يعيش الصومال حالة من الترقب والحذر الشديدين، مع الاستعداد لإجراء الإنتخابات الرئاسية المقرر انعقادها نهاية العام الجاري وسط تخوف من أن يتم تأجيلها مجددا. ويحدث هذا في ظل منافسة شرسة وصراعات سياسية نحو الإستحقاق الرئاسي المقبل الذي يحمل في طياته حملا ثقيلا حيث يتوقع أن تكون النتائج الأخيرة مثيرة للإهتمام،ومفاجئة في نفس الوقت.
هذه التقرير يلقي نظرة خاطفة على أحد أبرز مرشحي الرئاسة الصومالية وهو “شريف شيخ أحمد” والذي صعّد نجمه منتصف 2006 إثر تحقيقه نقاطا مهمة في الميدان السياسي، ما يجعله رقما محتملا وبارزا قد يوصله إلى سدة الحكم للمرة الثانية، وكان انتخابه رئيسا للصومال 2009م تزامن في منطعف تاريخي،والذي أعطى قفزة كبيرة في نظام الحكم في الصومال حيث حقق خلال مدة رئاسته للدولة الصومالية تطورا هاما في مجال الأمن إضافة إلى توحيد البلاد وتفعيل المصالحة الوطنية.
ولهذا نستطيع أن نؤكد من خلال الأعمال المهمة التي أنجزتها حكومته الانتقالية من إن هذه المرحلة القادمة تستلزم حضور شخصيته القيادية في إدارة البلاد وأخذه زمام الأمور باعتباره رجلا براغماتيا يتعامل مع المواقف والأزمات السياسية والأمنية والإجتماعية بصورة عملية بعيدا عن المثالية وإثارة العواطف بهدف تحقيق أهداف تحقق المصلحة العامة للوطن.
إن وضع الصومال الأمني يمر بفترة عصيبة، انقضت أكثر من ثمانية أعوام في ظل فترتين رئاسيتين شكلت تراجعا فيما يخص بمحاربة الإرهاب، ما يثير تساؤلات حول السياسات الامنية التي انتهجتها الحكومات السابقة تجاه الحرب على الجماعة المتشددة التي تسيطر على مناطق واسعة تقع وسط وجنوب البلاد، كما تشكل تهديدا أمنيا واضحا سواءا في العاصمة مقديشو التي شهدت هجمات إرهابية عنيفة، ولا تزال تواجه الكثير من الإختراقات الأمنية.
وفي ظل هذا التدهور الأمني يعد الرئيس شريف شيخ احمد الأسبق من أفضل الشخصيات الصومالية القيادية التي تملك رؤية شاملة في تحقيق الإستقرار الأمني والسياسي في البلاد، حيث يوظف جهود في مضاعفة الجهود الساقة لإعادة السيطرة على الأوضاع الأمنية، وتحرير الأراضي الواسعة من قبضة الإرهابيين.
وبالعودة إلى فترة حكمه الواقعة ما بين 2009م 20212م حقق إنجازات كبيرة برغم إمكانيات إدارته المحدودة بامتلاكه خطة استراتيجية أمنية واضحة على صعيد استتباب الأوضاع الأمنية في مقديشو العاصمة، حيث سمحت الظروف الأمنية تنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية لأول مرة داخل الصومال عام 2012م.
إلى جانب هذا التقاعس ضد مكافحة الأعمال التخريبية التي تقوم بحركة الشباب والتي عانى منها الصومال لحد الآن، ولاشك أن تدهور الأوضاع الأمنية أتاح فرصة لمسلحي الحركة لإعادة التموضع والإنتشار مرة أخرى في البلاد،ويصاحب هذا تجربة النظام المنتهية فترته الدستورية في استخدام السلطة في تحقيق أجندات ومصالح سياسية، الأمر الذي أشعل صراعا داخليا بين القوات الأمنية الحكومية،وبين القوات الحكومة الأخرى التي رفضت تمديد فترة الرئيس المنتهية ولايته،وأسفرت هذه الإضطرابات سقوط عشرات القتلى والجرحى في صفوف الجانبين، وتشريد مئات الأشخاص ولا تزال مهدداته قائمة.
وبالرغم من كل هذه التحديات فإن الكثيرين يعتقدون أن عودة الرئيس الأسبق شريف شيخ أحمد يمكن أن تحمل دلالتين مهمتين، الأولى متعلقة برغبته الحازمة بمواصلة الحرب والقضاء على الإرهاب وذالك ما نلاحظه من خلال خطاباته السياسية باعتباره أولوية وطنية ملحة، بالإضافة إلى سعيه لتوحيد صفوف القوات الأمنية المتصارعةكخطوة أولى لتحقيق أمن وطني من خلال بناء جيش قومي قادر على الذود عن الوطن.
أما الحديث عن شخصيته السياسية فيملك شريف شيخ أحمد طموحا لا حدود له باعتباره تقلد أعلى منصب سياسي بالدولة وهو رئيس البلاد،ومن المفترض مراجعة خلفياتها التاريخية ومساراتها المختلفة، وهو ما نرمي لإلغاء الضوء عليه في هذا التقرير، ولذلك يمكن اعتبار فترة حكومة شيخ شريف شيخ أحمد إنطلاقا مهما ونموذجا،ومؤشرا لأسلوب إدارته المستقبلية.
ولو أخذنا هذا الأمر بعين الاعتبار فإن الصومال شهد حدثا تاريخيا مع ميلاد الدستور الصومالي المؤقت أثناء حكم الرئيس الإنتقالي عام 2012،وبرغم غياب الأطر القانونية والتناقضات التي أثارت أزمات وصراعات دستورية بشكل متكرر، إلا أنه أمر في غاية الاهمية أن يخرج الصومال من مأزق المعاهدات التي أبرمتها الأطراف المتصارعة، الى مصادقة دستور مؤقت.
والجدير بالذكر ان الإدارتين التي تلت فترة حكم شريف شيخ حمد لم تتمكن مراجعة الدستور المؤقت،واستكماله، ويعد هذا فشلا ذريعا عصف بالبلاد في متاهات سياسية وأمنية. إن استكمال دستور متكامل ليس أقل شأنا من حماية البلاد وأمن المواطنين،بالإضافة لأنه يؤسس دولة مؤسساتية قادرة على النهوض والتطور في مجلات كثيرة مختلفة، لذالك يذهب البعض بالإشارة إلى أن شريف شيخ أحمد بالعودة الى أعماله التي قام بها أثناء حكمه،ومن خلال تصريحاته الأخيرة يبدوأنه أكثر إصرارا على استكمال الامور المتعلقة بالدستور الصومالي إذا حالفه الحظ هذه المرة في الإنتخابات الرئاسية القادمة.
ولاشك أن ملف إعادة المحادثات مع أرض الصومال “صومالي لاند” يعد أول اتصال مباشر رسمي بعد عشرين عاما إثر انهيار الدولة الصومالية،و أعطى هذا التحرك الإستراتيجي من قبل شريف شيخ أحمد انطباعا إيجابيا حول السياسات المبنية بتقريب وجهات النظر المختلفة داخليا التي تبناها الرئيس شريف اثناء حكمه، وذلك عندما عقداجتماعا في مدينة دبى بغرض فتح قنوات الاتصال بين الجانبين، وتعيين لجنة مشتركة لقيادة المفاوضات بين الطرفين.
وكان هذا الإعلان علامة فارقة مهمة تشير الى التزام حكومته بتنفيذ نتائج المفاوضات، وفي النهاية ساهم تشكيل هذه اللجان بتعزيز الجهود المبذولة لإجراء مفاوضات مباشرة لمعالجة القضايا ذات الأهمية الوطنية التي من شأنها تحسين أوضاع البلاد.
وكان الشيء الوحيد الذي ميز مفاوضات مقديشو مع هرجيسا في ظل رئاسة شريف أحمد رغبته المدفوعة بثقة وإصرار شديدين للوصول إلى نتائج إيجابية ، ولكن هذه الجهود لم يكتب لها النجاح، ولاحقا قام الرئيس السابق حسن شيخ محمودبمحاولات أخرى خلال فترة رئاسته إلا أنها لم تناقش القضايا الجوهرية والعلاقات المستقبلية ومصير الوحدة بين شقي الوطن. هذا فضلا عن عدم الجدية بين الجانبين للتعاطي مع هذا الملف الذي مارسته إدارة الئريس محمد عبدالله محمد فرماجو، حيث لم يحدث أي تقدم بشأن المفاوضات مع أرض الصومال، وهو ما أعاد الجهود المبذولة إلى نقطة البداية.
ان قضية إنفصال إقليم أرض الصومال قضية مصيرية تحتاج الى رؤية استراتيجية واضحة، إضافة إلى فكر سياسي مرن يعتمد على الجلوس حول طاولة المفاوضات لمناقشة القضايا الجوهرية المختلف عليها.
إن الصومال اليوم يتجه نحو الإستحقاق الرئاسي مع عدد كبير من المرشحين والذين يسعون لخوض معركة الإنتخابات الرئاسية، وبين من يحمل خطابا غير معمق، بطغيان روح العاطفة عليها، وآخر يخوض هذه التجربة من أجل خطف الأضواء، لكسب مصالح سياسية، وهناك آخرون لديهم تاريخ سياسي حافل بالإنجازات، كل هذه التشكيلة المتباينة تسعى للوصول إلى سدة الحكم.
ويبقى السؤال الأخير حول من سيجالفه الحظ لحكم الصومال في السنوات الأربعة المقبلة