كفكفي دموع الحزن من مقلتيك يا ابنتي، ودع الأقدار تأخذ إنتقامك من الأنذال، شذى عطر شرفك أغلى من كل دنيتي يا ابنتي، لكن ما كل من لبس لبسة الرجال رجل فالذكور في حاراتنا كثر ولكن قلت الرجولة والمروءة في كل هؤلاء وأولئك.
يا ابنتي إني كنت أتساءل لماذا لا يفتي الأشياخ بحرمة ضرب البنات في مدارسنا وخلواتنا من أجل التأديب والتربية وخلال هذا التساؤل تبت من كل مرة رفعت فيها يدي على بنت من بناتي في المدارس، لكن هل كنت أتصور في هذه المعمعة والمعركة النفسية التي خضتها مع ماضيَّ في التدريس وذكرياتي في أروقة الفصول؛ -رغم قلة ما ضربت فيها بنتا- هل كنت أتصور أني أرى تلك النذالة والخسة الدنيئة التي إبتلينا بها في شرفنا وعرض بناتنا وأمهاتنا وأخواتنا.
يا ابنتي إنك عنوان الشرف وسنام الطهر ووسام مرصع بكل معاني العظمة يرفعها أصحاب التقدير والإحترام في كل قرية من قرانا وفي كل مدينة من مدننا.
يا ابنتي هل تجود دمعة بتوفير شرفك وأنا أشاهد كل يوم كيف يتفلت الأنذال من جرمهم بدون عقاب رادع، ولقد كان لي موقف من المغتصبين والإغتصاب من أول يوم شاهدت صورته الشنيعة وظلمته الحالكة وآثاره القبيحة ولقد قلت عن حادثة جلدغب أنه وجب قتل هؤلاء جميعا أو على أقل تقدير بعضهم، ولقد إستغرب بعض الناس هذا القول وقالوا إن الحكم الصادر بحق هؤلاء كفيل بردعهم هم ومن بعدهم، فهل تكفل بردع الأنذال الجبناء يا ترى؟!
إننا يا ابنتي نعيش معا خذلانا من الجهات الرسمية ومن الأعيان ومن كل من له سلطة، وهذا الخذلان هو كالسهام التي كثرت فأصابتنا في كل موضع من الجسد وكأننا كما قال المتنبي قديما :
رماني الدهر بالأرزاء حتى * فؤادي في غشاء من نبال.
فصرت إذا أصابتني سهام * تكسرت النصال على النصال.
ولو كان يا ابنتي سهما واحدا لكفت بصده تروسنا أو حتى صدورنا، ولكن هي كثيرة بكثرة الأنذال فاقدي المروءة والشرف في هذه المعمورة قال الشاعر وهو يشتكي من كثرة الرامين عليه :
ولو كان سهما واحدا لاتقيته * ولكنه سهم وثان وثالث.
لا. بل هناك رابع وخامس وحتى ألف من تلك السهام الأثيمة الظالمة التي لم تفرق بين البنت وأمها ولا بين حائل وحامل وكيف يفرقون؟
هل رأيت ضبعا رحيما أو ذئبا للأخلاق والمكارم راعيا، هل رأيت عجلا له حس وذوق قبل أن نطالبه بتحكيم الضمير وهل الحس والذوق أصلا إلا من ثمار الضمير والخُلق السوي يا ابنتي؟ كل من تراهم نزعوا من زمان سلطة العقل وطرحوا ثوب المروءة والرجولة فهم ذئاب في مسالخ بشر وشر مستطير ترجل في صورة بشر في أسواق الناس.
يا ابنتي إنني يتلعثم لساني وويتبعثر الكلام في فمي وتغرورق عيني بدمعها كلما أرى إبنتي تدمع عيناها وأكاد أذوب في حزن فأنتن بالنسبة إليَّ عين يجب أن تكحل بأغلى أنواع الكحل وأذن من المفروض أن نُسمعها زغاريد الحب وأغاني المدح والشكر وأعناق يجب أن نعلق فوق جيدها الجوهر النفيس والزبرجد الغالي والذهب البراق وعقل يجب أن يمتلئ بالعلم وعاطفة يجب أن ترتوي من جميل القول الذي يصدر من عاطفة الأبوة الرحيمة أو من حب الأخ العطوف أو من مروءة البعيد من الرجال فجميل القول صدقة ما تعادلها صدقة.
يا ابنتي فيكن قال حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم: ( من ابتُلى من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهن كنّ له ستراً من النار) فأنتن ستر يوم القيامة من النار وفي الدنيا ما أكثر ما تقمن به من أعمال ينوء بحملها أقوى الأقوياء، وهل يوجد رجل لم تكن من أسرار نجاحه إمرأة في دنيانا، فحتى حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم كانت آمنة وحليمة ثم بعدهما خديجة رضي الله عنها التي أطلق عام وفاتها بعام الحزن، وما كانت حادثة الإسراء والمعراج إلا لفتة المواساة الربانية لحبيبنا حين فقد ظهيره وسنده خديجة رضي الله عنها التي قال في الدفاع عنها بعد سنوات وسنوات:( والله ما أبدلني الله خيرا منها، آمنت بي حين كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بما لها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء) هذا يا ابنتي وفاء الرجال حين تصطبغ في أنفسهم الرجولة الحقة والمروءة وفوقهما الدين الذي يزرع تلك القيم، لكن قيمنا ماتت ورجولتنا أصبحت دلوا فارغا يتغنى بالقوامة ولا يرى إلا روح التسلط والسفاقة فأنتجنا مثل هذه النكرات التي تغتصب الأمهات وتسحلهن في وضح النهار كأنها جيفة قذرة، هم حقا جيفة المجتمع فظنوا الأمهات جيفا.
وقال أيضا حبيبنا: ( من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو ـ وضم أصابعه).
مرة أخرى يا ابنتي من وقف إلى جانبكن لم يكن له جزاء إلا أن يزامل سيد الخلق وحبيب الحق في الجنة والحديثان صحيحان وردا في أصح كتب السنة وأشهرها على الإطلاق بخاري ومسلم.
يا ابنتي لست هنا لأبين شرف الأنوثة ولا مقدار عطاءها فهذا ما لا أستطيع الإيفاء به حتى لو وهبت قدرة كتابتها في مجلدات كبيرة ولكن ويا صعوبة لكن؛ لكن أتساءل أين نحن اليوم من شرف الإسلام الذي أمرنا بالإحسان إلى المرأة؟ أين نحن من ( رفقا بالقوارير) أين نحن من( ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم ) هل كثر فينا اللئام والساقطون ومن لا عهد لهم لا بإسلام ولا شرف حتى إن الشاعر الجاهلي قبل الإسلام إتصف بالمروءة ولم يتسور على الجدران لمجرد أن ينظر حليلة جاره مقدما شرفه وسؤدده ومروءته من كل لذة لا تغني ولا تنفع فقال :
وأَغُضُّ طرفي ما بدَتْ لي جارَتي * حتى يُواري جارتي مأْواها
إني امرؤٌ سَمْحُ الخليقة ِ ماجدٌ * لا أتبعُ النفسَ اللَّجوجَ هواها
فما بالهم اليوم يغتصبون أمهاتهم وأخواتهم مع ما يقرأ عليهم من روائع الدين وقيمه السمحة وأخلاقه العالية؟ إننا في عالم ماتت قيمه وإن تفاخرت كائناته بأنها غزت الفضاء أو صنعت المعجزة في التكنولوجيا فوالله إن الإنسان فيها خراب لا روح فيه ولا ضمير وما أروع شيخنا القرضاوي حين قال في قصيدته المسلمون قادمون فقال يصف هذا العالم وتقدمه المزعوم :
المسلمون قادمون:
يحملون رحمة الله لوصل الأرض بالسماء
ففي يد قارورة الدواء.
وفي يد مصابح الضياء بالظلماء.
ومعهم مضخة الإطفاء.
وتحتهم سفينة الإنقاذ في الأنواء.
للبشرية التي ترجع للوراء.
لقد غزت بعلمها الأقمار في الفضاء.
وانتصرت به على الطبيعة الصماء.
فليتها قبل غزت أنفسها بالحب، بالعطاء.
وانتصرت على الهوى والكبر والبغضاء.
وأسعدت إنسانها في الأرض قبل البحث في الأجواء.
يا ابنتي لا أعرف ماذا أقول لكن عبرك أعلن للعالمين أنني لو وكلت في يوم من الأيام – والله أعلم بمصائر الأمور – لأمر من الأمور العامة لن يجد المغتصبون عندي إلى قطع رؤوسهم بالصمصام والسيف الصارم المصقول وهذا عهدي لك ولكل أخت وبنت وأم وخالة وعمة وزوجة فما لا يزعه الله بالقرءان يزعه بالسلطان كما قرر ذلك الخليفة الثالث رضوان الله عليه.