فضولاً دلفتُ في الكلاب هاوس، وبقيتُ فيه نحو شهرين متتابِعين، سبحتُ خلال هذه المدة بين غُرفه وقاعاته، تعرفتُ على جُملة عريضة من الأخيار، وكوكبة من خيرة الشباب، رأيتُ شريحة من المُفكِّرين وأسرابا من الدعاة والعلماء، على بُعد بِقاعهم الجغرافية فقد جمَعَهُم الإيمان والعلم والثقافة، قرأتُ مع بَعضِهم عددا من الكتب، وقضيتُ مع آخرين سهرات لذيذة على موائد عديدة من بَين كتابٍ مفيد أو شريط مُعيد أو حوار فريد، لقاءات تجمع بين حلاوة المُدارسة ونشوة المذاكرة، كان هذا في الشهر الأول.
ولم يكن الجو صافيا لهذا المثال الفريد، فقد شوهت فيه عواصف شيطانية يبثها أبناء صوماليون لِسانا غربيون عقلا وموقعا وفكرا، لكن قبل أن أتحدثَ عن هذا الموضوع أودّ أن أُكمل ذكريات الأحداث الجميلة في هذا التطببق إذ تعرفتُ على حسناوات صوماليات إلى الله داعيات، قد بدت على نبراتِ صوتهن أصالةُ المَعْدِن، وعتاقة الموطن، ولكن بُحّة الغيرة قد ليّنت شعورَهن، يألَمن مع آلامِ الوطن، وَجَــــعُهُن يحفر في الجسد آلاما لا تُوصف، وكل ذلك يُوقفك على بعض مشاكل الأهل والوطن.
في الآونة الخيرة اجتاح في الكلاب هاوس أصوات غريبة لِعَدَدٍ من الصوماليين لُغةً الغربيين منطقا وفكرا وهوية، يمشون بخطوات مبعثرة على مناهج متناقضة لِأهدافٍ متباينة تجمعُهم كراهية الحق، رأيتُ حُزمة من الملاحدة مرقوا من العقل تماما قبل مروقهم من الدين الحنيف، ورأيتُ زنادقة يدّعون الإسلام ويدْعُون الناسَ إلى النار، يُصوّبون كل باطل، ويُبرّرون كل انحراف، ويَسلمُ عن لسانِهم إلا صاحبُ الحق، بعضهم يزعم أنهم قُرآنيون، وهم في الحقيقة نكرانيون، وآخرون يقولون نحن لا أدريون ولكنهم يظنون أنهم يدرون فيناقشون ويجادلون فهل رأيتَ جاهلا يزعم أنه جاهل ثم يناظر أهل العلم مناظرة المكابر المعاند!.
صادفتُ في هذا التطبيق أيضا ما هو أغرب من ذلك كله إذ التقيتُ شريحة من المرتدين يزعمون أنهم أصبحوا مسيحيين بعدما كانوا مسلمين، ولكنهم لا يعرفون من الدين الحنيف شيئا ولا من الدين المحرف الذي اعتنقوه شيئا.
أما الفرق المنحرفة من الشيعة والأحباش فقد وضعوا هناك ركابهم، وغيروا في أسماءهم وأهدافهم، يقولون “نرد على الوهابية” فيردون على “الصحابة” ويشتمون الأئمة بمن فيهم أصحاب الصحاح والسنن والمذاهب الأربعة، تراهم يقدسون الأفكار المنحرفة على أشكالها المختلفة ويُزيفون الأحكام الشرعية مع نصوصها الثابتة بدعاويهم المختلقة.
صيحة إنذار:
يَقوم كثيرُ من كرام الدعاة والعلماء في هذا التطبيق بجهود مضنية في سبيل نشر الفضيلة وتوعية شرائح المجتمع القابعة فيه، إلا أنني لاحظتُ أن جهود أهل الباطل في هذا التطبيق كثيرة، ويوجد عدم تنظيم الدعاة من قِبل الدعاة، كما يوجد عدم ترويهم في التصحيح والتصويب في بعض المرات، وعدم تفاني بعضهم في التضحية والنصيحة المطلوبة، فالساحة “شبكة اجتماعية عريضة” لا يكفي أن يوجد فيها شخص أو شخصين أو ثلاثة لِأداء واجب الدعوة، وإن لم يعمرها أهل الصدق والحق فإن أهل الباطل يصولون فيه ويجولون، وبانحرافهم يسبحون ويعومون، وعلى آذن الصغارِ يملؤون ولا يعبؤون.
فليدخل فيه أهل الخيرة
اعداد التقرير: نصر الدين شيخ أحمد طكول