مقديشو- قراءات صومالية- تقول المسؤولة في “أوكسفام” إن مناطق شرق أفريقيا وغربها الأكثر معاناة من خطر المجاعة، لكن الأمر يمتد هذه المرة إلى الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، وقد ينتشر أكثر وأكثر إذا لم يتم التعامل مع الأمر بالجدية المطلوبة
دقّت مسؤولة أفريقيا في مؤسسة “أوكسفام” بارفين نكالا، ناقوس الخطر محذّرة من أن المجاعة الناجمة عن أزمة الغذاء العالمية لن تبقى هذه المرة حكرا على الدول التي تعوّدت أن تعيش سيناريو الجوع، بل ستصل لدول جديدة خارج القارة الأفريقية.
وتسود العالم حالة من القلق بسبب الأزمة الناجمة عن صعوبة الحصول على المواد الغذائية، ما جعل عددا من الدول تعاني من الجوع وأخرى باتت مهددة بالمجاعة فعليا.
وتكشف المسؤولة في “أوكسفام” (أكبر اتحاد دولي للمنظمات الخيرية يركز على الإغاثة والتنمية في العالم) عن خريطة الجوع المتوقعة خلال العام الجاري والسنة المقبلة. وفي هذا الحوار مع الجزيرة نت، تحدثت عن الأسباب التي أدت لعودة شبح المجاعة وبقوة.
هل يقف العالم أمام مجاعة عالمية فعلا؟
نحن أمام وضعية مقلقة لحالة من المجاعة العالمية؛ فهناك الملايين من النساء والأطفال يتجهون حاليا إلى وضعية الجوع الحاد، ففي منطقة شرق أفريقيا خاصة نحن نتحدث عن 25 مليون شخص يعانون من المجاعة.
وفي الوقت الحالي هناك العديد من الدول التي تعاني بالفعل من المجاعة لكن لم يتم الإعلان على أنها دول تواجه هذه الظاهرة. والتحركات بطيئة من أجل إنقاذها وكأن البعض ينتظر مشاهدة الأطفال وهم يموتون جوعا على شاشات التلفاز حتى يتم التحرك لإنقاذهم.
بالعودة إلى التاريخ، ففي سنة 2011 مات الآلاف من الأطفال بسبب الجوع قبل أن يتم الإعلان عن المجاعة في الصومال ولا نريد أن نكرر نفس الخطأ هذه المرة، وحاليا هناك دول حاليا تعاني من مجاعة حقيقية، مثل الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا.
ما خريطة المجاعة المتوقعة؟
في شرق أفريقيا، هناك العديد من الدول التي تعاني من مظاهر المجاعة أو خطر وقوعها مثل كينيا وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان، ونعلم أنه في غرب القارة أيضا هناك حوالي 7 ملايين شخص يحتاجون للطعام ويعانون من الجوع.
وزادت الحروب والصراعات المسلحة من تعقيد الوضع، خصوصا مع الحرب الأوكرانية التي كان لها تأثير فوري على إمدادات المواد الغذائية في العالم.
وعلى سبيل المثال فإن 90% من ورادات القمح في شرق أفريقيا تعتمد على السوق الأوكرانية، والحرب الحالية جعلت ثمن هذه الحبوب في دول تلك المنطقة يتضاعف، وهو ما يجعل الملايين من الناس غير قادرين على توفير الغذاء الضروري.
وإذا كانت مناطق شرق أفريقيا وغربها الأكثر معاناة من خطر المجاعة، فإن الأمر يمتد هذه المرة إلى الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، وقد ينتشر أكثر وأكثر إذا لم يتم التعامل مع الأمر بالجدية المطلوبة.
ما الأسباب وراء هذه المجاعة؟
هناك أسباب آنية مثل الحرب الدائرة حاليا في أوكرانيا والتي تسببت في أزمة غداء عالمية، والتي تعاني منها الدول الفقيرة أكثر من الغنية.
أما السبب الثاني فهو التغيّر المناخي، حيث تعاني الكثير من الأراضي الزراعية من التصحر، إضافة لموجات الجفاف الطويلة وارتفاع درجات الحرارة، وكلها عوامل أسهمت في تراجع الإنتاج الفلاحي في عدد من الدول الأفريقية على وجه الخصوص.
أما السبب الثالث فهو وباء كورونا الذي خلّف أزمة عالمية في توريد المواد الأساسية، وكنا نمنّي النفس بالتعافي منه تدريجيا لكن الحرب أظهرت أن التعافي لن يكون قريبا، وهذا عقّد مهمة الحكومات في الدول الفقيرة.
هل تقوم الدول الغنية بأي جهود لمساعدة الدول الفقيرة؟
في الوقت الحالي يجب على الدول الغنية أن تقوم بالمزيد، وهذا لعدة أسباب أوّلها أنها المسؤولة عن التغيرات المناخية، لأن كل أفريقيا تسهم فقط بنسبة 4% من انبعاثات غاز الكربون، أما مساهمة بلدين مثل الصين والولايات المتحدة تصل إلى 46%. في المقابل فإن أكثر قارة متضررة من التغيرات المناخية هي أفريقيا.
ولهذا فنحن نضغط حتى تقتنع الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة على تجاوز أزمة الجوع، وحتى الآن فإن تقديرنا أن الدول الغنية لا تقوم بما يجب عليها.
ولا يجب أن نتعامل مع الأمر على أنها مساعدات خيرية، لأننا عندما ننظر إلى وضع النساء والأطفال وهم يعانون الجوع فإننا نتحدث عن العدالة التي يستحقها هؤلاء، إذ لا ذنب لهم في التغيرات المناخية ولا في إطلاق الحروب.
هل العالم فعلا قادر على تقديم المساعدات الضرورية للدول الفقيرة؟
من المفارقات أن الأمم المتحدة أطلقت حملة لجمع مساعدات لدول شرق أفريقيا بقيمة 4.4 مليارات دولار، لمواجهة المجاعة في هذه المنطقة، وحتى الآن تم جمع 5% فقط من المبلغ المطلوب.
في المقابل، فإن العالم الغربي قام بجمع أكثر من 16 مليار دولار كمساعدات إنسانية في شهر واحد لمواجهة الحرب البشعة في أوكرانيا.
كما أن هذه الدول قامت بضخ حوالي 16 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي لمواجهة وباء كورونا، ولهذا فالأمر لا يتعلق بالإمكانيات أو القدرة على جمع الأموال، لكن ليس هناك أي جهد حقيقي.
ما الحلول التي يمكن من خلالها مساعدة هذه الدول؟
من بين الحلول التي اقترحناها على الدول الغنية التخلي عن ديونها للدول التي تواجه خطر المجاعة، فأداء الفائدة على هذه الديون ينهك خزينة الدول الفقيرة.
وحسب تقديراتنا فإن تخلي الدول الغنية عن ديونها التي على دول شرق أفريقيا ستوفر لهذه الدول مداخيل تقدر بحوالي 65 مليار دولار يمكن بها مواجهة خطر المجاعة والتغيرات المناخية.
من أكثر الفئات المتضررة من المجاعة حاليا؟
مع الأسف الأطفال هم أكبر ضحية للمجاعة حيث يعانون من نقص الغذاء والماء الصالح للشرب، ما يؤثر على نموهم الطبيعي ويؤدي إلى إصاباتهم بالكثير من الأمراض المناعية.
وعلى سبيل المثال في شمال إثيوبيا هناك أكثر من نصف مليون طفل يعانون المجاعة، وفي الصومال فإن حوالي نصف الأطفال (أعمارهم أقل من 5 سنوات) يعانون من سوء التغذية، وفي كينيا 715 ألف طفل من نفس الفئة العمرية يعانون من المشكلة ذاتها.
وفي حال لم يتحرك العالم للقيام بأي شيء، فإن حوالي 360 ألف طفل سيموتون من الجوع في شرق أفريقيا.