يمثل المعلم اللبنة الأساسية لكل المجتمعات الإنسانية، وهو عامل أساسي ومحرك روحي للبشر، وليس امتيازا مقصورا على القلم والسبورة في الفصل، وليس من المحاذاة أن يكون المعلم وظيفة لكسب الأكل والمال، ومن طرف آخر فإن الآباء وأولياء الأمور في جميع أنحاء العالم يطلبون المعلم الجيد لأبنائهم باعتباره الأولوية الأولى، كما قال بوب تالبرت : “المعلم الموهوب مكلف، لكن المعلم السيء أكثر كلفة” فالأطفال أنفسهم يتوقعون إلى فرصة تحقيق أحلامهم، فلا بد أن نسألهم بطلبهم عند مستقبلهم فهم يريدون أن يصبحوا ممرضين ومعلمين وعلماء رياضيات ومزرعين ومهندسين.
فكل ذلك يتحقق أمام المعلم الجيد، أضف إلى ذلك فإن المعلم الصومالي هو بوابة اكتساب المهارات والقيم الضرورية؛ لتحقيق تطلعات العلم بكل جوانبه، بيد أن التعليم الجيد يمثل مدخلا إلى سوق العمل، فالمعلم لديه قدرة على تغيير حياة الإنسان وتعزيز القيم المشتركة!، ودور المعلم الصومالي في بناء أو هدم الأخلاق للأجيال الناشئة أمر ينظر في محله، فالطالب مقلد بمعلمه قليلا كان أو كثيرا، حتي أن بعض المؤرخين يرى أن دور المعلم هو أكثر فعالا بالنسبة للمجتمع، وفي نهاية المطاف يكون المعلم المستهدف الأول لدى المجتمعات المتقدمة.
المعلم الصومالي ما بعد الفصائل!:
إن التوتر التعليمي الذي طرأ في المجتمع الصومالي بعد غياب حكومتهم خلفت في كل أزمة تواجه في نظامهم التعليمي، إثر هذه السقوط تغير كل شيء من الأدوات والنشاطات التعليمية إلى العكس، فأصبح المعلم الصومالي مستهدفا للرسوم الدراسية بالربح والتجاره، فصار تعليم الابتدائي والإعدادي والثانوى حتي الجامعي غير متوازن في مدخلات التعليم، ويبدو أن بعض المعلمين ليسوا مؤهلين!.
وفي مقابل هذه المكاسب تعاني تعليم الصومال كثيرا من المشاكل والتي تعرقل سيره، أبرزها أن المعلمين المستهدفين يتعاملون مع الطلبة بالرعالة والغباوة ومكسب التعليم، بيد أنهم يوجهون بعدة طرق لاكتساب المال، كحرمانهم من الطالب دخول القاعة الدراسية إذا لم يدفع الرسوم الدراسي! تلك هي مشكلة عظمى، فسقطت الإخلاص، وذهبت الإنسانية، وراحت أهمية العلم، فصارت نقطة الحوار “الثمن والشهرة”.
هذه مشكلة أدت إلى إنهيار معنوية التعليم، وإحباط عدد هائل من الأجيال الصوماليين من التعليم، إضافة إلى ذلك فإن لكل مدينة أو لكل حي فيها عشرات من المدارس بمختلف المناهج ومختلف الأهداف التربوية إن وجدت!، فالطلاب الذين يدرسون في هذه المدارس ليس لهم نظام تعليمي ثابت أو سلم تعليمي قائم؛ بمعنى أنهم يدرسون بلا وقت مقيد (لا بداية ولا نهاية لها في العهد)، تلك التي تؤدي إلى عدم التواصل بالدراسة، ولكن يبقى السؤال المطروح؛ فما سبب الداعمة التى أدت إلى ارتكاب معلمي المداس الصومالية في هذه الجريمة التعليمية؟ بالنسبة لهذا السؤال لا نعبر بأي طريق نجيب!، بل نحاول بكل المحاولات وأنا على قيد الحذر، هي عدم خضوع المعليمين بالتدريب اللازم على مهارات التعليم وقواعد التربية، فهم لا يفهمون هيمنة التعليم، ولا يبالون أجيال الصوماليين!.
الحالة الوصفية لظروف المعلم الصومالي!:
لكل زمن له توقيت يقاس بتقويم الأحوال، ولكل حالة لها ظروف تحيط بها، ولكل ظروف لها وقت مقدر، فالمعلم الصومالي موصف بعمومة بأنه مهان بكافة أوساط مجتمعه، ضعيف المستوى في مرتبته، قليل الاهتمام بمجتمه، ضئيل الاحترام عند طلابه، كثير المال بمجتمعه ولا يكون ثمره ناتجا قويا وفعالا في مستقبل الأجيال، تلك حقيقة ساترة، ولا تحتاج إلى برهان ودليل واضح فالوقت والكلام يوضحان بحال المعلم الصومالي الحالي!.
فالمشكلة الأساسية لا تكون للمجتمع وحده ولا للدولة فحسب بل تكون مسؤولية للجميع، فلو نظرنا بكل هيئاتنا سواء أكانت دولية أم مدنية ليس عندهم هوية مقدمة ورؤية بعيدة لرفع المستوى التربوي للأجيال الناشئة، ليس عندهم همة عالية في مستقبل الأجيال، بل بعضهم لا يعرفون ماهية التقدم التربوي!.
فالمعلم الصومالي لا يملك ولا يحصل مهام حقوقه، لا يحصل التدريب المهني ولا العلمي، ولا يمتلك كتابه المدرسي ومنهجه التعليمي، ولا يلحق بخبراء التربويين بأخذ الخبرة، ولا يمثل المجتمع بأعلى السلطة، هو معلم فقط له حدود في الفصل والطلاب والامتحان وما شابه ذلك.
ضروريات المعلم الصومالي!:
لكل مهنة لها موازين يوازن بعملها، ولكل ميزان له رجال يختص بوزنه، ولكل رجل له صفات يستحق أن يختار، فالمعلم الصومالي محتاج إلى مواد علمية ومادية هائلة لكي يكون مرتاحا ومريحا لمهنته، وبالتالي فإن كل أمة تريد أن تنجح في الخروج من الأزمات والتحديات التي تواجهها داخليا وخارجيا يجب عليها ان تبدأ بفحص نظامها التربوي والثقافي بمعلميها، كما قال جبران خليل جبران : “تقوم الأوطان على كاهل ثلاثة : فلاح يغذيه ، جندي يحميه ، و معلم يربيه”.
فسلام على حاجبة الحروف وملوك الصفوف العلم والمعرفة، سلام على الجيوب المملوءة بأقلام وبحبر المغمسة ودفاتير التحضير، سلام على المعلم الصومالي.