منذ 2013. لقد كان البنك لدولي حاضرا معنا في مقديشو عند انهيار الدولة، ولكنه لم يستطع أن ينقذ البلاد، بل كانت هناك شركات أمريكية في الصومال أواخر الثمانينات، وعقدت اتفاق التنقيب عن البترول مع الحكومة، غير أن الدولة الصومالية كانت في طريقها إلى الانهيار، وهذه الاتفاقيات مع الهيئات الدولية لن تبني لك وحدها الحكومة ولن تنقذها من الدمار، وإنما تُبني الدولة بالتماسك الداخلي والمصالحة الحقيقية، ففي حينها أي منتصف الثمانينات تأسست الجبهات المسلحة وقويت شوكتها والتي أطاحت بالنظام العسكري السابق، ونحن كنا نقول ونحن نشاهد شاشة التلفزيون: هاهو رئيسنا يقابل الرئيس ريغن، وها هو البنك الدولي حضر إلى الصومال، ومع الأسف انهارت أمامنا الدولة ونحن في تلك الأحلام. لا ينبغي أن نتعامى عن وضعنا الحالي في الواقع ونتشاغل بأشياء غير حقيقية.
11- هل تعتقد أن الحكومة الحالية بذلت جهودا أكثر من الحكومات السابقة حول التفاوض مع أرض الصومال، والتي كسرت الحاجز أو الجمود؟!.
فارح شيخ عبد القادر: لا أدري إذا كان قصدك أن تسألني عن جميع التقصيرات والسلبيات بالنسبة للحكومة الحالية كي أعاتبها، وكنت أفضّل أن تسألني أيضا عن بعض إنجازاتها، فهذه القضية – أعني التفاوض مع أرض الصومال – ليس للحكومة فيها أي إنجاز، فالحكومات السابقة في فترتَي رئاسة كل من شيخ شريف وحسن شيخ محمود قادتا مبادرات عديدة، وتم عقد لقاءات رسمية بين الجانبين، وشكلت فيها لجان، وبنى الطرفان الثقة، وكل واحد من الرئيسين التقى مع رئيس أرض الصومال السابق أحمد سيلانيو، لكن من الغريب أن يشيع خبر يقول: رئيسنا يطير إلى هرغيسا برفقة رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، فنحن لم نسمع ذلك من الرئيس فرماجو، وإنما سمعنا الخبر عن قادة أرض الصومال، فقضية أرض الصومال تحتاج إلى صيغة أكبر، أولا: بناء ثقة هؤلاء المواطنين الذي استشعروا بالظلم، وكيفية اكتساب ثقتهم، سواء بتسهيلهم للمساعدات الدولية والتجارة العالمية، ثم الدخول في مفاوضات جادة معهم حول حل تلك القضايا العالقة، وهذا مع الأسف ما لم يتحقق، فهذه القضية من أهم القضايا الوطنية، فدولتنا لن تكتمل بغياب أرض الصومال، فهم مواطنون صوماليون عندهم حماس وتاريخ مشرف في الصومال.
12 في الختام : هناك نفوذ لحركة الشباب يتزايد خاصة عندما نسمع بأنها تجمع الضرائب في مقديشو بعلم الحكومة، ويذهب الناس إليها للقضاء، ما المانع من فتح مفاوضات مع حركة الشباب بحكم كونهم صوماليين، مثل ما توصل الأفغان والأمريكان من اتفاقات مع حركة طالبان؟.
فارح شيخ عبد القادر: هناك فروق بين حركتي الشباب وطالبان، وكنت ممن قام بدراسة حول أوضاع الدول الفاشلة خاصة أفغانستان والعراق، ودرست في دولة مجاورة لأفغانستان، وهي باكستان، وأعرف طبائع ذاك المجتمع، فهناك فرق بين الحركتين من حيث الفكر والقدرة الهائلة، فحركة الشباب لا تصل إلى مستوى طالبان، التي لها رؤية سياسية وقدرة عسكرية وشعبية، ولها تجارب في الحكم، بخلاف حركة الشباب التي لا رؤية سياسية لها يمكن النقاش معها حولها، وبالرغم من ذلك فحكومتنا الحالية التي لا تقدر على فتح حوار مع المعارضة ولا مع الولايات الإقليمية أبعد بالطبع عن فتح مفاوضات مع حركة الشباب، لا يبدو لي ذلك ولا أتوقعه، ولكن مما لاشك فيه أن الحروب لن تنتهي بالهزيمة فقط، وقد ذكرت مثال ذلك التفاوض مع طالبان. ونرجو من الله أن يسهل أمورنا، وأن ينهي الأزمة بالحوار، وبعد ثلاثين عاما، لا نستطيع أن نحل المشلكة عبر البندق، فهذا طريق إلى سفك المزيد من الدماء وتدمير للدولة .
في الختام أريد أن أقول: على الصوماليين أن يعلموا أنهم هم المسؤولون عن وطنهم وعن ما يجري فيه، والحل هو الحوار والتفاوض والتشاور، وكل من جاءنا بالمساعدة لا يستطيعون إنجاز شيء كبير، فلا غالب ولا مغلوب، وعلى الحكومة أن لا تحل الأزمة عبر استخدام القوة، كان يمكن أن تسلك الحكومة طريقا آخر غير الحسم العسكري ضد تنظيم أهل السنة في طوسمريب، وإن كان الطريق طويلا لكنه أضمن للحل واستمرار الوحدة.