قامت السلطات الأمنية الصومالية بتسليم عبد الكريم شيخ موسى المعروف بـ”قلب طغح” القيادي في الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين (ONLF) إلى إثيوبيا في 25 أغسطس من الماضي وذلك في حادثة تعتبر الأكثر جدلا في الأوساط الشعبية في الآونة الأخيرة.
واعتقل “قلب طغح” من مدينة غالكعيو في محافظة مدغ المقسمة بين ولايتي بونتلاند وغلمدغ بوسط الصومال، وذكرت جبهة تحرير أوغادين أن “قلب طغح” زار أحد أفراد عائلته في جنوب غالكعيو الخاضع لإدارة غلمدغ، وتم القبض عليه من قبل القوات الأمنية وترحيله إلى العاصمة مقديشو كي يتم إعداده لتسليمه إلى إثيوبيا معصوب العين.
وأثارت هذه القضية غضبا عارما واستياء من فئات مختلفة من الشعب الصومالي، خاصة وأن الحكومة الصومالية لم تعلق على هذه الحادثة لنحو تسعة أيام والتزمت الصمت تجاه الإفصاح عن ملابسات القضية.
موقف الحكومة الفيدرالية والبرلمان:
أعربت الحكومة الفيدرالية في اجتماع غير عادي لمجلس الوزراء في 4 من سبتمبر 2017م أن تسليم “قلب طغح” إلى إثيوبيا جاء في إطار التعاون الأمني بين البلدين، وأضاف البيان أن “قلب طغح” كان عضوا في الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين المسلحة، ويعمل لتقويض السلام في أرجاء الصومال، وكان له صلة بحركة الشباب الإرهابية.
غير أن أعضاء من مجلس النواب “البرلمان” قدموا مشروعا لتنديد موقف الحكومة ووصفه غير شرعي، وبعد جدل واسع في البرلمان قررت رئاسة البرلمان تشكيل لجنة برلمانية مكلفة في التحقيق في ملابسات تسليم “قلب طغح” إلى إثيوبيا.
وبعد نحو شهرين قدمت اللجنة تقريرها الخاص بالقضية، وقام البرلمان بالتصويت على مشروع القرار حيث رفض بأغلبية ساحقة شرعية تسليم الحكومة الصومالية المواطن عبد الكريم “قلب طغح” لإثيوبيا.
وقالت اللجنة البرلمانية إن جهاز الأمن والمخابرات تورط في عملية تسليمه لإثيوبيا وذلك بدون إجراء أية مشاورات مع الجهات المعنية في الدولة، وأشارت اللجنة إلى أن “قلب طغح” مواطن صومالي، وأن الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين ليست حركة إرهابية.
موقف الرئيس الصومالي والمعارضة الصومالية:
وفي حوار تليفزيوني مع البي بي سي قال الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو إن البرلمان الفيدرالي حسم الموقف وقال كلمته، في إشارة إلى أن موقف الحكومة الصومالية من تسليم “قلب طغح” إلى إثيوبيا كان غير شرعي، وأن جبهة تحرير أوغادين ليست إرهابية، غير أن الرئيس فرماجو تفادي إعطاء المزيد من التفاصيل حول القضية.
أما المعارضة الصومالية وفي مقدمتهم أعضاء في البرلمان الفيدرالي فقد حملت الحكومة الصومالية مسؤولية انتهاك سيادة الصومال، وتسليم مواطن ومناضل شارك في الحرب ضد إثيوبيا في عام 1977م.
ويمكن القول بأن المعاضة ساهمت في تصعيد موقف الشعب من قضية تسليم “قلب طغح” وتسليط الضوء على الخطأ الاستراتيجي الذي وقعت فيه الحكومة الصومالية وتداركته في آخر الأمر.
إطلاق سراح “قلب طغح” وتصريحاته:
وبعد عشرة أشهر من اعتقاله أطلقت السلطات الإثيوبية سراح “قلب طغح” أواخر يونيو من هذا العام، وأكد قلب طغح في مقابلة مع الـ بي بي سي أنه يتمتع بصحة جيدة وأنه كان بحوزته فترة احتجازه المذياع وخدمة الانترنت لمتابعة أوضاع العالم والمنطقة، وأشار إلى أن إطلاق سراحه جاء نتيجة جهود بذلها شيوخ قبائل ومنظمات حقوق الإنسان في إثيوبيا.
وفي تصريح أمام جماهير في أديس أبابا وجه “قلب طغح” شكره للشعب الصومالي لرفض جريمة تسليمه التي كان وراءها القليل من الأشخاص حسب وصفه، وتعهد بالعمل على تعزيز وحدة الشعب الصومالي.
وقال السفير الإثيوبي لدى الصومال جمال الدين مصطفى عمر في تصريح لوسائل الإعلام الحكومية في مقديشو إن عملية إطلاق سراح “قلب طغح” جاءت بناء على طلب من الحكومة الفيدرالية.
تداعيات قضية “قلب طغح” على المشهد السياسي في الصومال:
إن قضية تسليم “قلب طغح” وما نتج عنها من تفاعلات ونقاشات حادة عممت أرجاء الوطن وخارجه قد تٶدی إلی إعادة النظر فی المصالح الاستراتیجیة التی لطالما ساهمت فی حمایة مصالح الأمة الصومالیة، وأن إقدام السلطات الوطنية لأية خطوة تتعلق بالأمن والمصالح الاستراتيجية تحتاج إلى دراسة معمّقة ومتأنية ومشاورات مع الخبراء المعنيين.
وفي ظل التحولات السياسية التي تشهدها إثيوبيا من بينها إطلاق سراح “قلب طغح” وشطب اسم الجبهة التي كان ينتمي إليها من قائمة التنظيمات الإرهابية في إطار الإصلاحات التي يقوم بها رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد آبي أحمد ينبغي الاستفادة من ذلك الانفتاح لصالح لمّ شمل الفرقاء الصوماليين وتعزيز الوحدة الوطنية، وخلق شراكة استراتيجية مع دول الجوار.