طلب الشفاءالرباني بمدارسة توضيح لباب المعاني شرح حرز الأماني
للشيخ العلامة عبد الرحمن بن أحمد المقدشي الزيلعي الشافعي القادري الأشعري
نظر إلي الشيخ العارف بالله عثمان بن الشيخ عمر بن الشيخ داود (حدج) من أعلام العلماء وأعيان الفضلاء بعين العناية فاختارني موضعا لمكرمة هديته ومستودعا لهبته وتحفته، إحسانا منه للظن بشخصي، وحبا منه للخير لنفسي، فأهدى إليَّ عددا من مؤلفاته، وآثرني بكتاب: توضيح لباب المعاني شرح حرز الأماني لِما علم مني أنني من مقرئي القرآن مع محبه، وأنا قبل ذلك مدين له بالعلم الغزير والعمل الصالح والتواضع الجم: “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعلهم الرحمن ودا”.
ثم إنه أوقر ظهري بهذا الحمل الثقيل وهذه المسؤولية العظمى، حيث إن الطبعة المحققة التي صدرت حديثا بحاجة إلى مراجعة وتدقيق، واللبيب بالإشارة يفهم، فلم تفتّر عني الانشغالات والأعمال، ولم تزل تؤمِّلني الساعات بالآمال، ولمّا أقم بعدُ لما نُدبت له، ولم أعمل بما ظننت به، نسأل الله أن يكرمنا بإخوة يظنون الخير فينا ثم لا يعجزون.
ثم إن عوارض الدهر حبست النفس الضعيفة، د. أبوبكر الخليفة، في منزله وبين كتبه أياما، فخلا للتنزه والاستطلاع لا للقراءة والاطلاع، إذ لم تكن الحمى تعطيه فرصة، وكان الوجع يناوبه القرصة، فوقع في عيني السفر العظيم، للإمام الزيلعي الفهيم، فابتدرت تصفحه، واستعجلت تعقله، طلبا للشفاء بهذا العمل وتقربا إلى الله بهذه الزلفى، ولم يُر كالعمل الصالح وسيلة أنفذ في النجاة والسلامة.
الشيخ العلامةالزيلعي:
والزيلعي علم على رأسه نور، غني بالشهرة عن التعريف، عاش في حدود (1230هـ – 1299هـ الموافق: 1813م -1882م) رحل في طلب العلم في أرجاء البلاد الآهلة، وطاف بالمواطن القاحلة، صاحب كرامات ومقامات، له أشعار ومنظومات، وترك تصانيف وتواليف، أثرى المكتبة العلمية ولا سيما المكتبة العربية، كان محبا مادحا، وترجمته منشورة بالتفصيل على مواقع الإنترنت وصفحات التواصل، والحمد لله.
توضيح لباب المعاني:
أولا: لم يشر الإمام إلى مستمد التسمية في القصيد، ولكن تبادر إلى ذهني أن الشيخ استحضر البيت السابع والستين من القصيدة، فسبك منه الاسم والعنوان، وهو قول الإمام الشاطبي رضي الله عنه:
أهلت فلبتها المعاني لبابها وصغت بها ما ساغ عذبا مسلسلا
#ثانيا: بين الشارح أن كتابه هذا اختصار لكتاب أبي شامة المسمى بإبراز المعاني من حرز الأماني، فقال في خطبة الكتاب: ثم سألني بعض الإخوان أصلح الله لي ولهم الحال والشان، أن أكتب على الشاطبية شرحا يحل ألفاظها ويفتح رموزها، بعبارة سهلة يفهمها المبتدئ …… إلى أن قال: واستخرت الله واختصرت هذا الكتاب من شرح الشيخ العلامة أبي محمد عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم القرشي الدمشقي الشافعي المعروف بأبي شامة.
وقد تفنن الشيخ في الاختصار حتى ولَّد من الكتاب كتابا حمل كل ما فيه، وفوائد مما ليس فيه، مع التزامه بنقل ما فيه من استدراكات وتعديلات وإضافات، إلا أنه اطرح الاستطرادات والتعليلات والاحتمالات، فخرج بثوب قشيب يغبطه أصحاب الذوق الرفيع.
#الشيخالزيلعيمنخلالتوضيح_المعاني:
غزارة العلم، جزالة اللفظ، بساطة المأخذ
فتجده قد جمع في مقدمة الكتاب التي لا تزيد على خمس صفحات: الافتتاح بالحمد والثناء والصلاة على رسول الله، الترغيب في العلم ولا سيما علوم القرآن والقراءات، نشأة فن القراءات وجهود العلماء في نقد القراءات، تراجم القراء السبعة مع فرائد ونوادر، الترجمة للإمام الشاطبي، بأسلوب أخاذ بمجامع القلوب، ولغة تخشع لها الجبال الراسيات (ص: 2-6).
#غوصفيالدلالات، تعمق في الإعراب، تبحر في قواعد النحو:
حيث يمكن الجزم بأنه ما أغفل إعراب بيت واحد من القصيد، مع ذكر الأوجه المحتملة ومذاهب أهل العربية، ثم يقارن بينها ويناقشها، فتارة يرجح، وأخرى يختار وجها، ويمكن مراجعة شرح البيت 621 إذ يقول الشاطبي رضي الله عنه:
وقبل يقول الواو غصن ورافع سوى ابن العلا من يرتدد عم مرسلا.
#حضور_البداهة، جمع المتفرقات، استحضار الشواهد:
يشهد لهذا أنه أورد خلال 158 بيتا، وذلك من المقدمة إلى آخر بيت من باب الإدغام، 16 شاهدا، منها بيتان من تأليفه في ضبط حروف الإدغام.
ويشهد له أيضا صوغه اسم كتابه من معنى البيت السابع والستين الذي أشرنا إليه آنفا.
#منهجيةفيالكتابة، التزام في الأسلوب، وموضوعية:
وإذا ألقى إنسان خالي الذهن نظرة على كتابه ظن أن الأبيات فواصل لكلام محسوب الحروف والكلمات، فتكاد تجزم بأن الرجل وازن في شرحه بين الأبيات فلم يستطرد تارة، ولم يخلّ أخرى، منضبطا بالموضوع لا يشغله عنه إلا النوادر والطرائف، ولنا على هاتين السمتين مثال واحد هو البيت 586 قول الإمام الشاطبي:
وكوفيهم تساءلون مخففا وحمزة والأرحام بالخفض جملا
شرح البيت واستوفى إعرابه، ثم ذكر أن النصف الأول من البيت هو نصف القصيدة، وهذا كله في ستة أسطر ونصف، في حين أن أبا شامة استغرق في شرح هذا البيت صفحتين ونصف بخط أدق.
فالشيخ العلامة قدم سفرا عظيما، وكنزا ثمينا، وإني أستطيع أن أحلف يمينا لو أن علماء الأزهر كانوا قد عثروا على هذا الشرح لما تجشموا المتاعب في اختصار شروح العلماء، رغم ما لكل فرد من الميزة والخصوصية على غيره، إلا أن الإمام كان شامة بين أهله وأقرانه ومعاصريه.
#كلمةعنالنسخة_المطبوعة:
لا شك أن هذه النسخة بداية جيدة لخدمة هذا الكتاب وإخراجه إلى النور، وأنا من هنا أسوق مواكب الشكر والعرفان للسيد البروفيسور نجيب الشيخ عبد الكريم حاج محمد البكري، على جهده الجبار، وانتصابه لهذا الفرض العميم، إلا أن من طبيعة التحقيق: أنه عمل جماعي لا ينجزه الأفراد إلا بشق الأنفس، وأنه ينبغي الاعتماد على نسخ مختلفة إذا توفرت، وفي حالةٍ مثل كتابنا هذا يمكن مقارنته بالكتاب الأصل – وهو والحمد لله موجود متوفر في متناول الجميع، ثم إن التحقيق يجب أن يكون معه تدقيق، فتكون الطباعة والترقيم والفنيات مراعى فيها ما يجب مراعاته في الكتب المؤلفة ابتداءا.
فالنسخة المتوفرة مع دعائنا الدائم لأخينا السيد نجيب، تستدعي جهودا إضافية من كل من يأنس من نفسه الكفاءة، ومن باب شحذ الهمة، وطلب القمة: أرجو أن يوفقني الله تعالى لإنجاز ذلك، وأهيب بكل من عند هذه المخطوطة أو طرفا منها أن يرسلها إلينا، نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يستخدمنا للبر والتقوى، ويستعملنا للكتاب والسنة.
كتبه
د. أبوبكر محمد معلم حسن (الخليفة)
#مقديشو
الثلاثاء 05/ يناير/ 2021م