لعلنا لا نترجم عن نوايا الباحث ولا نتوغل في جوانحه ؛ إلا أننا نحاول تفسير بعض الظواهر.
كنت ممن شارك في عرض كتاب نيل المنى بشرح سفينة النجا للدكتور عثمان علي فارح.
هو بحث بذل صاحبه جهدا عميقا في سنوات طوال؛ بيد أنّ بعض الناس ظنوا أنّه ارهاصات للتقارب بين التيار السلفي وأهل الطرق الصوفية.
منذ زمن بعيد كان هناك بُعْد شاسع بين التيارين ولم نسمع عقد الطرفين اتفاقية في يوم من الأيام إلا أنّ الأيام والخبرة والواقع يعلم الإنسان مالم يتعلم من حماسته المتدفقة وتطفله في مائدة التعليم.
ويظهر أنّ التيارين لم يكونا يجلسان في مقعد واحد مشترك في هدف موحد إلا أنّه في الآونة الأخير يبدو جليا أنّهم يشتركون بعض المؤتمرات والندوات ولديهم بعض نقاط الاتفاق وإن كان هناك اختلاف في بعض ، وبعضهم يعلل أن جانب أهل الطرق هم الذين بدأوا السير نحو التقارب إلى التيار السفلي واعتنقوا ببعض ما كانت السلفية تنادي وتجعل شعارا لها ويمثلون لهذا التقارب.
1-التجويد:
كان أهل الطرق في محاربة شديدة تجاه هذا الفن ويعدونه بدعة محدثة في دين الله ولا يألون جهدا في اخماده وتجفيف ومنابع وتأصيل شأوته، إلا أنّ الأيام أملاهم وجعلهم يتبارون عن غيرهم في هذا الفن وهذا يُعد التقارب الأول والأخير من جانب هؤلاء.
2-الحجاب:
كان أهل الطرق الصوفية في سلبية من الحجاب وكانوا يرجمون الفتاة بمجرد ارتدائها له، ويكيلون عليها أقذع ما لديهم من الشتائم والتهم الواهية، وأما اليوم فهم ممن يقبلون على الحجاب رغم أنوفهم فلا أحد منهم يترنح عن هذه الفريضة المحتمة.
ومن جانب السلفية أدّى كراهية أهل الطرق الصوفية كراهية وبُعدا عن المذهب الشافعي واحتملوا مذهب الإمام أحمد بن حنبل وغيره من المذاهب ويُفتون ويجعلون ذلك رأي الجمهور، وبعد تلفلف كثير عاد المياه إلى مجاريها، والطير إلى عشه بدأت السلفية تستنير بمذهب الإمام الشافعي قراءة وتدريسا وبحثا مما يعد نضوجا فكريا وتقاربا بين الطرفين وتضييق الهوة بين التيارين إلا أنّ الخلاف بين التيارين لا ينكمش ولا يضمحل بهذه السهولة ؛ لأنّ هناك مسائل جذرية بمثابة مسلمات عند الطرفين فلا يمكن مساس بها أو التنازل عنه لدى كل طرف.
أما هذا البحث الذي نحن بصدده فهو مجرد بحث علمي فقط.
والباحث يستقصي المعلومات ويبدأ من حيث وقف الآخرون وينتهي حيث ينتهي معلوماته، إما أن يكبو دون مداه أو يصل الى غايته المنشودة وينشر بما توصل اليه في نهاية المطاف.