الانقسام وعدم التعاون كان سمة من سمات التيارات الدينية في الصومال سواء في قسمه التقليدي (الطرق الصوفية) أو الصحوي (التيارات الصحوية)، ومنذ عقود برزت تجربة هذا المشكلة المريرة في أبريل 1991 عندما سقطت الدولة الصومالية ودخلت البلاد إلى فوضى عارمة، وأصبح هبَّةُ العقلاء والنخبة إلى إنقاذ المجتمع أمرا لا مفرّ منه وواجبا وطنيا.
وقد تطوع كبار علماء الصومال آنذاك وسعَوا إلى إنشاء مَجْمعٍ للعلماء يضمّ كافة التوجهات والتيارات الإسلامية الصحوية والطرق الصوفية، ولكن بعد فترة انفضَّ كل تيار عن المجمع شيئا فشيئا، وما بقي فيه بعد سنوات إلا الشيخ محمد معلم وبعض الموالين له وبعض المستقلّين.!!
هذا التشرذم أو إقصاء الطرف الآخر بقي موجودًا في عقل كل من يريد تأسيس مؤسسة دينية أو خدمية ذات جذور دينية…
المعاهد الشرعية ذات الطابع النظامي أصبحت نسخة متطورة من حلقات المساجد، وأمسى الخريجون منها يتطلعون إلى مستقبل تعليمي أفضل من تنمية قدراتهم المهارية والمعرفية والعصرية والتحاقهم بالجامعات والدراسات العليا خاصة القسم الشرعي.
كثرت هذه المعاهد، وأصبح كل تيار ديني يمتلك معاهد شرعية، من هنا جاءت مباردة توحيد جهود تلك المعاهد الشرعية وأنظمتها التعلمية وتعاملها مع المؤسسات الرسمية.
أصبح التوحيد ضروريا عندما توجّه المجتمع الصومالي إلى الخروج من الفوضى إلى القبول بالدولة، وتقوية المؤسسات الحكومية ومحاسبتها للقطاع التعليمي الخاص، ومراقبة جودة تعليمها، وتنظميها وتوحيد كيانها.
هذا الاتحاد الذي أعلن يوم الأربعاء الماضي 17 رمضان 1445 الموافق 27 مارس 2024م لتضم المعاهد الشرعية التي تنتمي إلى التيارات السلفية بأنواعها والإخوانية والصوفية، وقد اعترفت كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة الأوقاف والشؤون الدينية به كممثل رسمي عن المعاهد الشرعية.
إن الحوار والتعاون واحترام رأي المخالف لهي سمة أساسية من سمات التعايش والتطور والرقيّ وسعة أفق المجتمع، وكلّما انغلق المجتمع على نفسه وألغى ما سواه كان أكثر ميلا إلى التدهور.
نشكر كل من سعى إلى إنجاح هذه الفكرة التي استمرت زهاء عام كامل، وسهروا الليالي وعملوا الأيام إلى إنشاء اتحاد المعاهد الشرعية في الصومال.
كما نرجو أن تستمر هذه الجهود وألا تتسرب هذه التعصُّبات وضيق الأفق إلى داخل هذا الكيان، وأن تجتهد المؤسسات الحكومية في تطوير هذا القطاع الذي كان مهملا منذ عقد فأكثر.