مشكلتنا كمسلمين اليوم أننا دائما نركز في دراستنا للفتوحات وحروب التحرير على دور الفرد والقائد دون دراسة ممهدات أو عوامل النصر وجهود التحضيرية ما قبل المعركة والسياق التي تحرك القائد من خلاله .
وهنا ، وجدت كتاب ”هكذا ظهر جيل صلاح الدين” للدكتور ماجد عرسان الكيلاني الذي كُتب بمنظور فلسفة التاريخ و يستعرض المؤلف الأمراض التي أصابت الأمَّة بالضَّعف, وأعراضها الخارجيَّة وتأثيراتها, وهي مشابهة إلى حدٍ كبير لواقعنا الحالي ، أهمّية معالجة الأمراض بدلاً من الانشغال بمعالجة أعراضها بلا فائدة. الكتاب يبرز دور الإمام الغزالي في إعداد جيل صلاح الدين من خلال أفكاره الإسلامية التي أخرجت الأمة من ظلمات التفرق والمذهبية والخرافة الباطنية وانحراف التصوف إلى نور الإسلام الصحيح الذي ينشر العدل ويصفي العقيدة ويحارب الانحراف العقدي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي ويشجع المعرفة وكسب الحلال لتنمية ثروات الأمة وتدعيم الطبقة الوسطى.
وقد كان من خصائص منهج الغزالي في مدرسته الفكريَّة:
– محاربة العلماء الساعين لمنفعتهم الشخصيَّة عبر التقرّب للحكام ومهادنتهم لظلمهم, فالأصل في ديننا أنَّ السياسة تدور في فلك الشريعة لا العكس.
– معالجة التدين السطحي.
– محاربة الماديَّة الجارفة.
– محاربة تيَّارات الفِكر المُنحرفة اعتمادًا على الأسلوب العلمي دون سباب.
– الدعوة للعدالة الاجتماعيَّة وتصحيح مفهوم “القضاء والقدر السلبي”.
إلا أنَّ الغزالي لم يتناول موضوع جهاد الصليبيين لأنه كان يري أنَّ أولى خطوات الجهاد هي تربيَّة النَّاس, وإلا كان الأمر كطلب الشيئ قبل أوانه أو استنفار جيل غارق في الخرافة والمادية وأشبه بالأموات .
وقد انتشرت مدرسة الغزالي وتَتَلْمَذَ على يديه الكثير, وعلى رأسهم عبد القادر الجيلاني الذي أسَّسَ المدرسة القادريَّة, وكان لها إسهامات جليلة ظهرت آثارها في جيل عماد الدين زنكي, كما ظهرت آثارها على نساء ذلك العصر, حيث شاركن في التدريس, وأنفقن الأموال الكثيرة لبناء الأوقاف, و تحسين الأحوال الاجتماعيَّة, وبناء المدارس التي كانت مناراتٍ للفكرِ في ذاكَ الوقت. .
تعلمت من كتاب (هكذا ظهر جيل صلاح الدين ) أنه كان هناك سياق فكري ومؤسي قاد إلى ظهور جيل صلاح الدين وكان فكر الغزالي يحمل أفكار تغييرية في المعرفة والثروة والقدرة القتالية للأمة مما سهل الانتصار في معركة حطين .
وهنا ، صلاح الدين لم يكن اسطورة فردية او شخصية يتمتع بقدرات خارقة وشجاعة نادرة بل مواطن مسلم خرج نتيجة كيان و نتاج مجهودات شاقة افرزت لنا جيلا كاملا استطاع انقاذ المسلمين داخليا و خارجيا مما مهد لظهور دولة مثلا دولة المماليك فى مصر و العثمانيين فى الاناضول و ما كان لهما من سيادة على العالم القديم فى العصور الوسطي.
حقا لعب الغزالي في ثورة الأمة لتحرير الشام والقدس ومصر من الاحتلال الصليبي الأنظمة العميلة لها مثل دور الفلاسفة الغربيين في الثورة الفرنسية أمثال فولتير الذي كان يدعو إلى إقامة نظام ملكي مستنير في فرنسة على غرار إنكلترة، ومونتسكيو، الذي انتقد مساوئ الحكم الاستبدادي المطلق في كتابه روح القوانين، وجان جاك روسو صاحب كتاب العقد الاجتماعي. كما كان هناك تيار فكري آخر، عُرف بالتيار الطبيعي أو الاقتصادي متأثراً بالاقتصادي الإنكليزي الكبير آدم سميث في كتابه ثروة الأمم، وحمل لواء هذا التيار فرانسوا كيسناي صاحب كتاب المخطط الاقتصادي، الذي رأى فيه الكثيرون الدواء لمتاعب فرنسة الاقتصادية. أما تيار الموسوعيين فكان من أشهر مفكريه ديدرو، وألمبير، فقد فتح أعين الفرنسيين على النظام الجائر لحكومتهم وأوضاعهم السيئة، وهيأ الجو المناسب للتغيير الجذري.
فهل آن الآون للأمة لقيادة معركة التغيير من خلال إعداد جيل التغيير قبل القفز إلى التغيير ذاته ؟ لأنه لا يمكن إحداث التغيير الجذري قبل تهيئة الجو المناسب. لا ثورة ولا تغيير بدون تفكير وإعداد مسبق ولا التغيير يحدث على يد مخلص يأتي ليتقذنا،، إنا لتغيير عمل يد جماعي،، يتطلب جيلا أو أجيالا، ويتطلب مجتمعا ، إن التغيير لم يكن يوما علي يد شخص واحد فقط وإنما هو تراكمات تغييرات على يد جماعات.
اعداد 🖊
الاستاذ سالم سعيد سالم