في نهاية شهر يناير لعام (2022م) أعلن مكتب الأمم المتحدة لشؤون الإنسانية المتواجد في الصومال بأن موجة الجفاف التي تضرب الصومال الآن هي الأسوأ على مدار أربعين سنة ، ونتيجة لذلك فأن حوالي أربعة مليون مواطن صومالي تأثروا بالجفاف، وأن حوالي نصف مليون أجبروا على ترك ديارهم، وتلك الأرقام التي أعلنتها المفوضية لا تُقارب الأرقام التي أعلن عنها السيد عبد الرحمن عبد الشكور المفوض الرئاسي الرسمي لملف الجفاف ، والذي قال في مؤتمر صحفي عُقِد في 30 من شهر مايو (2022م)، بأن حوالي 684,766 مليون إنسان صومالي هاجروا من مناطقهم نتيجة الجفاف ، وأن ما يُقارب (6,995,070) تأثروا بشكل مباشر من طول زمن مدة الجفاف، وأن حوالي(9.357.771) من المواشي والثروة الحيوانية مهددة بالنفق وسوء التغذية، كلا التقريران يحملان أرقام مُخيفة جداً، ولأول مرة أشعر بأن تلك التقارير وتلك الأصوات فشلت في نقل الصورة الصحيحة لمستوى الجفاف في الصومال، و لم تستطع أن تكتب أو أن تصف حجم المأساة التي تجتاح البلاد من أقصاه إلى أدناه.
نحن نتحدث عن اقتصاديات أغلقت أبوابها تماماً، وعن خسائر مالية بملايين الدولارات، وعن طبقة اجتماعية كاملة نزلت تحت خط الفقر، وعن ثروة حيوانية مهددة بالفقدان الجزئي، وانخفاض مُخيف لمخزون المياه، وعن تدهور بيئي مقلق، وعن تهديد حقيقي للأمن الغذائي.
والمثير للدهشة والحنق والاستغراب والمدعاة للتساؤل، في ظل تلك الكارثة التي نتحدث عنها، والتي يستطيع أن يُشاهدها ويلمسها كل صومالي على ظهر الوطن، تم في مقابل ذلك صرف ملايين الدولارات على مكتسبات سياسية وعلى مأرب ضيقة دون أدنى اعتبار لحالة الوطن الحرجة ، في مشهد مؤلم مليء بتناقض والازدواجية، وضع البلد كله في دائرة الدول المنكوبة والتي تحتاج إلى مساعدات إسعافيه عاجلة وطارئة.
إن أتخاذ خطوات مرحلية تبدأ بالمرحلة الفورية للحد من التأثير السلبي لموجة الجفاف القاسية تتطلب من الجميع تظافر الجهود على المستوى الشعبي والرسمي، والوقوف بجانب السيد عبد الرحمن عبد الشكور، لمساعدته في تقييم آثار الجفاف وفي تنفيذ الخطط والبرامج الإغاثية للتخفيف أو تقلل من الضغط الاقتصادي، والخسائر البيئية، والمحن الاجتماعية الحالية.
وعلى مدى بعيد وفي ظل تكرر ظاهرة الجفاف في الصومال، تحتاج البلاد إلى الخطط استباقية تبدأ أولاً: في مكافحة الفساد، ووضع نظام مراقبة ومحاسبة العمل الإغاثي على مستوى الأفراد والمؤسسات العاملة في هذا مجال، وتقديم كشوف دورية تظهر بالبيانات حجم المدخولات والمخرجات.
ثانياً :تأسيس مرصد وطني لدراسة الجفاف والتغيرات المناخية، مهمته أرسال إنذارات مبكرة ،وتقديم تنبؤات المحتملة التي تعمل على زيادة قدرة المجتمع على الصمود والاستعداد في مواجهة الصدمات المناخية المستقبلية.
اخيراً موجة الجفاف الحالية في الصومال هي نتيجة طبيعية لعدة عوامل أهمها التغيير المناخ الكوني، ولأجل ذلك وعلى مدى طويل الأمد لن تُجدي سياسات الطوارئ نفعاً ،ما لم نستبدلها بأفكار تُحدث تغييراً جذرياً في طريقة التعامل الرسمي والشعبي مع موجات الجفاف المتوقعة.
د. فاطمة حوش
Post Views: 57