عندما ندير عجلة الزمن إلى ما قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في البلاد في مايو 2022، والتي انتصر فيها فخامة الدكتور حسن شيخ محمود الرئيس الحالي للصومال على الرئيس السابق محمد عبدالله المعروف ب (فرماجو)، وإذ نمعن النظر في شعار حملة الشيخ محمود (صوماليون متصالحون فيما بينهم ومتصالحون مع العالم) نجد في شقه الأخير رسالة موجهة لجمهور خارج حدود دولة الصومال. تتضمن تلك الرسالة رؤية مستقبلية للسياسة الخارجية والتمثيل الدبلوماسي لدولة الصومال اثناء فترته الرئاسية.
وبعد مرور أكثر من عام على تولي الرئيس محمود سدة الحكم، يتسائل المراقبون عن سبب تأخر تعيينه رؤساء البعثات الدبلوماسية، أولى خطوات حملتة لتحقيق أهدافها واستراتيجياتها الخاصة بالسياسة الخارجية.
كفاءات مهنية ام تعيين سياسي
يتم تعيين سفراء الدول للقيام بمهام واضحة منها حماية رعايا الدولة وتوطيد العلاقات بين بلده والدولة المضيفة لديها وتعزيز التعاون على جميع الأصعدة.
وحينما نتحدث عن الأنظمة المعمول بها حاليا في اختيار السفراء، فإن معظم دول العالم تنتهج طريقتين الأولى اختيار أصحاب الكفاءات والأخرى تعيين المقربين من الرئيس والداعمين له أثناء حملته الانتخابية المعروف ب Friend and Neighbours.
عودة الحكومة
نشبت في الصومال حرب أهلية في تسعينيات القرن الماضي بعد ربيع ثار فيه شعبها ضد حكم الرئيس الراحل سياد بري.
وبعد مرور تسعة أعوام أعلن عن انعقاد مؤتمر مصالحة وطنية في مدينة عرته، بجيبوتي، أنتخب فيها عبد القاسم صلاد والذي لم يكتب له النجاح، تلاه مؤتمر إمبغاتي عام 2001، قادته فصائل معارضه في كينيا بعد فشل الأول.
وفي عام 2012، أقيمت أول انتخابات رئاسية داخل الصومال، أختير فيها الرئيس الحالي حسن شيخ محمود في اقتراع غير مباشر.
الحل عند الحليف
يعاني الصومال من أزمات مختلفة ويستحيل عليه الوقوف وحيدا في ظل ما يشهده العالم من تغييرات سياسية واقتصادية.
ولتذليل تلك العقبات يحتاج الصومال إلى دعم خارجي من حلفاء وشركاء استراتيجيين. لتحقيق ذلك يعمد الرئيس في الصومال فور توليه الرئاسة، كسائر الدول الأخرى، تعيين سفراء جدد يحملون رسالة الإدارة الجديدة لتنفيذ سياساته الخارجية وترجمتها على أرض الواقع.
تبدأ إجراءات عملية اقتراح تعين السفراء من وزارة الخارجية، حيث تبعث الوزارة بأسماء من تراهم مناسبين بأن يشغلوا منصب السفير، وترفعه لعناية مكتب رئيس الوزراء، ليعرضه على مجلس الوزراء للاعتماد والتصديق عليه أو عدمه، بعد ذلك يرسل مجلس رئيس الوزراء أسماء السفراء لمكتب الرئيس، وكخطوة أخيرة يصدر الرئيس أمر التعيين.
ولعل عدم وجود سياسة خارجية تحدد أهداف الدولة تجاه الدولة المستضيفة يستعين بها السفراء تعد معضلة أخرى سيواجهها هؤلاء السفراء بعد تعيينهم بجانب هذا التأخير.
فمثلا يحتاج الصومال للتغلب على الفكر الإرهابي بالاستعانة بتجارب المراكز التي تحارب هذا الفكر الضال، ففي المنطقة العربية مثلا يوجد المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال) في المملكة العربية السعودية، ولو لم يكن هذا الهدف واضحا في السياسة الخارجية الصومالية فلن ينجح السفير الصومالي الذي سيتم تعينه لدى الرياض في تحقيق مهامه.
تأخير التفويض
يتسائل كثير من المراقبين عن سبب تأخير الرئيس محمود عن إرسال سفراء يحملون رؤية الدولة بعد قرب انقضاء نصف عمر فترة حكمه.
أعلن الرئيس عبر فيديو على صفحة مكتبه في الفيسبوك حربا يشنها ضد حركة الشباب الإرهابية الموالية للقاعدة، متوعدا القضاء عليها ومحو الإرهاب عن البلاد. ومنذ أكثر من ٥٠ يوما يتخذ الرئيس مكتبا له في مدينة دوسامريب في إقليم جلمدغ؛ لكي يكون قريبا من مناطق الاقتتال. ويعتبر كثيرون انشغاله بإدارة الحرب ضد الإرهاب عتم عليه رؤية أهمية البعثات الدبلوماسية في تحقيق هدف القضاء على الإرهاب.
من سلبيات هذا التأخير تشوه صورة السياسة الخارجية. ففي 22 مايو قدم سفير الصومال في الرياض استقالته بعد تعرضه اثناء انعقاد القمة العربية ال32 في جدة لسلوك من وفد الصومال المشارك في القمة اعتبره خارجا عن البروتوكول الدبلوماسي كما جاء في ورقة استقالته.
وفي خلال العام الجاري اعتذر سفير الصومال لدى روسيا عن عدم مقدرته مواصلة عمله هو الآخر مرجعا السبب إلى عدم استلامه استحقاقاته المالية الشهور الماضية كما جاء في خطاب بعثه للادارة الحالية.
وفي شهر مارس 2023 قدم سفير الصومال لدى الدوحة ورقة استقالته بعد أن تم استدعائه للتشاور في وقت كان الرئيس حسن شيخ محمود يزور الدوحة.
حلول
يمكن للصومال أن تستعين ببرامج وأنشطة تقوم بها دول حليفة كتركيا مثلا حيث تعتمد هذه الدولة إلى إقامة مؤتمرات السفراء كل عام لمناقشة القضايا التي تهم الدولة، تعدل فيها الاستراتيجيات، وتحدد فيها أولويات السياسة الخارجية.
وفي مثل هذه اللقاءات تنبثق رؤى جديدة تسعى لتطوير السياسة الخارجية للبلاد في ظل التغيير المستمر للسياسة والاقتصاد في العالم.
لا شك ان سبب إنشاء الحقائب الوزارية والوظائف الأخرى في الدولة يعود لمساعدة الرئيس في إدارة الدولة، والقيام بمهام تنفيذية تساعد في تحقيق رؤية الدولة المستقبلية، سواء كانت موجهة للداخل ام للخارج. فعلى الرئيس أن يوكل ويفوض الوزراء كل حسب المهام الموكلة له لكي تتم الاستفادة من الجميع بالتزامن.
وأخيرا، يجب أن لا يتحول قطار الديمقراطية الذي قال الرئيس بعد فوزه في الانتخابات أنه يسع الجميع إلى قطار استبدادي تتم قيادته من طرف واحد دون الرجوع إلى الآخرين.