قبل بضع سنوات نشرت مقالا بعنوان “من أين الخلل من الدعاة، أو المدعوين” في مدونة الجزيرة، وبما أن الداعي اللبق يتعاون مع المدعو برفق ولطف، كتعامل الطبيب مع المريض، إلا أنه يظهر للعيان ماحلّ بأمتنا الصومالية من خلل على يد الجماعات المستوردة التي جعلت الرابطة العضوية محل رابطة الآخوة الإسلامية التي تشمل الجميع بلا استثناء، والحب والبغض في الولاء والانتماء الحركي لا في الله عزّ وجل، فهل الخلل من المجتمع الصومالي المتدين بالفطرة،؟ الذي لم تلوثه حياة التمدن أصلا، أم من الداعي الذي نقل جراثيم بيآت أخرى باسم التديّن عن جهل أو تجاهل؟.
ولو ضربنا مثلا كان العلماء القدامى يداوون المرضى بالقرءان والرقية الشرعية ويتقاضون رسوما زهيدة باسم البركة، فجاء دعاة الصحوة فافتوا بحرمة أخذ الأجور بالتداوي في القرآن، ففي بداية أمرهم-وليس اليوم- كانوا يقرأون القرآن مجانا على الناس، ولا زلت أتذكر الليلة التي مشينا من مسجد العرب في بلدوين الى أحد بيوت الجيران وقرأنا ختمة من القرآن على مريض مسّه الجانّ،ولم نشرب شربة ماء حتى لا نقع بالإثم والمعصية، بينما العرف الصومالي على عكس ذلك بعمل وليمة بعدها يتمّ قراءة القرءن والدعاء للمريض.
وأغرب من ذالك ما يشاع من التهم والسخرية على العلماء المتخصصين بالطب الروحاني او الشيوخ المستجابي الدعوة حسب العرف الصومالي ، فذات يوم في بداية 1992م في مدينة بلدوين تعسرت ولادة زوجة أحد دعاة الصحوة، فحزن ولم تكن هناك عملية الولادة القيصرة في المستشفيات ، فأشار بعض الجيران إلى الذهاب إلي الشيخ الفلاني الحسنيّ وكان مستجاب الدعوة فذهب إليه ، فقال الشيخ الخطب سهل، فقرأ بعض الأيات القرآنية والأدعية على خيط، فقال للزوج : اربطها ببطن الزوجة فستلد سريعا بإذن الله، فلما ربطها جاء ها المخاض فولدت بسهولة ، حينها كثر القيل والقال والاستفسارات عن ماذا قرء الشيخ على الخيط؟ فرجعوا إلي الشيخ فاستحلفوه أن يخبرهم فقال: “الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكررت قوله تعالى ” ففتحنا أبوب السماء بماء منهمر ” فافحمهم ،حيث لا كهانة في الرقية،
لقد تعرضت ثقافة أهل الصومال إلى هجمة شرسة من قبل دعاة الصحوة الذين أرادوا ان يهدموا مابناه السابقون من أهل العلم والدعوة ليخلو لهم الجوّ،بدل أن يكملوا الناقص لتتكامل الجهود وتتشابك الأغصان إلا أنّ الجديد شديد و العاطفة عاصفة إن لم يعصمها العلم والخبرة،
إن المراجعات الفكرية واعتراف الأخطاء والنقد الذاتي من سبل نهوض الأمم و ارتقاءها،
وشكرا للشيخ إبراهيم طيري بصحوته وصيحته ومراجعاته ونرجو من الآخرين أن يحذوا حذوه ويسجلوا مراجعاتهم وخواطرهم في هذا المجال، ويعتذروا علنا ما بدر منهم أيام عنفوان الشباب،
أما في الجانب السياسي فالكوادر التي تخرجت من حضن الجماعات الإسلامية سواء من المساجد أو الكليات الشرعية فقد أصبحوا أكثر فسادا من غيرهم عند تولى الوظائف والمناصب الحكومية بل في جمعياتهم والهيئات الخيرية كثر النصب والاحتيال إلا القليل،” وقليل ماهم” ، إن شهوة السلطة والمال والانتصار للنفس حلت في قلوبهم والمشكلة أنّ التزكية غير التربية والتعليم فلا بد من نشر التزكية وعلم الزهد والرقائق في صفوف المتعلمين كما انتشر علم اللغة والفقه والتوحيد، فقد أخبرني متابع للأمر أن النواب الذين رفضوا شراء أصواتهم واستسلام الدولارات أيام الانتخابات كانوا من أ نصار جماعة التبليغ وبعض المغتربين ،أما الجماعات الآخرى فكان منهم الراشي والمرتشي وإلى الله المشتكى وعليه التكلان،
وختاما: على القادة والعلماء أن يقوموا بالتغيير في أساليب الدعوة وكيفية الخطاب وفي تزكية أنفسهم قبل أن يقوموا بدعوة الآخرين انطلاقا من قوله تعالى “أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ”