تحتفل أفريقيا بستين عاما من استقلالها، وشهدت بمراحل تاريخية مختلفة ضاربة في القدم منذ اكتشاف أوروبا مع نهاية القرن الخامس عشرة بواسطة الجمعيات الجغرافية الأوروبية، وقد تنوعت مهمات الرحالة المستكشفين الأوروبيين فكان منهم الطبيب والمبشر …وانعكس هذا التنوع في التكامل المعلومات والمهمات التي قاموا بها.
واستناداً الى المعلومات المقدمة من قبل الرحالة الأوروبيين نحو أفريقيا تعرضت القارة السمراء لمرحلتين من الاستعمار الأوروبي: الأولى كانت جريمة التجارة بالإنسان الإفريقي، والذي يعتبر أمراً ذا أهمية كبيرة في بناء إمبراطوريات الدول الاستعمارية، ثم تلتها مرحلة التنافس الاستعماري نحو أفريقيا، والذي كاد أن يؤدي للاصطدام بين الدول الاستعمارية حول السيطرة على أفريقيا إلى أن اضطرت أخيراً إلى انعقاد مؤتمر البرلين في عام 1884م، لتنظيم عملية الاستعمار الأوروبي ونتج عن ذلك الخريطة الأفريقية المجحفة التي لا تحترم بالتقسيمات البشرية!!.
وبعد الحرب الثانية تحولت السياسة في العالم بانتصار دول الحلفاء بزعامة الولايات المتحدة، وتأسست هيئة الأمم المتحدة، وانقسم العالم إلى المعسكرين، وظهرت القطبية الثنائية الغربية بقيادة الولايات المتحدة، و الشرقية بزعامة الاتحاد السوفياتي.
وفي إفريقيا ظهرت نخبة أفريقية اكتسبت الخبرات من خلال المشاركة في الحروب الأوروبية، وسعت بجهود جبارة إلى استقلال أفريقيا!. و في مطلع الستينيات من القرن المضي حظيت أفريقيا برحيل الاحتلال العسكري، اذ اتسمت هذه الفترة بالاستقلال العديد من الدول الأفريقية، التي مارست عليها القوى الأوروبية الكبرى من خلال الاستعمار شتى أنواع الإذلال!!.
وقد تميزت المرحلة ما بعد الاستعمار بقيام دول في أفريقيا بانتهاج نظام الحزب الواحد لذريعة التجسيد بناء الدولة الوطنية كوسيلة الوحدة الوطنية بين مكونات الشعوب الأفريقية، ورغم ذلك أظهرت النتائج فشل هذا النظام الشمولي؛ مما أفسح المجال إلى التدخلات الخارجية والقيام بالانقلابات العسكرية مما عقد عملية بناء الدولة الأفريقية!!.
و أشار والتر روني وهو واحد من ألمع المفكرين ذوي الأصول الأفريقية الذين اعتكفوا في حياتهم بالدراسات الأفريقية؛ من أجل الوصول إلى حلول ناجحة للمشكلات المزمنة في أفريقيا، والتي أعاقت صيرورة التطور السياسي والاجتماعي و الاقتصادي في أفريقيا! وأتاحت للاستعمار أشكال جديدة للاستمرار في أفريقيا إلى الوقت الحاضر؛ حيث يعتقد الكثير من الباحثين أن القيادة الأفريقية بعد الاستعمار قد خيبت آمال الأفارقة! وتتحمل جزءاً كبيراً من مسؤولية الانتكاسة الأفريقية ويرون أن استقلال هذه القارة لم يبدأ بعد، أو أنه بدأ بصورة خاطئة؛ مما أذى إلى أن تعيش أفريقيا بعد ستين عاما مما سمي بالاستقلال تحت التوجيهات و المعونات الخارجية!! وأوضحت الدراسات الأفريقية أن الحلول الممكنة للخروج المعاناة الأفريقية هي أن تعترف أفريقيا بذاتها، وأن تتحرر من التبعية الاقتصادية والسياسية، وأن تقوم بسياسة الانفتاح ولا يمكن أن تتطور الدولة الحديثة في ظل غياب سيادة القانون!!.
وفي هذا السياق نلاحظ أن الدراسات الأفريقية تركز عند التقسيم للحالة الأفريقية إلى ثلاثة مراحل أساسية هي:
– المرحلة الأولى: وهي مرحلة البهجة العارمة التي سادت شعوب القارة في أعقاب الحصول على الاستقلال بكل ما أثارته من آمال.
– المرحلة الثانية: هي مرحلة خيبة هذه الآمال، وخاصة عندما تحولت أوضاع الاستقلال الوطني إلى نظم تأخذ بشمولية الحكم الأوتوقراطي!!.
– المرحلة الثالثة: تجسدت في زيادة طموح الأفارقة إلى الأخذ بأساليب التحول الديمقراطي وتجديد الوعي بالدروس المستفادة من تجارب التنمية.
إذن ماهي الدروس المستفادة من حقبة ما بعد الاستعمار في إفريقيا؟! وكيف عاشت إفريقيا؟ كيف عانت، وأنجزت ونجحت وفشلت على مدار هذه السنوات الستين من عمر الاستقلال؟!.