*يا ناطح الجبلَ العالي ليَكْلِمَهُ*
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين.
أمابعد:
فبينا أنا أقلب صفحات وسائل التواصل الاجتماعي وقعت عيني- أكثر من مرة – على انتقادات جمة وُجهت لفضيلة الشيخ مصطفى حاجي إسماعيل هارون – حفظه الله – وذلك فيما يخص قضية لاسعانود – حرسها الله – والتي كانت وما زالت تتصدر عناوين الأخبار في الداخل والخارج، تلك الأصوات كانت تطالب الشيخ بالبوح برأيه فيما يحدث في لاسعانود، وأحيانا تتجاوز حد المطالبة برأيه إلى اتهامه بالرضى فيما يحدث!!!!
وهنا لاحت لي فرصة للتعريف بالشيخ وذكر ما علق بذهني من بعض مواقفه الشخصية والشرعية في قضايا متعددة، وانا حين أتحدث عن الشيخ لا أدعي أنني زاملته أو صاحبته لفترة طويلة ولكن ما أنقله لكم هنا عبارة عن مواقف عابرة شاهدتها بأم عيني في مؤتمرات علمية ودورات متنوعة في المهجر.
كان ميلاد معرفتي بالشيخ عام 1993م حيث استمعت إلى محاضرات له حول: “تربية الأطفال” وكنت حينها في موسكو – عاصمة روسيا – ثم -بفضل ربي- التقيتُ به في السويد عام 1995م فحدثتُه عن معرفتي به وأن الحلقات المذكورة عنوانها أعلاه هي التي دلتني عليه فقال لي متحدثا عن سبب عقد تلك المحاضرة والبواعث التي حملته عليه: أنه كان ثَمَّ مقهى في مدينة أورهوس الدنماركية يرتاده الصوماليون عموما وأبناء المناطق الشمالية على وجه الخصوص يتناولون فيه أخبار الحروب في بلاد الأم وما استجد فيها، يقول الشيخ: حضرتُ ذلك المقهى لأيام وما زال الحديث يدور في المربع ذاته فاقترحت عليهم تغيير مسار الحديث إلى ما هو أنفع وأفضل لكوننا نعيش في المهجر ولدينا مشكلات تتطلب منا وضع حلول جذرية لها ، فرحبوا بالأمر واستحسنوه وقالوا: أنت لها.
*(Sheegaa ma dhaafto)*
*مواقفه الشرعية التي شاهدتها:*
*الموقف الأول:*
في عام 1995م عاد الشيخ من زيارة قام بها إلى البلاد، فتجمع الشباب والدعاة حوله في مجلس يسألونه عن ما آلت إليه الحروب الأهلية في المناطق الشمالية، ثم جاء سؤال عن حال الدعاة خصوصا في تلك المناطق فانتفض الشيخ وغضب ورآى أن السائل يعطي للدعاة ميزة خاصة ويفضله على المجتمع المسلم الذي يعيش فيه، أليس الداعية مثله مثل أي مسلم في تلك المناطق؟ لماذا يحظى بالاهتمام وحده؟
لقد كان هذا درسا تربويا حارب فيه الشيخ النخبوية التي قضت على كثير من معالم الإسلام وشوهت صورة ابناء الصحوة.
*الموقف الثاني:*
في عام 1996م عُقد مؤتمر الجاليات الصومالية بالدول الإسكنديفية في مدينة يتبوري السويدية، وألقى الشيخ فيه محاضرة بعنوان: “شبهات حول الجهاد” وقد أثارت حفيظة بعض الشباب حينها لأن المؤتمر كان يتزامن مع اجتياح الإيثوبيين على إقليم جدو جنوب الصومال، وطلب الشيخ من منظمي المؤتمر إطفاء كل الكاميرات، وعلل ذلك أن خطابه موجه إلى قادة الصحوة وليس إلى أولئك الأبطال الذين يقفون في وجه المحتل.
كان يصحح الأخطاء علميا، ويراعي شعور المسلمين في نفس الوقت.
*الموقف الثالث:*
في عام 2007 أثناء دخول الإيثوبيين إلى مقديشو التقيت به فأخبرته أو سمعني وأنا أدعو على عبد الله يوسف وعلي محمد غيدي فنهرني قائلا: ألا يسعك الدعاء لهم.
كان هذا درسا تربويا لي بأن أغلب جانب الرحمة في تصرفاتي ومواقفي.
*الموقف الرابع:*
كان أحد أعمامي قدم إلى السويد وكان متمسكا بالمذهب الشافعي ولا يترك القنوت في صلاة الفجر بحال على أنه من أبعاض الصلاة السبعة عند السادة الشافعية، ولقلة العلم استثقل بعض أبناء الصحوة ذلك ووضعوا تصرفه في خانة البدع فشكوا منه وتنمروا عليه فكريا فوصل الأمر إلى الشيخ مصطفى فما كان منه إلا زجر الشباب عن تصرفهم وبيّن لهم حجم المسألة وأنها لا تفسد للود قضية وأن الخلاف فيها قديم ثم دعاهم إلى توحيد الصف، والاجتماع حول كلمة الحق، واحترام آراء الفقهاء وترك التعصب.
*الموقف الرابع:*
في عام 2011م سمعت له محاضرة عن وجهات النظر المختلفة للمدارس الإسلامية في الصومال الحبيب خاصة، وفي الربيع العربي عموما، فقال فضيلته: اختلفت المدارس الإسلامية في نصرتها للحق على ثلاثة أقسام:
1-طائفة تريد استعادة مجد الإسلام بقوة السلاح دون إعطاء أي اعتبار لواقعها، حيث تسعى إلى هدم الموجود لتبحث عن المفقود بطريقتها.
2- طائفة تجعل السلامة مبدأً وتعتقد أن مجد الإسلام عائد طالما نحن نؤمن بربنا ونذكره في كل حين.
3- طائفة تسعى إلى نشر التعليم بشتى أنواعه وتحاول تأسيس قاعدة شعبية متينة مع دراسة الواقع ومتغيراته، وهذه الأخيرة أحسن وتماشى مع سنن الإله المتصرف بالكون.
*الموقف الخامس:*
كانت الجالية الصومالية في مدينة بورولينجا في وسط السويد بحاجة ماسة إلى مسجد ثم بعد فترة من الزمن حصلوا على مكان مناسب للجالية معروض للبيع، وما كان منهم إلا أرادوا شرائها، ثم تحويله إلى مسجد وهذا كان يكلف كثيرا من المال، فاجتمع الأعيان من أبناء الجالية وكلفوني بإبلاغ الأمر إلى الشيخ مصطفى بالدعوة إلى المدينة لجمع التبرعات للمسجد وذلك أن كلمته مسموعة وطلبه لا يرد، أخبرت الشيخ بالأمر فاعتذر لسبب ما في المرة الأولى، ثم ما لبثتُ أن دعوت الله لإتمام هذا المشروع الخيري، فبعد أيام قليلة اتصل بي الشيخ وأخبرني بأنه مستعد للمجيء إلى المدينة المذكورة، جهز الإخوة قاعة تسع خمسمائة شخص تقريبا ولكنه حضر أكثر من ألف وخمسمائة وتم جمع المبلغ المطلوب في غضون ساعات قليلة.
*الموقف السادس:*
أنني ذات مرة استنصحته في مسألة تتعلق بالجماعات الإسلامية وكيفة التعاون معهم مع تعليق العضوية فقال لي قولا بليغا “اجعل الإسلام نصب عينيك فإن رأيت تعليق العضوية في هذه الجماعة ما يتأثر الإسلام سلبا بسببه فابق واحتسب، وإن رأيت عكس ذلك فالأمر فيه سعة”.
هذا ما يتعلق بالمواقف التي كنت حاضرا فيها وعلق في ذهني أثرها الحميد في حياتي.
*أما مواقفه المنهجية:*
فالشيخ له طريقة فريدة في الدعوة إلى الله وهي:
🌾التركيز على القضايا المصيرية وذات الأولوية للأمة.
🌾عرض الدين على الناس بالرفق واللين والرحمة والتواضع، مع الدعاء لهم.
🌾 عدم الخوض في التفاصيل والوقوف عند المسائل ذات الصلاحية المحدودة.
🌾 تصحيح المبادئ بتبيين الخطأ من الصواب دون تسمية أحد أو مجموعة أونظام.
🌾 التحكم على العاطفة وألا يتحدث إلا بعلم فيدرس قوله قبل أن يبوح به ويعرف مآلات مقوله سلفا.
*أما على المستوى الشخصي فالدورس التي تعلمتها منه كثيرة أجملها في الآتي:*
✒️ علمني الشيخ أن محبة الله روح العبادة ولبها وأساسها، وكلما قويت معرفة الله ومحبتة قويت العبادة.
✒️علمني الشيخ أن أتأمل في القرآن وأطيل النظر فيه وأن أعيش معه وبه.
✒️ علمني الشيخ الحرص على الوقت والاستفادة منه، ورباني على أهمية وحدة الصف والاجتماع حول كلمة الحق.
✒️ علمني الشيخ أن أجعل معيار تقييمي للفرد أو الجماعة الإسلامَ أولاً، وألا أستعجل في إصدار الأحكام على أحد.
✒️علمني الشيخ أن الصبر دأب العظماء الواثقين بالله وأن المستقبل للمخلصين الآخذين بالأسباب المتشرعين بشرعة الملك العزيز العلّام.
✒️ علمني الشيخ ألا أكلّ أو أملّ من الإعداد الجيد للدروس حتى وإن كنت أتقن المعلومة أو أجيدها.
✒️علمني الشيخ إسداء المعروف دون أن أنتظر المقابل من أحد.
✒️علمني الشيخ أن التواضع بشاشة وجه، ولطافة خلق، وحسن معاملة وأن المتصف به سعيد في حياته قبل أن يسعد غيره.
✒️علمني الشيخ أهمية قراءة الواقع المحيط ومتغيراته وربطه بالماضي وأيامه.
الشيخ مصطفى حاجي إسماعيل ربما هو من الشخصيات القليلة التي اجتمعت حولها كلمة الصوماليين بكافة شرائحهم: السياسيين ، التجار، الشباب والشيوخ، الرجال والنساء، ويحظى الشيخ بقبول واسع بين أوساط المجتمع الصومالي في الداخل والخارج ، فأقول لمهاجميه اليوم عبر المواقع ارفق بنفسك وتأمل:
يا ناطح الجبلَ العالي ليَكْلِمَه *** أَشفق على الرأسِ لا تُشْفِق على الجبلِ
محب العلماء/ عبد الله حنبلي الحاج عبدي
اسطنبول – تركيا
رجب 1444هجري.