في 27 ديسمبر من عام 2018م أستيقظنا نحن الشعب الصومالي على دعوات غريبة لتخلص من ” تُرمس الشاي” على وجه السرعة وبدون تردد ، و فعلاً تحركت الهمم و اُخذ التُرمس على حين غفلة و حُطم تحت الأيادي بغضب .
واستمرت حملة التحطيم لأيام في حالة من الهستيريا العجيبة التي ترافقت معه موجة من الأخبار و الإشاعات والقصص التي جعلت الشعب أغلبه خبير في نظرية المؤامرة و فريد في اكتشاف الأسرار .
ومع أول فرصة لي مع طلاب الجامعة طرحت الواقعة وسالتهم عن حال تَرامِسهم كانت الإجابة صادمة بأنها قد حُطمت ” أنا: حتى أنتم ” وما حال الشاي إذا ؟ يا أستاذة اشترينا ترامِس جديدة ، أنا : و من أين ؟ ، من ذات الأماكن التي اشترينا منها الترامِس القديمة ، و ما جدوى من التحطيم؟ يا أستاذة كل الناس تُكسر و تُحطم ونحن من الناس ، ببساطة هذا هو الراي العام عندما ينشئ في بيئات مرهقة من توالي المشكلات ، وتعبة من كثرة التدخلات ، ومتوجسة دائماً من الآخر و من الغامض وما يكتنفه الرموز ، ومن ملفات الماضي التي لم تُغلق ، و من وعود المستقبل الذي لم يُبلغ ، هذه البيئات الراكدة خلف عجلة الانتظار على استعداد دائماً أن تتلقف الغريب والسائد وتجعله “ترند” لأنه يُنسيها ولو مؤقتاً زحمة الهموم ، وضخامة المسؤوليات التي لم تُنجز، برغبة منها أو رغم عنها تسقط ضحيه لرأي عام ضعيف حيلته “كل ناس تقول و هناك شهود” لا يستطيع أن يصمد ساعة من الزمن أمام التفكير المنطقي والواقعي ، وقوده الذي يعتاش منه هو استمرار الصخب و نشر فكرة الخوف ، و توزيع الأحكام مسبقة ، وصكوك القبول والرفض ، وفي ذاكرتنا الصومالية مليئة بموجات من الأفكار غدت رأي عام بعضها بسيط و ساذج كحالة ترمس الشاي غاية مبتغاه إضافة بعض ” الأكشن” المُسلي الذي يُنعش احاديثنا ، أو عميق مخطط له تتبناه جهة كفكرة حصر مفهوم الوطنية على إنها ولاء لأشخاص لا لمبادئ .
كلا الرأيين البسيط والعميق يمكن أن يتفاعل معهما المجتمع الصومالي بشغف لأن الراي العام داخل الصومال رأي مرن يحتمل الغرابة و الخرافة كما إنه يحتمل الحقيقة و الصحة ، فميزان المعرفة لدى المجتمع الصومالي الذي يستند على الذاكرة الشفوية والمعرفة الغير الورقية ، وتتضاءل لديه نفس التقصي العلمي فمن سهل جداً إذا أن يُصنع له رأي عام و أن يتقبله بسرعة خصوصا إذا كان هذا الرأي يلمس انتماءاته المقدسة فحينها يكتسب الراي العام جاذبية و المصداقية و ينتشر و يتمدد إذا لم يجد المثقف الذي يتصدى له ويعمل على نزع الإثارة و العاطفة منه حتى يخرج لنا الراي العام متوازن قادر على مواكبة الواقع لكن المصيبة إذا انزلقت قدم المثقف في مُجاراة الراي العام حينها بحق على المنطق السلام .