لثلاثين سنة ظلت هرجيسا تبحث عن المحافل الدولية والعالمية اعتراف منطقة شمال الصومال كدولة ذات سيادة وكيان مستقل عن جنوب وشرق الصومال، فهل سلكت هرجيسا لإرادتها طريقا سالكاً أم أخذت تتعرج في إعوجاجات غير لائقة.
أديب معروف يعتنق الفكر الإرهابي:
خليف نغيي الأديب المعروف في ملتقيات الأدب الصومالي، والمذيع السابق في إذاعة هرجيسا والمدرّس بالمواد السياسة والصحافة، في أشهر جامعات هرجيسا والذي عاش ودرس وتعلم في هرجيسا ثم في إثيوبيا، بعيداً عن الأفكار المنحرفة والعنيفة، وتمتع بحياته أمناً واستقراراً، ينتقل الى مقديشوا 2017 ويشغّل سنة 2018 منصب مدرّس ثم مدير قسم في الجامعة الوطنية الصومالية كلية الصحافة والإعلام، الجامعة الاولى في الرقعة الصومالية[1]، وهو منصب لا يكون من نصيب كل مدرّس صومالي.
ينشر 13 أكتوبر تشرين الأول 2023 كتاب سماه <dibad wareeg> يكون بالترجمة الحرفية <المشرد> يؤيد به حركة الشباب الخارجية الإرهابية ويسمي بها المجاهدين ليعلن بقلمه إنضمامه للحركة، وينتقل الى مدينة جلب حاضرة محافظة جوبا الوسطى، ثم يعاود الظهور 13 يناير كانون الثاني 2024 ليأكد إنضمامه ويعطي تصريحاته إذاعة الفرقان وهي إحدى إذاعات حركة الشباب فما الذي حمَّل على إنسان متعلم ومثقف وله مكانة مرموقة وشهرة لا بأس بها وسط المجتمع بإعتناق فكرة منحرفة حين لم يحصل انضمام أي جنوبي او شرقيّ بمنصبه ومكانته ممن ترعرعوا وسط الفكرة المنحرفة على الحركة الإرهابية متفاخراً وممنوناً من أعمال الحركة.
هل القناعة مَن أودت الى خليف إلى وديان الحركة أم في الأمر “إنّ” خليف لم يكن أول حالة، حيث أعلن نظام صوماليلاند 14 مارس آذار 2022 انتقال الشيخ آدم عبدالرحمن ورسمى والمشهور بـ”آدم سنّة” وعائلته الى مدينة جلب وهو من كبار شيوخ وشخصيات مدينة هرجيسا[1]، وهو بعد فترة تحدث مع القنوات الإخبارية وأكّد إدّعاء دائرة أمن صوماليلاند وصرّح بإعتناقه وإيمانه حقية حركة الشباب[2] المصنفة عالميا حركة إرهابية ومعترف بها داخل الصومال بحركة خارجية، وهي حركة تأسست بعد إدارة المحاكم سنة 2007 ويمكن القول أنها ولدت من رحم المحاكم واستولت على الحكم ولم تقدم في الساحة غير الدم والخراب والدمار.
بعد مكافحة الحركة الإرهابية الخارجية قرابة عقدين يقرر شيخٌ مارس المحاضرة وقرأ النصوص الدينية وألقى المحاضرات عن حرمة الدماء والإبتعاد عن الدمار والإتلاف بشتى أنواعه، الإنتماء الى اخطر تنظيم في الأراضي الصومالية، ويسافر من هرجيسا اقصى شمال الصومال الى جلب أقصى جنوب الصومال.
يبرر شيخ آدم سنّة بإنضمامه أنه فضّل الحياة في كنف حركة الشباب الإرهابية بدل أن يعيش في ظل نظام صوماليلاندي الذي لا يراعي أحكام الله وتطبيق شرع الله على أمة مسلمة فهل هذا تبرير مقبول من شيخ عرف مسيرة الحركة الدمائية، اي تطبيق اسلامي ذاك الذي يشرّع تفجير قرابة 600 مدنيّ مرة واحدة هل يؤمن حقاً أن الغاية تبرر الوسيلة خلافا للقواعد الفقهية الإسلامية.
والغريب أن هروب الشيخ الى الحركة الإرهابية أتى بعد تحقيقات عدّة وسجن أكثر من مرة بيد قسم الأمن في مدينة هرجيسا متهمين به تطرّف فِكري فكيف إذا إستطاع الشيخ المتهم بشدود فكري ومراقب من قِبل الأمنيات أن يخرج هو وعائلته أولاده وزوجاته في وضح النهار وبكل اريحية ليسافر على أجوء هادئة من هرجيسا شمال البلد الى جلب جنوب البلد ويقطع هذه المسافة بلا إنتباه.
تزامن إعلان الشيخ على إرهابيته إدانات عدّة وجهه الشعب الصومالي الى هرجيسا عن تغذيتها للفكر الإرهابي وتمويلها له، وسردوا لإدانتهم حقائق وأسباب محتمله فهل ياترى للدخان نار.
قُبيل انتقال شيخ آدم سنّة من هرجيسا الى معسكرات حركة الشباب، زار الملك الملقب” “buur madaw وهو ملك أكبر قبيلة من قبائل هرجيسا وبرعو الى مقديشو ولقيَ ترحيباً حاراً من جمهور مقديشو كونه من محافظة قررت انفصالها من مقديشو ويؤمن هو بالوحدة، في خطبته يوم استقباله قال في حشد غفير “في الجنوب حكومتان الحكومة الطاهرة للعيان والتي يديرها الصوماليين بكل قبائلها وشرائحها، وحكومة محتكرة لنا إداريا وتنفيذياً” ورغم غضب أهل مقديشو عن رعونة واللإنسانية تصريح الملك إلا أن قوله لم يأت من فراغ ففي كل حِقب حركة الشباب أكثر قبيلة ترأست التنظيم قبيلة الملك، وفي المقابل لم يسجل في الشمال الصومال حيث تعيش عوائل قادة الحركة الإرهابية أي أعمال عنيفة وإرهابية، وقد اعترف الملك في إحدى لقاءاته أنه عزّى أحمد غدني بعد مقتله الأمير السابق لحركة الشباب[3] وهذا لوحده يستدعي الإستفهامات.
هنا لا يمكن أن ننسى إشارة الحالة المفزعة التي دخلها البلد يوم 26 يوليو تموز 2016 إثر تفجير أحد نواب مجلس البرلماني نفسه وهو صالح إسماعيل[4]، أمر غريب أن يفجر نائب برلماني وسط حشد ممن يمثلهم وكان صالح يمثل محافظة غرب الشمال الصومال هرجيسا، ترعرع ودرس هناك ثم ترشح ودخل البرلمان من مدينة هرجيسا، لم يعرف مجتمع الصومال هل كان يمثل هرجيسا في الحكومة المركزية الصومالية أم كان يمثلهم في الحركة الإرهابية، لم يحدث حالة مشابهة لحالة النائب قبله ولا بعده.
سألتُ سيدة فضّلت عدم ذكر اسمها وهي سيدة من شمال الصومال عن الإدانات المتواترة من الشعب الصومالي كون هرجيسا تمول الحركة الإرهابية، تقول: أؤمن أن إدارة صوماليلاندي لها علاقات وثيقة مع التنظيم الإرهابي في الجنوب، فحين أنظر الى وضع ولايات الصومال وكونها مهددة من قِبل حركة الشباب عدا صوماليلاندي يزاورني القلق عن التمييز التي تتمتع بها المنطقة وأخشى أن يكون تحت الطاولة اتفاقات مقلقة بحق الشعب الصومالي المنكوب.
تضيف السيدة: أن من غير المعقول ان لا تتأثر صوماليلاند ظاهرة موجودة في جميع نواحي الصومال بل ويتأثر بها الدول المجاورة مثل كينيا وإثيوبيا وهذا يسبب القلق ويستدعي الى تسائلات غير بريئة.
وتقول هدن آدم وهي طبيبة ناشطة في مدينة لاسعانود التي خاضت مع صوماليلاند النظام القائم في بعض محافظات شمال الصومال صراعاً هائلا إستمر لتسعة أشهر وراح فيه قرابة سبع مئة ضحية بين قصف ورصاصة النظام : بين صوماليلاند والحركة الإرهابية تعامل وعلاقة واضحة وصريحة، وفي السنوات الأخيرة لا تهاب صوماليلاند ولا تخفي روابطها مع الحركة، فحين يهدد كبير من كبار ساسة هرجيسا مقديشو ويقول ” لو لم تعطي مقديشو هرجيسا اعتراف سيادتها فإن مقديشو لن تهدأ ولن يتوقف نزيف الجنوب ما لم تعترف إنفصال الشمال، وتهديد سياسي معتبر بملء فمه ليس هباءاً فهو حين يهدد يعرف شيئاً ما، ويستطيع تنفيذ ما يهدد به، لا أحد يقول علناً ما لا وسع له.
تضيف آدم: صرّح مرة السياسي فيصل عبد ورابي، رئيس أحد الأحزاب السياسية في صوماليلاند أن القتل المدبر والإغتيالات المتكررة في لاسعانود لن يتوقف لو لم تقبل محافظة سول وحاضرتها لاسعانود إستعمال نقود صوماليلاند المختلفة عن نقود الصومال والمطبوعة في هرجيسا كون صوماليلاند من طرف واحد تعتبر نفسها مستقلة عن باقي الصومال وهو شيء لم يقبله شعب لاسعانود يوماً لهذا استمر القتل والوأد الى أن ثار الشعب وقرر أن ينقذ لاسعانود من هيمنة حلفاء الإرهاب كما وصفهم الشعب أكثر من مرة، والحق يقال من يوم 26 دسيمبر كانون الاول 2022 وهو اليوم الذي بدأت الثورة الزرقاء والتي كان ثمرتها خروج نظام صوماليلاند اجباراً من المحافظة ونواحيها الى الآن لم يحدث ولا حالة واحدة من اغتيال وقتل مجهول الهوية علما ان الإغتيال كان حديث عهد في المدينة فقبل النظام الإنفصالي لم يسجل اي حادثة قتل مجهول الهوية وهذا يعطي للعقل جواب واحد.
في المدن الاقتصادية في الصومال تتكرر حوادث طمع حركة الشباب في اخذ الإتاوات وما يسمونها بزكاة المال، ففي السنة 2023 فجرت حركة داعش الإرهابية ثلاثة محلات تجارية في بوصاصو مدّعية ان ملّاك الشركات لم يقبلوا دفع الزكاة وبوصاصو لها مع بربرة ممر بحري لكن لا تسجل بربرة أي تهديد ولا تنفيذ إرهابي.
وتقول عائشة دلمر: كما يبدوا العنف يُزرع في الشمال لينبت في الجنوب، في ايام التي كانت تقصف صوماليلاند مدينة صومالية وتقصف المستشفيات والمساجد وبيوت الناس قالت السيدة الأولى السابقة لصوماليلاندي والسياسية أدنه آدم وهي دكتورة نسائية: “لا بأس بهدم مدينة لاسعانود غداً سنبني أجمل منها”.
تضيف دلمر: هذا كلام لا يقبله قلب إنسان بقي فيه احساس وشعور بإنسانيته، إذا اقتنعت ببناء البيوت فكيف ستعيد روح الأم التي ماتت وهي على مشارف الولادة بمدفع استهدف غرفتها في المشفى قصداً وليس عشوائيا.
هوامش:
[1] https://www.facebook.com/share/v/eiRHez8SHxTcvbCj/?mibextid=w8EBqM
[2] https://www.facebook.com/share/5ZDaULftJKj2cety/?mibextid=w8EBqM
[3] https://www.facebook.com/share/fdyzoQFpjV4LJNjC/?mibextid=w8EBqM
[4] https://www.facebook.com/share/e7ew5B4A5Kysdzwo/?mibextid=w8EBqM
[1] https://www.facebook.com/share/4XtHgFJQM7jBwB5U/?mibextid=w8EBqM