طفل صغير يجلس على عمامته بكل بساطتها ، ينام عليها حين يشعر بالنعاس ، ويحتبي بها عندما يحضر مجلس القوم ، ويعتبرها السجادة التي يصلي عليها الصلوات ، ويرتديها في البرد القارس ، ويلتحف بها في الليالي ، ويضع فيها السكر والأدوات التي تلزمه في البادية ، يستخدمها مثل السلة ويحملها على كتفه ، وحين يصاب بجرح يلف العمامة على الجرح ثم يتجول في القفار والبراري. تلك هي حالة العمامة وله فيها مآرب أخرى لا تحضر على بالي الساعة ولكن لكم أن تتخيلوها.
وأما عن حال الفتى فهو رجل لم تفسد الأيام معدنه الأصيل ، ولا عرف شيئا إسمه ” الإكتئاب ” وليس عنده ” هوس الشهرة ” أو ” جنون العظمة ” ، يعرف القبائل والأنساب فقد سكن في جوار معظمها ولكنه لا يحمل العصبية ضد أي قبيلة ، وإن أتاه ضيف أو عابر سبيل أكرمه وأحسن استقباله دون أن يسأله عن النسب أو الحسب.
هذا الفتى ليس موظفا يركض ويهرول كل يوم ليلحق عملا ، وليس مسئولا في الدولة عليه أن ينافق سيده حتى يبقى في منصبه وبكامل صلاحياته وسلطته ، وهذا الفتى ليس عنده قلق عن ما يكون عليه حال المستقبل ، يفكر في يومه ولا يهتم لما بعده.
لا يخشى من أحد سواء كان إنسا أو جنا ، فقد تربى وكبر في البادية حيث الظلام والوحشة ، وتعلم الجوع والحرمان والمرض ، يذهب الوالد لسفر أو حاجة وتبقى الأم مع أولادها ، تخشى على نفسها رجالا لا يخشون الله وتخشى على أولادها من السباع والزواحف ، ولكن حين يبلغ ابنها سن هذا الفتى تتنفس في الصعداء ، عندها يكون في البيت رجل وإن غاب رب البيت وصاحب الخيمة ، يقوم الفتى بواجب الضيافة ولن يتجرأ أحد بأن يقتحم الخيمة وفي قربها يجلس ذاك الفتى وعنده خنجرة إن أخرجها من غمدها لن تعود إليها إلا وهي تقطر دما.
هذا الفتى هوايته الوحيدة الصبايا والغزل العفيف والبريء ، يتحدث مع فتاة لا تضع مساحيق التجميل على وجهها ، ولا تعرف أفكار النسوية ، كل شيء طبيعي هناك.
هو مفتول العضلات ولكنه لم يذهب ل” GYM” يوما واحدا ، وهو عداء بالفطرة ، يقفز مسافات قياسية ، يحسن السباحة ، يسابق الريح والحصان ، يركض خلف الشاة حتى يمسكها ، ويركض خلف الغزلان حتى يصطادها ، ولا يشكو من صعوبة في التنفس وأمراض في أوعية القلب.
إنه يجلس هناك ويراقب من مكانه المواشي وهي تسرح هناك ، يتأمل فيها فهي رأس ماله هو وعائلته ، وسوف يقدم والده بعض النوق عشية خطبة الفتاة له، إنها رأس ماله كما قلت سابقا وإن كانت لوالده.
وأما عن تلك التراب التي وضع عليها عمامته فهي ” Carro-gaduud” ويعرفها أهل Mudug و Hawd. من يعيش هناك وعلى تلك التربة الجميلة فهو من طينة الكرام ومن أعز الرجال وأكثرهم أنفة ووضوحا.
الكاتب: عبدالرحمن راغي علي