يقول الاقتصاديون: “الزمن هو المال” والقرآن يقول علاوة على ذلك: الزمن هو الفلاح أو الخسارة؛ وذلك قوله تعالى ” والعصر إن الإنسان لفي خسر.. ” والعصر هو الزمن الذي يعيش فيه الإنسان؛ لأن الخالق وهب لكل إنسان زمنا يعيش فيه؛ وليس باستطاعة أحد سوى الله تعالى مهما كان أن يزيد في عمر الإنسان لحظة واحدة، كما ليس باستطاعته أن ينقص عن عمره دقيقة واحدة، وإنما يعبر زيادة العمر ونقصانه عن الاستغلال منه، وتعميره بالخيرات أو تبذيره وتضييعه، قد يكون الشخصان يعيشان في عمر متساو؛ ولكنّ أحدهما استثمر بعمره، وأنتج أعمالا ضخمة، وحقق إنجازات مبهرة، وادّخر عند الله أجرا وفيرا كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بشير إلى قبر دفن حديثا “رَكْعتانِ خَفيفتانِ بِما تَحقِرُونَ وتَنفِلُونَ يَزيدُهما هذا في عملِهِ أحَبُّ إليه من بقيَّةِ دُنياكُمْ” ؛ لأنه عمَّره بما أتيح له من الزمن بالطاعة وما ينفعه في مستقبله.
لو فات الزمن فلا يمكن استرجاعه، ولا تداركه، إذ من المستحيلات استرجاع اللحظات الفائتة، والأيام المنصرمة؛ ولذلك يقتضي العقل أن نستغل لكل لحظة متاح لنا بأحسن استغلال، ونستثمرها بأفضل طريقة، وألا نسوّف الأمور؛ لأننا لا ندري هل تتاح لنا مثل هذه الفرصة لاحقا أم لا! .
ثم إن زمن وجودنا قضاء من الله وقدره لا يد لنا فيه؛ لو خُيِّرنا زمن وجودنا لاخترنا أفضل الأزمنة والأمكنة، وآثرنا مثلا أن نكون في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أصحاب بدر الذين قيل لهم ” اعملوا ما شئتم فقد غُفر لكم” أو من أصحاب الشجرة الذين رضي عنهم” لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة”. ولكن هيهات؛ ولذلك يجب أن نكون واقعيين نتعامل مع زمننا الذي هو متاح لنا في هذه الدقائق التي عن قريب ستنصرم.
إن أناسا كانوا معنا بالأمس ـ وقد فات زمنهم ـ اليوم يعضون بنان الندم، ويتمنون لو أُعطوا فرصة ساعة، “يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى” ويقول يا ليتني قدمت لحياتي” ويقول: ”رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت.. ” ويقولون: ” يا ليتنا نرد” ويقول: ” رب لولا أخرتني إلى أجل قريب” لا يطلب زمنا طويلا، بل يتمنى ساعة أو ساعات؛ لأنه أدرك قيمة الزمن، وعظم أثره لمن استغل به بأحسن طريقة.
وهناك آخرون تشيخوا، ورقت عظامهم، واحدودبت ظهورهم يعضون اليوم بنان الحسرة لتفريطهم في شرخ الشباب، وفي زمن القوة، والنشاط، ولسان حالهم يقول:
بكيتُ على الشبابِ بدمع عيني
فلم يُغن البكاءُ ولا النحيبُ
فيا ليتَ الشباب يعود يوما
فأخبره بما فعل المشيبُ
وهناك آخرون على الأسرة البيضاء في المستشفيات لا يقدرون على حركة، ولا يستطيعون قياما ولا قعودا ولا سجودا، ويتمنون لو مًكنوا لهم سجدة واحدة يتقربون بها إلى الله، ولكن أنى لهم ذلك!
والعاقل من اتعظ بغيره، والأحمق من تعظ بنفسه؛ فهلا نستعد لهذا الطريق المحتوم، والسبيل المسلوك، والسنة الماضية، والمستقبل منتظر!