لم يكن الموضوع يخطر على بالي حتى قابلت هبون في منزل أحدى معارفي، جميلة تلك الصغيرة عينان عسليتان من برائتها تلمع، قلت تملكين عينان رائعتين، لكنها لم تفهم ثم كررة حتى تبسمت، وسألتها عن عمرها، فأشارت بيدها الصغيرة، هي في السادسة من عمرها، الأمر محزن، حقاً ! السادسة ، بدأ الجميع ينظر إلي بستغرب، تقريباً كان بشمزاز، فهبون ليست في عيونهم إلا خادمة تؤمر فتطيع، ولا أحد ينتظر منها سوء تنفيذ الأوامر بحذافيرها.
تبدأ هبون عملاً مرهقاً من سادسة صباحاً، ولا تنتهي عملها حتى الثانية عشر مساءً ، تنام تلك الصغيرة بملابسها الممزقة، على فراشها الممزق، فراش خاص بها لا أحد يقترب منه، لا أحد يجلس عليه، منبوذ فرشها ككل الأشياء التي تخصها، رقابة هبون هي لاتلعب مع الأطفال، رقبتها وهي تنظر إليهم من بعيد، بينما كان عليها نشر الغسيل الذي لا ينتهي، تنظر إليهم وهي قد بللت ثيابها ورتجفت من البرد، رقبتها وهي تنظر بصمت إلى أحدهم يشخبط في الكشكول الخاص به، بينما كان عليها مسح أراضي المنزل الشاسعة، كل هذا مقابل 30 دولار ترسلها ربة المنزل إلى أسرتها في بادية جوهر شمال العاصمة نهاية كل شهر ، لسبب مآ، هبون ومئات الأطفال هنا في العاصمة أقل حظاً من أقرانهم، يتعرضون إلى الاستغلال بل إلى الضرب في بعض الأحيان.
و دون وجود قوانين تقوم بحمايتهم، في الصومال يتعرض الأطفال من بعض الأقليات إلى شكل من أشكال الاستغلال يضع أعباء ثقيلة على الطفل، ويهدد سلامة وصحتة النفسية ، كما أن أرباب العمل يستفيدون من ضعف الطفل وعدم قدرتة عن الدفاع عن حقوحة، المئات بل الألف من أمثال هبون عرضة لأن يكون عمالة رخصية، في ظل غياب توعية حقيقية بحقوق الطفل، وغياب شبة تام للمؤسسات حكومية أو خاصة، ترفع الصوت عالياً، من أجل الحلقة الأضعف في المجتمع، الجدير بذكر أن الصومال وقع على إتفاقية حقوق الطفل، وهي أول اتفاقية ملزمة قانونا حول حقوق الطفل، وتعتبر من أكثر معاهدات حقوق الإنسان التي تم التصديق عليها في العالم، تؤكد الاتفاقية على أهمية عدم التمييز وتعزيز مصلحة الطفل، وقد أصبح الصومال الدولة المائة والخامسة والتسعين التي تصدق على الاتفاقية.
أخيراً ، قبل الاتفاقيات الدولية نحن أمة مسلمة يحرم عليها الظلم وتجاوز الحدود، فليس منا من لم يعطف على صغيرنا.