وشاء الله تعالى أن يبرز الشاب الداعية من بين صفوف المصلين الجمعة التَّالية؛ طمعا أن يحظى مثل فرصة الجمعة السابقة، وكأنه يُخال ظلا يتحرك؛ لنحافة جسده، ودقة أعواده، فبادر لييمم وجهه نحو المنبر فلما اعتلاه، اسْتَهَلَّ حديثه بخطبة الحاجة الثابتة عن نبينا محمد ﷺ، وفي خلال سرده إياها تسابقت إليه الأيادي، وجاءت إليه الأكف من كل صوب وحدب، ومدت إليه الأيادي المناولةُ من كل جهة، حتى جرَّوه من أعلى المنبر إلى صعيد المسجد، وفي خلال تنقلاته كانت الأيادي في شغل، هذا يصفعه، وذاك يغمزه، وهذا يكزه، حتى إذا سقط على الأرض، وتكالب عليه الناس جُر من بين الجموع المُكفَهرّة العابسةِ، وهو في حال خطرة؛ بحيث كاد أن يموت بحبس النفس، وكثرة الازدحام.
تقبيل الأكف:
والغريب في الأمر أنَّ مريدي الطريقة بدأوا يتسابقون إلى تقبيل الأيادي الصافعة، والأكف الآثمة، وذلك باعتقاد منهم بأن اليد النائلة إيذاء بدعيّ مباركة تستحق أن تتبرك، وخَصُّوا تبركا وتقبيلا زائدا بكف “عبد الولي” اليَبَرطَوْرْكَعِي الذي يقال: إنه ضرب الداعية بقوة.
زنزانة الشرطة:
ثم اقتيد الداعية “بُقُلْ صُوم” إلى مَخفر الشرطة، فأُودع في زنزانة؛ لذلك وقع عليه ضرر الضرب في المسجد مع ضرر السجن بغير جريمة؛ لأنَّ أصحاب الطريقة كان لهم نفوذ قوي في الدولة، وخاصة في الشرطة.
عريف يحل المشكلة:
تقبيل الأكف:
والغريب في الأمر أنَّ مريدي الطريقة بدأوا يتسابقون إلى تقبيل الأيادي الصافعة، والأكف الآثمة، وذلك باعتقاد منهم بأن اليد النائلة إيذاء بدعيّ مباركة تستحق أن تتبرك، وخَصُّوا تبركا وتقبيلا زائدا بكف “عبد الولي” اليَبَرطَوْرْكَعِي الذي يقال: إنه ضرب الداعية بقوة.
زنزانة الشرطة:
ثم اقتيد الداعية “بُقُلْ صُوم” إلى مَخفر الشرطة، فأُودع في زنزانة؛ لذلك وقع عليه ضرر الضرب في المسجد مع ضرر السجن بغير جريمة؛ لأنَّ أصحاب الطريقة كان لهم نفوذ قوي في الدولة، وخاصة في الشرطة.
عريف يحل المشكلة:
تزامن هذا الحدث مع زيارة وصل إلى المدينة، الحاج محمد لِيبَانْ ـ رحمه الله تعالى ـ المعروف ب ” يحيا وطني”، وهو جّدُّ “بُقُل صُوم” من جهة الأم. وبما أنَّ “الحاج محمداً” كان يتمتع باحترام الشعب بجميع فصائله، ويَهابُ منه رجال الطريقة، استطاع أن يحلَّ المشكلة، ويجد لها مخرجا، ويطلقَ سراح الداعية!
وفور خروجه من السجن قفل إلى العاصمة “مقديشو”؛ تنفيذا لبنود الاتفاق!
وفور خروجه من السجن قفل إلى العاصمة “مقديشو”؛ تنفيذا لبنود الاتفاق!
غارات العدو تطلق سراحه:
بعد فترة من الزمن حاول الداعية أن يزور مدينة “طوسمريب” مرة أخرى؛ لغرض نشر الدعوة ووعظ الناس كعادته؛ إلا أن عيون رجال الطريقة كانت معه، فأفشوا أمره إلى مخابرات الدولة التي كانت له بالمرصاد، فما أن وطّأت قدماه على أرض المدينة، نازلا من حافلة إلا وأَسَرَته الشرطة حتى وضعوه في سجن، وبينما هو في سجنه الانفرادي تَلَقَّت المدينةُ ضرباتٍ مُوجعة من غارة غاشمة من قبل العدو الأثيوبي إبان حكم “منغستو”، وعلا لهيب الحريق في كل مكان، واختلط الحابل بالنابل، وهاج الناس وماجوا، وزلزلوا زلزالا شديدا، حتى ذهلت عنه الشرطة، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثَمَّ وجد الداعية فرصة للخروج من السجن؛ لأنه لا حارس هناك، ولا رقيب ولا عتيد من الناس.
شلل اليد الصافعة :
حدث خلافٌ رهيب بين رجال الطريقة القادرية والمتصوف “بشير خليف عمر شريعة” أخو المغنية المشهورة “مَغُول خليف”، كان منشئ الخلاف ماديا محضا، إذ؛ أراد الأخير أن يسترجع منصب والده، ويكونَ له نصيب بالزعامة الدينية، ولكنَّ رجال الطريقة لم يفسحوا له المجال، ووضعوا أمام اشتهاره عوائق كثيرة، مما أغضبه، وهذه العلاقة المتوترة تطورت مع الزمن إلى سلوك وأفعال، وبينما ”بشير” جالس مع زملائه يتجاذب معهم أطراف الحديث، في مقهى مطل على شارع عام في وسط المدينة، مكتظ بالزبائن، والساعة تشير إلى الواحدة ظهرا، حيث اشتد لهيب أشعتها، وتفجر العرق من مسام الجسد، وفتحات الجلد، إذ أقبلت ثلّة من رجال الطريقة القادرية مقبلين مدبرين، والعرق يتصبب منهم؛ لأنهم كانوا في شُغلِ تَجهِيزِ رحلةِ شَدِّ الرِّحال إلى قبر “الشيخ أُويس البراوي”.
وفي هذه اللحظة صرخ بشير: ” ابعدُوا عنا عَرقَكم العَفنَ، فقد تأذينا به!” حتى حصل حوار ساخن، ومشادة كلامية بين الجبهتين، وفي تلك اللحظة سَلَت “المعلم عبد الله” عرقا من وجهه ونثره على ”بشير” وأردف قائلا: “يُتَبرَّكُ عرقنا، وأنت تستنكف، وتأفف منه!
هنا قفز “بشير” وعلا على “المعلم” ثم صرعه على الأرض، حتى تجمع على “بشير” مريدو الطريقة من كلِّ صَوبٍ وحدبٍ، يُعملون أياديَهم فيه، وفي آخر المطاف مسكوا حُزمة من شعر رأسه فاقتَلَعُوها مِن جُذورها، ثم تدخلت الشرطة وفضت النزاع بين المجموعتين.
وفي إحدى الليالي ظفر “بشير” بصيده الثمين، إذ وجد كلاً من “المعلم عبد الله” والشيخ جامع أحمد نور” وهما يتحدثان في زاوية مظلمة؛ فسل “بشير” سيفه من غمده فواراه بين أحشاء “المعلم”، وطعنه عدة طعنات متلاحقة، من ضمنها ضربة قوية على اليد التي تعدَّت على “بُقُل صُوم”.
وهكذا شُلَّت اليد الآثمة التي صفعت الداعية، واليد التي دبرت إيذائه!
لقد حدثني الأخ العزيز الشيخ “دُرَان طِيرِ”: أنه رأى نفس يدَ “المعلم عبد الله” ـ المذكورة آنفا ـ وقد أصابتها طلقة من رصاصة، فازدادت شللا إلى شللها.
طلبه العلم الشرعي:
كان التحق بالمدرسة النظامية “شيخ صوفي” فترة من الزمن؛ لكنه أعرض عنها؛ لأنها لم تشبع نهمته العلمية، وكان يرى أن محصولها العلمي ضئيل، مع ما يضيع فيها من نفائس الأوقات، إضافة إلى ما كان فيها آنذاك من التبشير بالشيوعية، وما كان يمارس فيها من فسق وفجور واختلاط مشين الذي لا تستطيع أن تصبر عليه نفس أبيَّة مثلُ “بُقُل صُوم”.
أغضب انسحابه من المدرسة أخواله، لكنَّه أصر على قراره، فوجه وجهته بمثافنة العلماء بتلهف، وملاقاة الفقهاء بسغب، واشتهر الشاب الداعية “بُقُل صُوم” بجهاده بطلب العلم الشرعي، كان لا يعرف الدعة والرَّاحة، وكان ليله سهراً بين صفحات كتب، ومطالعة دفاتر، وقراءة مراجع،
وكان يتقلب بين قيام وسجود.
وكانت سحابة نهاره دعوة إلى الله تعالى، وطلبَ العلم الشرعي، حتى تحصَّل من العلم ما فاق به أقرانه.
ومن أشهر شيوخه الذين شاركتُ معه:
1ـ الشيخ “محمد معلم حسن” رحمه الله تعالى، العلامة المفسر الفقيه اللغوي المتكلم، مؤسس الصحوة الإسلامية في الصومال، الذي واجه الشيوعية، وأحيا الدين في الصومال؛ لذلك أوذي في الله تعالى وسجن في السجن سيئ السمعة” لَبَاتَنْ جِرَوْ” أكثر من عشر سنوات، وقد ذكرنا شيئا من حديثه في الصفحات الماضية!
2ـ الشيخ “محمد نور قوي”، العلامة المحدث السلفي، دخل الصومال من ضمن بعثة أزهرية، ثم استوطن البلد، والتزم ونفض التراب عن علمه، وكان يقول: “كنتُ كنزا مدفونا” فربى الفتية والفتيات، وعلمهم سنة رسول الله ﷺ، وكان مسجده في حي “بِلَاج عَربْ” يعج بالمصلين والحاضرين، لا يوجد فيه موطأ قدم؛ لكثرة الرواد، والحاضرين خاصة يوم الجمعة.
3ـ الشيخ “إبراهيم سُولي” الفقيهُ المحدِّث أوَّلُ من أحيا علم الحديث في العاصمة “مقديشو”.
تأثره بمحدث الشام:
وكان ـ رحمه الله تعالى ـ يتتبع مؤلفات الشيخ “ناصر الدين الألباني” ـ رحمه الله تعالى ـ وكان يحب أن يقتني بها، فإذا ذَكر حديثاً في محاضرةٍ أو درسٍ بيَّن ما حكم عليه الشيخ “ناصر” من صحة أو ضعف، ودرّس بعض كتبه، كما سجل كتاب “صفة صلاة النبي ﷺ ” على أشرطة كاسيت السمعية.
بل؛ لقد ذهب إلى بعض المسائل التي رجحها الشيخ “ناصر ” بخلاف مذهب الجمهور، كتحريم الذهب المحلق على النساء، وكان يشدد، وبما أنَّ جلَّ دعوته كانت موجهة إلى النساء كان يمنعهن بقوَّة أن يلبسن الذهب المحلق!
بعد فترة من الزمن حاول الداعية أن يزور مدينة “طوسمريب” مرة أخرى؛ لغرض نشر الدعوة ووعظ الناس كعادته؛ إلا أن عيون رجال الطريقة كانت معه، فأفشوا أمره إلى مخابرات الدولة التي كانت له بالمرصاد، فما أن وطّأت قدماه على أرض المدينة، نازلا من حافلة إلا وأَسَرَته الشرطة حتى وضعوه في سجن، وبينما هو في سجنه الانفرادي تَلَقَّت المدينةُ ضرباتٍ مُوجعة من غارة غاشمة من قبل العدو الأثيوبي إبان حكم “منغستو”، وعلا لهيب الحريق في كل مكان، واختلط الحابل بالنابل، وهاج الناس وماجوا، وزلزلوا زلزالا شديدا، حتى ذهلت عنه الشرطة، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، ثَمَّ وجد الداعية فرصة للخروج من السجن؛ لأنه لا حارس هناك، ولا رقيب ولا عتيد من الناس.
شلل اليد الصافعة :
حدث خلافٌ رهيب بين رجال الطريقة القادرية والمتصوف “بشير خليف عمر شريعة” أخو المغنية المشهورة “مَغُول خليف”، كان منشئ الخلاف ماديا محضا، إذ؛ أراد الأخير أن يسترجع منصب والده، ويكونَ له نصيب بالزعامة الدينية، ولكنَّ رجال الطريقة لم يفسحوا له المجال، ووضعوا أمام اشتهاره عوائق كثيرة، مما أغضبه، وهذه العلاقة المتوترة تطورت مع الزمن إلى سلوك وأفعال، وبينما ”بشير” جالس مع زملائه يتجاذب معهم أطراف الحديث، في مقهى مطل على شارع عام في وسط المدينة، مكتظ بالزبائن، والساعة تشير إلى الواحدة ظهرا، حيث اشتد لهيب أشعتها، وتفجر العرق من مسام الجسد، وفتحات الجلد، إذ أقبلت ثلّة من رجال الطريقة القادرية مقبلين مدبرين، والعرق يتصبب منهم؛ لأنهم كانوا في شُغلِ تَجهِيزِ رحلةِ شَدِّ الرِّحال إلى قبر “الشيخ أُويس البراوي”.
وفي هذه اللحظة صرخ بشير: ” ابعدُوا عنا عَرقَكم العَفنَ، فقد تأذينا به!” حتى حصل حوار ساخن، ومشادة كلامية بين الجبهتين، وفي تلك اللحظة سَلَت “المعلم عبد الله” عرقا من وجهه ونثره على ”بشير” وأردف قائلا: “يُتَبرَّكُ عرقنا، وأنت تستنكف، وتأفف منه!
هنا قفز “بشير” وعلا على “المعلم” ثم صرعه على الأرض، حتى تجمع على “بشير” مريدو الطريقة من كلِّ صَوبٍ وحدبٍ، يُعملون أياديَهم فيه، وفي آخر المطاف مسكوا حُزمة من شعر رأسه فاقتَلَعُوها مِن جُذورها، ثم تدخلت الشرطة وفضت النزاع بين المجموعتين.
وفي إحدى الليالي ظفر “بشير” بصيده الثمين، إذ وجد كلاً من “المعلم عبد الله” والشيخ جامع أحمد نور” وهما يتحدثان في زاوية مظلمة؛ فسل “بشير” سيفه من غمده فواراه بين أحشاء “المعلم”، وطعنه عدة طعنات متلاحقة، من ضمنها ضربة قوية على اليد التي تعدَّت على “بُقُل صُوم”.
وهكذا شُلَّت اليد الآثمة التي صفعت الداعية، واليد التي دبرت إيذائه!
لقد حدثني الأخ العزيز الشيخ “دُرَان طِيرِ”: أنه رأى نفس يدَ “المعلم عبد الله” ـ المذكورة آنفا ـ وقد أصابتها طلقة من رصاصة، فازدادت شللا إلى شللها.
طلبه العلم الشرعي:
كان التحق بالمدرسة النظامية “شيخ صوفي” فترة من الزمن؛ لكنه أعرض عنها؛ لأنها لم تشبع نهمته العلمية، وكان يرى أن محصولها العلمي ضئيل، مع ما يضيع فيها من نفائس الأوقات، إضافة إلى ما كان فيها آنذاك من التبشير بالشيوعية، وما كان يمارس فيها من فسق وفجور واختلاط مشين الذي لا تستطيع أن تصبر عليه نفس أبيَّة مثلُ “بُقُل صُوم”.
أغضب انسحابه من المدرسة أخواله، لكنَّه أصر على قراره، فوجه وجهته بمثافنة العلماء بتلهف، وملاقاة الفقهاء بسغب، واشتهر الشاب الداعية “بُقُل صُوم” بجهاده بطلب العلم الشرعي، كان لا يعرف الدعة والرَّاحة، وكان ليله سهراً بين صفحات كتب، ومطالعة دفاتر، وقراءة مراجع،
وكان يتقلب بين قيام وسجود.
وكانت سحابة نهاره دعوة إلى الله تعالى، وطلبَ العلم الشرعي، حتى تحصَّل من العلم ما فاق به أقرانه.
ومن أشهر شيوخه الذين شاركتُ معه:
1ـ الشيخ “محمد معلم حسن” رحمه الله تعالى، العلامة المفسر الفقيه اللغوي المتكلم، مؤسس الصحوة الإسلامية في الصومال، الذي واجه الشيوعية، وأحيا الدين في الصومال؛ لذلك أوذي في الله تعالى وسجن في السجن سيئ السمعة” لَبَاتَنْ جِرَوْ” أكثر من عشر سنوات، وقد ذكرنا شيئا من حديثه في الصفحات الماضية!
2ـ الشيخ “محمد نور قوي”، العلامة المحدث السلفي، دخل الصومال من ضمن بعثة أزهرية، ثم استوطن البلد، والتزم ونفض التراب عن علمه، وكان يقول: “كنتُ كنزا مدفونا” فربى الفتية والفتيات، وعلمهم سنة رسول الله ﷺ، وكان مسجده في حي “بِلَاج عَربْ” يعج بالمصلين والحاضرين، لا يوجد فيه موطأ قدم؛ لكثرة الرواد، والحاضرين خاصة يوم الجمعة.
3ـ الشيخ “إبراهيم سُولي” الفقيهُ المحدِّث أوَّلُ من أحيا علم الحديث في العاصمة “مقديشو”.
تأثره بمحدث الشام:
وكان ـ رحمه الله تعالى ـ يتتبع مؤلفات الشيخ “ناصر الدين الألباني” ـ رحمه الله تعالى ـ وكان يحب أن يقتني بها، فإذا ذَكر حديثاً في محاضرةٍ أو درسٍ بيَّن ما حكم عليه الشيخ “ناصر” من صحة أو ضعف، ودرّس بعض كتبه، كما سجل كتاب “صفة صلاة النبي ﷺ ” على أشرطة كاسيت السمعية.
بل؛ لقد ذهب إلى بعض المسائل التي رجحها الشيخ “ناصر ” بخلاف مذهب الجمهور، كتحريم الذهب المحلق على النساء، وكان يشدد، وبما أنَّ جلَّ دعوته كانت موجهة إلى النساء كان يمنعهن بقوَّة أن يلبسن الذهب المحلق!
Post Views: 37